القدرة التنفيذية للجيش تتراجع.. هل تدخل إسرائيل حربًا؟
موقع الخنادق-
مروة ناصر:
بدا تراجع كيان الاحتلال ومصلحة سجونه عن الإجراءات المتشدّدة بحق الأسرى الفلسطينيين، الذين هدّدوا بإضراب عن الطعام، كمحاولة نزع فتيل التصعيد، على أبواب شهر رمضان المبارك. اذ أمام حالات العصيان في وحدات الجيش -احتجاجًا على “قانون” التعديلات القضائية – باتت القدرة التنفيذية العسكرية الفعلية موضع نقاش جديّ، في حال أمعنت الحكومة وشخصياتها المتطرّفة بممارسات تجرّ الساحة الى حرب.
وحدات مهمة تنخرط بالاحتجاج ضد التعديلات القضائية
خلال شهر واحد فقط، طال الامتناع عن الخدمة فروع الجيش كافة، وأهمها الوحدات الجوية، والبحرية، والاستخبارات والسايبر، الى جانب الوحدات البرية الخاصة:
_ أعلن أكثر من 200 جندي من قدامى المحاربين البالغ عددهم 8200 شخصاً أنهم سيتوقفون عن التطوع في خدمة الاحتياط.
_ صرّح حوالي 100 طبيب عسكري في خدمة الاحتياط الذين يعملون في كافة تشكيلات الجيش الإسرائيلي أنهم سيتوقفون عن العمل حتى إشعار آخر.
_ أعلن أكثر من 100 جندي احتياطي في سلاح الجو أنهم سيتوقفون عن الخدمة الروتينية وغير الطارئة. ومن بينهم كبار الضباط برتبة عقيد وعميد. وهم “يشغلون أدوارًا حاسمة داخل المقر العملياتي للقوات الجوية، مثل مراكز التحكم والقيادة والتخطيط والاستخبارات”، حسب ما شرح المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” العبرية عاموس هرئيل.
_ أعلن 180 طيارًا و 50 مراقبًا و 40 مشغل طائرات بدون طيار، أنهم لن يقدموا تقارير عن التدريبات لمدة أسبوع ، لكنهم سيستمرون في الخدمة في المهام. ومع ذلك، فإنهم يدرسون أيضًا ما إذا كانوا سيمددون احتجاجهم ويعلقون خدمتهم تمامًا. فيما يعتمد طاقم العمليات في الجيش بشكل كبير على الإبلاغ المتكرر لجنود الاحتياط، في أوقات الطوارئ والروتينية. ووفقًا لـ “هرئيل”، “يعيق عدم الإبلاغ بالفعل العمل اليومي للأسراب ومقر العمليات”.
_ حذّر عشرات ضباط الاحتياط في سلاح المدرعات، في رسالة إلى رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، من عدم التزامهم بخدمة الاحتياط، إذا تم تمرير قانون التعديلات القضائية.
_ انخفض عدد جنود الاحتياط الذين يقومون بالخدمة في القوات البرية. ففي كتيبة واحدة من لواء المظليين (551 النخبة)، أبلغ 57 % فقط من الجنود أنهم سيخدمون وهو انخفاض حاد بالنظر الى أن نسبة المشاركة المعتادة كانت في السابق 90%.
_ 650 مقاتل من جهاز العمليات الخاصة أعلنوا أنهم لن يخدموا كمتطوعين.
_ انضم 100 جندي من احتياط الوحدات الخاصة البحرية الى الاحتجاجات، بحسب صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية.
_ أعلن المئات من جنود الاحتياط في قسمَي الاستخبارات والسايبر عدم التزامهم بالخدمة في وحداتهم.
_ أرسل 72 جنديًا من الاحتياط في نظام الحرب الإلكترونية رسالة إلى وزير الجيش غالانت ورئيس أركانه هيرتسي هاليفي،معربين عن قلقهم جراء التعديلات القضائية.
_ ضباط وحدات النخبة يعلنون أنهم لن يداوموا في خدمة.
_ سيقعد خريجو وحدة المظليين من السنوات الخمس الماضية اجتماعًا الأسبوع المقبل، وسيناقشون إمكانية مقاطعة خدمة الاحتياط.
جاهزية الجيش تستند على الإحتياط
تعمل تشكيلات جيش الاحتلال المتنوعة، كحلقة متكاملة في تنفيذ المهمات العسكرية، لذا إنّ المشاكل في واحدة من هذه الوحدات تؤثر على نوعية العمل وقد تصيبه بالعطب. كما يستند هذا الجيش على قوات الاحتياط بشكل كبير لشنّ هجمات واسعة.
هنا، شرح “هرئيل” أنّ “المشاركة المنخفضة في عدد جنود الاحتياط – الذين غالبًا ما يقومون بأدوار متخصصة – يمكن أن يضر باستعداد الجيش الإسرائيلي للعمليات”. مضيفًا أن الامتناع عن الخدمة في صفوف الجنود “يلحق الضرر في كفاءته التنفيذية في المدى البعيد”.
التصريح المهم في هذا الشأن، كان لرئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، الذي قال إنّ “جيش الاسرائيلي لن يكون قادراً على العمل بدون جنود الاحتياط الذين تستند جاهزيتهم على جاهزية إسرائيل”. محذرًا أن “هناك شقوق يمكن أن تتشكل، ولن نتمكن من إصلاحها لاحقاً… جنود الاحتياط عنصر أساسي في كفاءة الجيش”.
