الفيدرالية… كلمة ممنوعة من الصرف في الواقع اللبناني
موقع قناة المنار-
أمين أبوراشد:
قد يكون المنظِّرون لطرح الفيدرالية قد اعتمدوا مقولة لبنانية تاريخية، أن التفاح ماروني، والتبغ شيعي والليمون سنِّي، نسبة للإنتشار المذهبي على الأرض اللبنانية، وحاول البعض مؤخراً إضافة ثمرة التين الى بازار السجالات الطائفية المقيتة، لكن وعي المواطنين يبدو أعقل وأصوب من أوهام الباحثين عن المزيد من بذور الفرقة، التي لا أرض خصبة لإنباتها في أرض الواقع الشعبي، الرافض منذ منتصف السبعينات لمبدأ التقسيم والتمزيق والطروحات الواهية الواهمة لمَن يحملون راية التقسيم تحت مُسمَّيات مختلفة، مردودة إليهم وعليهم رهانات خائبة، بالنظر الى استحالة تطبيق ما تُسمَّى الفيدرالية، التي تُشعِل محاولة تطبيقها حروباً لا تنتهي بهدف الفرز الديموغرافي الذي ترفضه “طبقة الفلاحين” التي تستوطن الأطراف والأرياف بتنوّعها الطائفي الرائع والفريد.
وكي نُبسِّط الأمور بعيداً عن فذلكة جهابذة الفيدرالية، يهمُّنا بدايةً الإعتراف، أن كانتونات هكذا فيدرالية ستكون حكماً طائفية ومذهبية، وتطبيق الفيدرالية في لبنان عبر خلق كانتونات دينية مع ربط مناطق الأطراف بالكانتون التابعة له، شبيه بما حاولت “صفقة القرن” تطبيقه لإنشاء دولة فلسطين عبر وصل الأوصال المُقطَّعة بأنفاقٍ وجسور، تماماً كما سوف يحصل في إبداعات جماعة الفيدرالية في لبنان، بإنشاء جسر أو نفق من الشمال – القبيات وزغرتا – الى كسروان وجبيل، ورميش والقليعة من الجنوب الى كسروان وجبيل، وراشيا الى الجبل، ومن بعلبك الى الجنوب مروراً بالضاحية الجنوبية، ومن عكار وطرابلس الى بيروت مع جسرٍ الى الإقليم وصولاً الى صيدا !
وإذا أنكر المُنادون بالفيدرالية في لبنان اعتماد الطريقة الصهيونية في تشكيل دولة فلسطين، عبر ضمّ الأطراف باللجوء الى الجسور والأنفاق غير القابلة للتطبيق على جغرافيا التوزيع الديموغرافي، فإن الحل الثاني هو في خلق حروب تُحقق ما يعرف بإسم “ترانسفير” أي التهجير القسري لساكني الأطراف الى حيث مركز الكانتون الذي يتبعون له مذهبياً، والخطر الوجودي الأكبر على أقليات الأطراف يكمن في هذه النقطة بالذات، فلا يجِد الهاربون الى كانتونهم الجديد نعمة التنوُّع المجتمعي الذي اعتادوا عليه أباً عن جدّ، ويفتقد الرافضون مغادرة أرضهم رحمة العيش الواحد مع الآخر الحاكم بمقدرات كانتونه وفق التقسيمات المذهبية لصهاينة الداخل.
تبقى المسألة الأهم التي غابت عن “الفيدراليين”، كيفية ربط إدارات الكانتونات المحلية بالإدارة المركزية، سواء لجهة القوانين الفيدرالية أوالأحوال الشخصية أوالموازنة الإتحادية، سيما وأن العامل الأكبر الذي يُعرقل لغاية الآن تطبيق اللامركزية الإدارية في لبنان، هو في تمويل الإدارات المحلية الذي ترفضه مركزية القرار السلطوي التي تشترط تمرير الموازنات عبرها لأسباب مذهبية محاصصية، ولذلك، ورأفة ببقايا وطن موحَّد على مستوى الشرائح الشعبية على الأقل، فإن الحلّ الوحيد الأوحد هو في اللامركزية المُجتمعية الحالية، وأن لا يحشر البعيدون عن كل بيئة مناطقية أنفسهم ببيئة الآخرين، لأن الأطراف تُدرك كيفية تعايش مواطنيها من منطلق الإختلاف بعيداً عن الخلاف، وكفى غيرة مُصطنعة من البعيدين لإشعال المزيد من زرع الفِتَن بطروحات وهمية، وليبقَ مزارع التفاح آمناً في أرضه، وصاحب كرم التين مطمئناً في بيئته المثالية…