الغرب ينكث بالتزاماته المناخية
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
ستقوم المملكة المتحدة، وفقاً لتقرير صحيفة “الغارديان”، ببناء أول منجم فحم جديد لها منذ ثلاثة عقود في وايتهيفن في كمبريا الواقعة في شمال غرب إنكلترا، حيث سيستغرق بناء المنجم الجديد عامين، وسينتج ما يقدر بنحو 2.8 طن من فحم الكوك سنوياً، والذي يستخدم في إنتاج الصلب.
يبعث حرق رطل من الفحم 2.07 رطل من ثاني أكسيد الكربون، إذ يبدو أن المملكة المتحدة تنسى التزاماتها المتعلقة بالمناخ التي تعهّدت بها في الماضي، وهي التي حدّدت في مؤتمر تغير المناخ “كوب 26” في العام الماضي الذي جرى في غلاسكو بالمملكة المتحدة، هدف تسريع التخلص التدريجي من الفحم. وكانت قد التزمت في عام 2019، بالوصول إلى الصفر الصافي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2050. وفي هذا السياق قال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في خطابه في مؤتمر “كوب 27” لهذا العام في شهر تشرين الثاني الماضي إن بريطانيا “محقة أخلاقياً” في الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتغيّر المناخ.
وكانت هيئة مراقبة تغير المناخ في المملكة المتحدة قد حذرت في حزيران الماضي من أن خطة بناء منجم فحم في كمبريا “لا يمكن الدفاع عنها تماماً”، وذلك لأن التلوث الناجم من شأنه أن يحدث خرقاً بتعهد الدولة بخفض الانبعاثات بحلول عام 2050.
في خطوات مماثلة، أعادت فرنسا تشغيل محطة طاقة تعمل بالفحم لتأمين إمدادات الكهرباء في البلاد خلال فصل الشتاء، كما أعادت ألمانيا محطة طاقة تعمل بالفحم الصلب إلى العمل بسبب أزمة إمدادات الغاز، بينما قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة بالحدّ من قدرة وكالة حماية البيئة على الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من محطات الطاقة، وهو ما يمثل انتكاسة كبيرة للعمل المناخي.
على خلفية الصراع بين روسيا وأوكرانيا، كسرت الدول الغربية توازن العرض والطلب على الطاقة مع روسيا، لتجرّ نفسها ليس إلى أزمة طاقة فقط، بل أيضاً دفع العالم بأسره لتحمّل العواقب. بمعنى عندما تضع هذه البلدان الرأسمالية ذات العلامات التجارية القديمة مصالحها الضيقة فوق المصالح طويلة الأجل لبلدانها والمصالح المشتركة للإنسانية، فإن هذا يلقي بظلاله على الجهود المبذولة للتعامل مع تغيّر المناخ من قبل العالم، وخاصة البلدان النامية.
يعدّ تغيّر المناخ أحد أهم جداول الأعمال التي تواجه البشرية، فهو يتطلب تعاون جميع البلدان، ويجب أن يتجاوز الجغرافيا السياسية، لكن تجارب العقود الماضية تظهر أن إجراءات تغير المناخ في الدول الغربية، تخضع لأهدافها السياسية والاقتصادية الخارجية، وهذا يعني أن الغرب سيتحدث بصوت عالٍ فقط ولكنه سيتصرف بهدوء ويكون صارماً مع الآخرين بينما يكون متراخياً مع نفسه، وسيستتبع ذلك النفاق.
استخدمت الدول الغربية ولفترة طويلة تغير المناخ، وانبعاثات الكربون كأدوات سياسية، حيث توجد وراء أجندة المناخ مجموعة من الأدوات الجيوسياسية التي صاغتها الدول الغربية لقمع البلدان النامية، فهم يصنفون أنفسهم على أنهم “رواد” في التعامل مع تغير المناخ، بينما يستخدمون تغير المناخ كذريعة لعرقلة تنمية البلدان النامية حتى يتمكنوا من الاستمرار في التمتع بالمزايا التي استغلوها ذات مرة، وأن يكونوا متسلطين، كما هي الحال دائماً، وكي يحتفظوا بقوة خطابهم والمكانة المهيمنة في النظام الدولي.
لم يسدّد الغرب ديوناً تاريخية، وهو الآن مدين بالأكثر، وفي هذا الشأن يقول شين يي، الأستاذ في جامعة فودان: “إن الدول الغربية أخذت زمام المبادرة في استكمال التصنيع مع إطلاق ثاني أكسيد الكربون بتهور، ولديها التزام بمساعدة البلدان النامية على تقليل انبعاثات الكربون. لكن الدول الغربية لم تنقل صناعاتها إلى البلدان النامية للاستمتاع بالمنتجات عالية الجودة والرخيصة من البلدان النامية فقط، ولكنها طلبت في الوقت نفسه من الدول النامية دفع تكاليف انبعاثات الكربون. وبذلك تكون التضحية بمصالح بعض الناس لتحقيق نموذج حكم الآخرين. وبالنسبة للغرب، فإن الحدّ من الانبعاثات ليس مهمة جامدة، ومن الطبيعي التضحية بالأهداف طويلة المدى من أجل الأهداف السياسية الحالية”.
يعتقد الخبراء والمختصون في الدراسات الدولية أنه يتوجب على الدول الغربية مثل المملكة المتحدة أن تشرح وتعتذر للمجتمع الدولي، لأنها تؤخر العملية العالمية لمعالجة تغيّر المناخ، لكن السؤال: هل لدى هذه الدول الإرادة لتحمل المسؤوليات الدولية؟.