القاهرة وأنقرة… هل من فرص للتقارب؟
جريدة البناء اللبنانية-
هشام الهبيشان:
يبدو أنّ الحديث الأخير عن مشروع تقارب تركي ـ مصري، قد أثار قريحة بعض الإعلام العربي، وهنا يبدو أنّ بعض الإعلام العربي، على مختلف وتوجهاته، ما زال يعاني من عبثية التقاط الأخبار وترويجها، بالإضافة إلى أسلوب عبثي في تحليلها وبناء الأفكار حولها.. «بروباغندا» الإعلام العربي بات يشوبها في الفترة الأخيرة الكثير من التناقضات، وكأنّ هذا الإعلام مُغيّب عن حقائق الواقع المعاش.
إنّ الحديث اليوم عن مشروع تقارب مصري ــــ تركي، تدعمه وتديره محاور جديدة تتشكل بالمنطقة، هو أقرب إلى الهزلية منه إلى الواقعية، ذلك أنّ المتابع لطبيعة تشعُّب الخلافات بين نظامين الدولتين، أبعاداً وخلفيات، يستنتج أنه يستحيل، في هذه المرحلة تحديداً، حصول تقارب بين النظامين لأسباب كثيرة. ومهما كانت المخاطر الإقليمية والدولية التي تواجه القاهرة وأنقرة، لا يمكن أبداً الحديث عن فرص تقارب، خصوصاً أنّ لكلّ منهما مشروعاً، وكليهما يسعيان إلى بناء نفسيهما كقوتين إقليميتين، ولكلّ منهما ثأر طويل مع الآخر.
تؤكد التطورات أنّ هناك أكثر من ساحة اشتباك مصري ـــ تركي، تبدأ في ليبيا ولا تنتهي في غزة، كما أنه لا يمكن إنكار حقيقة أنّ تركيا ما زالت تدعم، وبقوة الشراكة مع «الإخوان» في مصر وغيرها، رغم الصورة التي تحاول أن تظهرها بنفض شراكتها مع الأخوان في عموم المنطقة العربية وتحجيم دورهم السياسي والإعلامي في الداخل التركي كقوى معارضة لبعض الأنظمة في المنطقة العربية.
وهنا يجب التنويه، لمسألة هامة، أنّ تركيا «الرسمية»، في السنوات الخمس الماضية على الأقلّ لم تترك ودوائرها الإعلامية مناسبة دولية أو محفلاً إقليمياً أو محلياً، إلا وكانت تكرّر أسطوانتها المشروخة التي تصف فيها النظام المصري بأنه نظام انقلابي وغير شرعي، وغيرها من سلسلة الاتهامات التي يطلقها النظام التركي حينها، بحقّ النظام المصري، على المقلب الآخر، لا يزال النظام المصري ينظر إلى النظام التركي بأنه عدو لمصر بل يضعه في خانة ألدّ الأعداء، ولا تزال وسائل الإعلام المصرية الحكومية والخاصة تتحدث عن دور تركيا في ضرب استقرار مصر، ولهذه الوسائل دور في شنّ حملات إعلامية تهاجم النظام التركي.
لذلك، يجب أن لا يغيب عن أذهاننا عند الحديث عن تركيا، دور قطر حليفها الأبرز عربياً، فهل هناك في الأصل توافق قطري ــــ مصري، حتى ينسحب هذا التوافق على الحالة التركية ــــ المصرية؟ وبعيداً عن ساحات الاشتباك المتعدّدة الوجوه والأشكال بين القاهرة والدوحة، تؤكد مجريات الأحداث أنّ مجرد التفكير بتقارب مصري ـــ تركي هو تفكير عبثي.
يعي معظم المراقبون، بدورهم، جيداً حجم الخلافات المصرية ــــ التركية، ويعلمون أنّ من الصعوبة الحديث عن تقارب وأنّ كلّ الأحاديث عن تقارب ما ستكون عبثية لا فائدة منها، فالمصريون لن يقدّموا أيّ تنازلات للأتراك من قبيل إطلاق يد الإخوان في الداخل المصري من جديد، أما الأتراك فلن يتنازلوا عن مشاريعهم التي تستهدف استمرار الفوضى في المنطقة العربية، وهذا بدوره يؤكد أنّ مساعي البعض هنا وهناك والساعية لبناء توافقات إقليمية تؤسِّس لبناء تحالفات ذات طابع جديد، ستواجه العديد من التحديات.
ختاماً، لا يمكن لأيّ متابع أن ينكر حقيقة، وجود مجموعة صعوبات ومعيقات تعيق التقارب بين أنقرة والقاهرة، وهذا ما ينذر بالتأكيد بأنّ هناك متغيرات إقليمية مقبلة ستُحدث تغييراً جذرياً في قواعد الاشتباك الإقليمية، وستعيد تشكيل أقطاب الأحلاف الجديدة في المنطقة، ما يعني أنّ المنطقة برمتها مقبلة على تغيّرات جيو سياسية كبرى، ولهذا لا يمكن بهذه المرحلة بالتحديد الحديث عن حلول ما للأزمة بين أنقرة والقاهرة، بانتظار طبيعة وشكل التحالفات المقبلة بالمنطقة بمجموعها.