رئيس الحكومة نتنياهو، الذي يريد كبح هذا العصيان ولو بالقوّة، يعترف بنفسه بخطورة آثاره، فقد صرّح أن “العصيان العسكري يعتبر تهديدًا وجوديًا… ليس هناك مكان للعصيان العسكري في السجال العام. دولة ترغب في البقاء لا يمكنها التسليم بظواهر كهذه”.
في المقابل، ترى هيئة الأركان أن التعامل بالقوّة مع الجنود واتخاذ اجراءات مثل الفصل والعقوبات الشديدة بحقهم، ستجرّ الأمور نحو صدام “يخرج عن السيطرة بشكل لا يمكن احتواءه”.
الاحتياط الجوي: نصف القدرة العملانية للجيش
يكمن الخطر على جيش الاحتلال وقدرته التنفيذية، في سلاح الجو. اذ بعد الردع الكبير الذي أصاب الوحدات البرية على الجبهتين الجنوبية والشمالية (قطاع غزّة ولبنان)، شكّلت الوحدات الجوية العامود الفقري للجيش. و”الاحتياط الجوي يشكّل نصف القوة العملانية، و أسراب سلاح الجو هم جزء لا يتجزأ من الأنشطة الجارية لسلاح الجو. من دون طياري احتياط، عملياً ليس هناك سرب”، حسب ما شرحت صحيفة “معاريف” العبرية.
تابعت الصحيفة، في تصوّر ميداني للأحداث، اذ ما دخل الجيش في أيّ نوع من العمليات العسكرية، أنّ “الجيش يمكنه شن عملية برية في قطاع غزة بحجمٍ متوسط من دون تجنيد ألوية احتياط للقتال. في المقابل، عناصر الفريق الجوي في الاحتياط مهيمنون جداً في وظائف رئيسية. طيارو الاحتياط يلعبون دوراً في كل نشاط جار لسلاح الجو”.
أمام تآكل الجيش الاسرئيلي من الداخل، وجّه وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت ما وصفه الإعلام العبري بـ “التحذير” الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قائلًا: “إما أن توقف مشروع قانون الإصلاحات أو سأصوت ضده في الكنيست”. فيما يصرّ وزير القضاء، ياريف ليفين، أن “قانون الإصلاح القضائي وصل الى مراحل حاسمة”.
في هذا السياق، أوضح العميد المتقاعد والخبير في الشؤون العسكرية، واصف عريقات، في حديثه مع “الخنادق” أن ما يحصل حاليًا يمكن اعتباره “ويعتبر انقلابًا عسكريًا.وقد قدّم رئيس هيئة الاركان هاليفي معلومات أمنية وتحذيرات صريحة لنتنياهو وحكومته، واذا ما استمرت هذه المظاهرات فانها ستكون ككرة الثلج المتدحرجة تجمع ما بين العصيان المدني والانقلاب العسكري يصعب التكهن بنتائجه الكارثية”.
هل يغامر الاحتلال بحرب؟
على الرغم من تمزّق الجيش، لا يزال عدوان الاحتلال مستمر في الضفة الغربية المحتلّة، حيث اغتيل، في اليوم الاوّل من شهر رمضان المبارك، القائد في كتيبة طولكرم أمير أبو خديجة. وفي القدس المحتلّة، يستعدّ الاحتلال لتمرير طقوس ما يسمى “عيد الفصح” العبري واقتحامات المستوطنين في الأسبوع الثالث من شهر رمضان، وسط حشد الفلسطينيين للتصدي، ما قد يفتح الأبواب أمام احتمال تصعيد مع المقاومة في غزّة، على غرار “سيف القدس” في العام 2021. وفي شمال فلسطين المحتلّة، قدّم الاحتلال رواية حول عملية “مجدّو” متهمًا حزب الله بتنفيذها واختراق الحدود عبر “متسلّل” زرع عبوة. يبدو أنه من خلال هذه الرواية، أراد تقديم ذريعة لبدأ عمل ما عند الحدود أو في لبنان.
لكن، في مثل هذا الوضع على المستوى العسكري، ألا تعتبر الحرب بالنسبة للاحتلال “مغامرة خطرة”؟ يجيب “عريقات” أن ” الإجابة في باطن السؤال، ليس سهلا أن تجمع بين المغامرة والسلامة، ولكن الجمع يتم بين المغامرة والحماقة وهذا ما قامت بها قيادات الكيان في كل اعتداءاتها السابقة. وما السيناريو الفاشل الذي اعده نتنياهو في مجدو ومحاولة اتهام حزب الله في اجتياح الحدود وتنفيذ العملية ثم التراجع الا دليل على قلق نتنياهو وحكومته من تبعات التصعيد”.
لا يمنع ذلك من أن يبقى خيار الهروب الى الأمام وتصدير الأزمة الداخلية الى الخارج، واردًا لدى نتنياهو وحكومته في حال خرجت الانقسامات عن السيطرة وتحوّلت المظاهرات الى “حرب أهلية”، فيما السؤال الأهم: كيف سيتعاطى جيش الاحتلال مع حرب، تكون فيها وحدات الاحتياط في فروعه الأساسية مكبّلة؟ هل تحسب الحكومة لانعكاسات ذلك لنتائج المواجهة؟