الفشل الذريع للإسلام الأطلسي
موقع قناة الميادين-
موفق محادين:
ما من تجربة أصابها الفشل الذريع كلما اقتربت من فكرة الدولة والاقتصاد والحداثة والمجتمع المدني، مثل تجربة الإسلام الأطلسي، والأدق التوظيف السياسي لهذا الإسلام.
اعتقد البعض أن الإسلام الأطلسي، البريطاني- الأميركي، في طريقه للسيطرة على الوطن العربي، محمولاً بقرارات أميركية وبـ”حنفيات” مالية وإعلامية من الغاز المسال، حيث يتحول هذا الإسلام إلى حصان طروادة بحقبة جديدة من الاحتلال العثماني.
وبنى البعض أوهامه على أحلام مريضة بسقوط سوريا واستمرار الحدث العابر في تاريخ مصر ثم عبر تونس والمغرب وقبلهما السودان والعشرية السوداء في الجزائر.
بيد أن هذه الأوهام سرعان ما تبخرت وراحت أحجار الدومينو الإسلاموية الأطلسية تتداعى الواحد تلو الآخر: سوريا، ثم مصر، ثم السودان، فتونس، وأخيراً السقوط المدوّي لهذا التيار في الانتخابات البرلمانية والبلدية المغربية. وقريباً من الوطن العربي؛ تتجه مؤشرات الانتخابات البلدية في تركيا وسقوط حزب إردوغان في المدن الكبرى إلى أن تركيا العثمانية قاب قوسين أو أدنى من غروبها وغروب مشروع اليهودي الأميركي برنارد لويس الذي نظّر مبكراً للانبعاث العثماني في تركيا.
والأدعى إلى السخرية هنا أن تبدو طالبان التي تجسد ثلاثية المفكر المغربي، الجابري، القبيلة- العقيدة- الغنيمة كرمق أخير لإسلام أطلسي أنفقت عليه مئات المليارات.
ولنا أن نقول، ما من تجربة أصابها الفشل الذريع كلما اقتربت من فكرة الدولة والاقتصاد والحداثة والمجتمع المدني، مثل تجربة الإسلام الأطلسي، والأدق التوظيف السياسي لهذا الإسلام.
والأخطر هنا هو أن تأسيس هذا النمط من الإسلام السياسي لم يكن بعيداً منذ لحظته الأولى، حتى اليوم، عن أصابع الاستخبارات البريطانية ثم الأميركية، بل إن أول من دافع عن الدولة العثمانية في بداية انحطاطها ومنع سقوطها على أيدي الجيوش المصرية في القرن التاسع عشر، الثنائي اليهودي الذي كان يتحكم في بريطانيا: رئيس الوزراء دزرائيلي، ورجل المال روتشيلد.
وقد تم توظيف هذا النمط من هذا الإسلام بحسب كل مرحلة، فمن الوهابية النجدية والقطرية وعلاقتها بقلم الاستخبارات البريطانية كما يعترف بيركهارت، إلى توظيف هذا الإسلام ضد حركات التحرر الوطني العربية وغير العربية، إلى استراتيجية تطويق روسيا السوفياتية ثم البوتينية والصين كحزام أخضر إسلاموي تحت سيطرة مطابخ الاستخبارات الأطلسية وأقلامها.
ومن الوثائق والمراجع حول ذلك:
– مذكرات بيركهارت.
– مارك كورتيس، التاريخ السري لتحالف بريطانيا مع الأصوليين.
– ستيفن هات، لعبة بعمر الإمبراطورية.
– روبرت درايفوس، لعبة الشيطان.
– مذكرات جيمس وولي، مدير الاستخبارات الأميركية الأسبق.
– ثروت الخرباوي، سر المعبد.
– ايان جونسون، مسجد في ميونخ
– شاريل بينارد، الإسلام الديموقراطي.
– نوح فيلدمان، تدهور الدولة الإسلامية ونهوضها.
– بيرنارد لويس، لغة السياسة في الإسلام.
– عبد العظيم حماد، الوحي الأميركي.
– لوي شتراوس، أعلام الفلسفة السياسية.
أما في التطبيق، فمن ذلك:
1- في تونس والمغرب، فضلاً عن الفشل الاقتصادي الاجتماعي، فإن الأخطر هو التغطية على التطبيع مع العدو الصهيوني؛ ففي عهد الحكومة الإسلامية في المغرب، تم التوقيع على العديد من الاتفاقات مع العدو الصهيوني، وفي تونس رفض نواب حركة النهضة التصويت على تجريم التطبيع.
