الفراغ السياسي في لبنان… أزمات وتحديات
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
لا يبدو مستغرباً لدى اللبنانيين، أن تبقى المناصب العليا في الدولة شاغرة، لكن في مقابل ذلك، باتت ظاهرة الشغور السياسي في لبنان، علامة فارقة في دول المنطقة، الأمر الذي يعكس عمق الأزمة التي يعانيها النظام السياسي في لبنان، فضلاً عن معادلة المحاصصة الطائفية، والتي تؤثر وبشكل مباشر، على عموم الشعب اللبناني، وبالتالي، فإنّ شغور قصر بعبدا بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وفشل البرلمان في انتخاب خلف له، لا يُعدّ أمراً مستهجناً لدى غالبية اللبنانيين.
ومن المهمّ التوضيح، أنّ النظام السياسي في لبنان، صُمّم على أسس تكريس السلام خاصة بعد الحرب الأهلية، وذلك من خلال فرض تقسيم طائفي ومذهبي للمناصب العليا. لكن هذا النظام، الذي خُطط له أن يكون مؤقتاً ويعمل على تمهيد الأرضية لتأسيس دولة مدنية، تحوّل إلى أداة لأمراء الحرب السابقين وزعماء الطوائف، لمواصلة إحكام قبضتهم على مختلف نواحي الحياة من السياسة إلى الاقتصاد والأمن.
العلامة الفارقة في سياق النظام السياسي في لبنان، بدأت منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في انفجار عام 2005، إذ بدأ العجز يظهر جلياً في النظام السياسي اللبناني، والذي لم يعد قادراً على إنتاج حالة سياسية مستقرة لفترة طويلة كما كان الحال بعد اتفاق الطائف، وعلى عكس العقود الثلاثة الماضية، التي استطاع فيها النظام السياسي التعايش مع حالة الفراغ أكثر من مرة إنْ كان على مستوى الرئاسة، كما حصل بين عامي 2014 و2016، أو على مستوى عدم وجود حكومات أصيلة لأشهر طويلة، فإنّ الفراغ الرئاسي الجديد يُنذر بمزيد من الفوضى السياسية والانهيار الاقتصادي والاجتماعي، خاصة أنّ لبنان يُعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق منذ ثلاث سنوات، وتُديره حالياً حكومة تصريف أعمال هشة بصلاحيات مقيّدة، ووجود برلمان منقسم بشكل حاد، ويفتقد لوجود غالبية صريحة وواضحة قادرة على انتخاب رئيس جديد للبلاد.
غالبية السياسيين اللبنانيين وعلى مختلف توجهاتهم، يُجمعون على أنّ لبنان في مأزق سياسي، لكن لا أحد من الساسة اللبنانيين، يملك تصوّراً أو بديلاً يمكن أن يحظى بإجماع اللبنانيين، وحتى شكل وماهية النظام السياسي في لبنان، لا يمكن تجاوز مفرداته الطائفية، للوصول إلى بدائل وخيارات تُجنّب اللبنانيين المزيد من الانحدار. وفي ذات السياق، لطالما كان الاستقرار السياسي بعد الحرب الأهلية، مرهوناً بالاستقرار الاقتصادي والتوازن الطائفي الداخلي وتوازن النفوذ الإقليمي في البلاد، لكن أياً من ذلك لم يعد قائماً. فقد أدّى الانهيار الاقتصادي إلى تقليص حادّ للطبقة الوسطى، ودفع غالبية اللبنانيين إلى الفقر وتصاعد النقمة على القادة السياسيين.
كلّ هذه التحوّلات مجتمعة إلى جانب الفساد المتأصّل في الدولة نتيجة للمحاصصة الطائفية والمذهبية، أوصلت لبنان إلى مرحلة ضعفت فيها قدرة النظام السياسي على مواصلة إدارة الأزمات بالشكل الذي اعتاد عليه في السابق. تكمن المخاطر الآن في أن شغوراً رئاسياً طويل الأمد قد يؤدّي إلى انهيار البلاد بشكل أكبر. على الرغم من أنّ منصب الرئيس لا يلعب دوراً جوهرياً في إدارة السلطة التنفيذية، فإنّ الحكومة، التي يُفترض أن تنتقل إليها الصلاحيات الرئاسية بموجب الدستور، مستقيلة وبالتالي هي مقيّدة بشأن كيفية استخدامها.
كما أنّ عملها مكبّل بالإجماع الداخلي الذي يصعب تحقيقه بسهولة في ظلّ الاستقطاب الكبير بين مكوناته.
وبالنّظر إلى أنّ الإصلاحات الاقتصادية التي يشترطها صندوق النقد الدولي مقابل المساعدات، تبرز كقضية ملحة في عمل حكومة تصريف الأعمال، فإنّ إقرار هذه الإصلاحات يتطلب موافقة غالبية أعضاء الحكومة، مما يعني وضع عقبة أخرى في طريق التعافي الاقتصادي، والتسبّب في مزيد من الانهيار الاقتصادي الذي يزيد بدوره من مخاطر الاضطرابات الاجتماعية والأمنية. من المستبعد أن تفضل النخبة السياسية المصالح الوطنية على مصالحها الضيقة كما اعتادت أن تفعل.
ختاماً، ومع شغور قصر بعبدا، يبدو أنّ لبنان ذاهب وبقوة نحو نفق سياسي مُظلم، إضافة إلى أنّ حالة اللا استقرار الاقتصادي، تفرض ضغطاً مزدوجاً على الطبقة السياسية والمُمسكة بمفاصل القرار السياسي في لبنان، وامتداداته الإقليمية، وعليه، ثمة تساؤلات تؤطر المشهد اللبناني سياسياً واقتصادياً، مع تحديات لا تخلو من إمكانية انفلات أمني، وستكون الأيام المقبلة في لبنان، وربطاً بالتأثير الإقليمي والدولي، ستكون نقطة تحوّل في المشهد السياسي في لبنان.