2- في مصر، فضلاً عن محاولة الإسلاميين المذكورين وضع اليد على مصر وخصخصة ما تبقى من مؤسسات الدولة لنهبها بـ”تراب المصاري”، كما حدث في السودان، واصل حكم مرسي السابق سياسات التطبيع مع العدو وتبادل معه البرقيات بمناسبات مختلفة، وقمعت شرطته أكبر تظاهرة حاولت اقتحام سفارة العدو في القاهرة.
3- في السودان، وبعد الانقلاب العسكري الدموي للإخوان (تصفية عشرات الضباط)، دخل الإسلام السياسي أسوأ أيامه، من كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وصار من أكثر الدول فساداً ومديونية، رغم خيرات السودان الكثيرة، وذلك فضلاً عن الصراعات الداخلية بين الأجنحة الإسلامية نفسها (الترابي- البشير) وأخيراً المجموعة الحالية التي دشّنت عهدها بالتطبيع مع العدو الصهيوني.
ولعل الوجه الأخطر في تجربة السودان الإسلاموية تمزق الدولة نفسها بين ولايات انفصالية، مثل دارفور، والموافقة على سلخ الجنوب كمحمية إسرائيلية.
4- في سوريا والعراق، وإضافة إلى استراتيجية تدمير الدول باسم مواجهة الأنظمة، قدم الإسلامويون للعدو الصهيوني والامبريالية واليهودية العالمية أخطر ذريعة لاتهام العرب والمسلمين بالتخلف والإرهاب الدموي المسلح، وإعادة إنتاج المعزوفة الاستشراقية العنصرية الصهيونية (إعادة الاستعمار لـ تمدين المتوحشين).
5- ويشار كذلك إلى دور الميليشيات الإسلاموية في دعم عميل الاستخبارات الأميركية في إندونيسيا، سوهارتو، الذي يصنّف من أكثر الرؤساء فساداً ودموية في العالم، والذي نظّم مع الميليشيات الإجرامية المذكورة مذابح تقشعر لها الأبدان بحق الأرياف والطبقة العاملة والمثقفين، راح ضحيتها مليون شخص، كثالثة كبريات المذابح في القرن العشرين، بعد المذبحة التركية ضد الأرمن، والمذابح الأميركية النووية ضد المدن اليابانية.
6- أما تركيا التي يسوّقها الإسلاميون كنموذج للتنمية، فهي ليست دولة إسلامية بل توظف الإسلام خارجها وفي المحيط العربي والآسيوي لغايات طورانية وأجندة أطلسية. فإضافة إلى وجود أكبر سفارة للعدو الصهيوني فيها، ومستوى واسع من التنسيق العسكري والأمني معه، ووجود كبرى القواعد العسكرية الأميركية مثل إنجرليك، وعضويتها في حلف الأطلسي، الذراع العسكرية الأمنية للإمبريالية العالمية، فإن اقتصادها اقتصاد رأسمالي في كل تفاصيله وليس اقتصاداً إسلامياً، ويقوم على ما يعرف بالتقسيم العالمي للبلدان المتوسطة التطور التي تحل بعد الدول الصناعية الكبرى في سياق استيعاب خطوط الإنتاج والصناعات التي تتخلى عنها البلدان الكبرى تحت تأثير الثورة المتواصلة للتكنولوجيا، مثلها في ذلك مثل البرازيل والمكسيك والهند وجنوب أفريقيا والنمور الآسيوية.
وليس بعيداً عن ذلك، “الموديل” الاجتماعي لهذه الدول، وعلى رأسها تركيا، وهو “موديل” غير إسلامي إطلاقاً، بالنظر إلى ترخيص البغاء والمشروبات الكحولية، بل إن تركيا تعد مع كولومبيا وآذربيجان وجنوب أفريقيا من بلدان المافيا العالمية، وكذلك من أكبر مستوردي الويسكي في العالم، ومن أكبر مستهلكي المخدرات وطرقها (ممراً ومقراً).
7- ويشار هنا إلى أن البيئة الاقتصادية عموماً لرجال الأعمال المسلمين ليست بعيدة عن بيئة (يوسف ندا) خصم جمال عبد الناصر والمتورّط في محاولة اغتياله وصاحب الاستثمارات الكبيرة في جزر غسل العملة والتهرب من الضرائب، مثل جزر المارشال، العذراء البريطانية، ومناطق مثل بنما، وفي وسع المهتمين أكثر العودة إلى كتاب ستيفن هات (لعبة بعمر الإمبراطورية) حول بنك BCCI وعلاقته بغاسلي العملة الإسلاميين، وكتاب كورتيس السابق الذكر، وخاصة حول بنك الائتمان وعلاقته بغسل العملة، وكذلك العودة إلى فيلم “التسلل” حول بنك الاعتماد ودور إسكوبار وناشطين إسلاميين.