الغرب وتسييس أزمة الغذاء العالمية
صحيفة الوطن السورية-
الدكتور قحطان السيوفي:
منذ 9500 قبل الميلاد ولدت الحضارة الزراعية وكان الغرض الرئيس للزراعة ببساطة ووضوح، إنتاج الغذاء للاستهلاك البشري والحيواني، وفي زمن الصراعات وتنافر الأقطاب الدولية، لا يخلو أي موضوع من التسييس والتوظيف، وما يجري من جدل هذه الأيام حول أزمة الغذاء والجوع، يدخل في نطاق المواجهة المفتوحة بين روسيا والغرب الأميركي الأوروبي حول الأزمة الأوكرانية. وقبل وقت من العملية العسكرية الروسية، كان انعدام الأمن الغذائي عند مستويات قياسية. وبسبب الجائحة، والجفاف والصراعات الإقليمية.
ولما جاءت الحرب الأوكرانية ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب عوامل عدة، منها حالات الجفاف، وسلاسل التوريد التي تتعامل مع الآثار المتبقية من جائحة كورونا في البلدان الأفقر. وأدت حرب أوكرانيا إلى تفاقم الوضع السيئ، وهناك مخاوف بشأن القيود المفروضة على تصدير الحبوب، التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير في الأسعار الدولية.
وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة أن تؤدي الحرب الأوكرانية إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون نقص التغذية بما يصل إلى 13 مليون شخص هذا العام، و17 مليون شخص آخرين في 2023. بسبب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بلغت الأسعار أعلى مستوياتها، حيث تساهم الدولتان بربع صادرات العالم من القمح وخمس صادراته من الشعير والذرة، وأكثر من نصف صادرات زيت بذور دوار الشمس.
تشكل الحبوب الأوكرانية عملياً نسبة صغيرة جداً مما يمكن أن يحتاجه العالم، من ناحية أخرى أسعار المواد الغذائية في ارتفاع بالتوازي مع أبرز التحديات الاقتصادية العالمية، فالتضخم يتزايد، والجائحة لا تزال تعرقل سلاسل الإمدادات العالمية، وتغير المناخ يهدد بمزيد من الجفاف والفيضانات والحرارة وحرائق الغابات.
كانت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والمعكرونة وزيوت الطهي، الأسرع في الارتفاع. ارتفع سعر رغيف الخبز في بلغاريا 50 في المئة في حزيران عما كان عليه قبل عام، وزيوت الطهي في إسبانيا الآن ضعف سعرها قبل عام.
تؤثر الحرب كذلك في ناتج الغذاء العالمي من خلال آثارها على الأسمدة، التي ارتفعت تكلفتها بالفعل نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة، وقفزت كذلك أسعار الغاز الطبيعي، أحد العناصر الرئيسة في صناعة الأسمدة، نتيجة للحرب.
بالمقابل روسيا تدعو الغرب لعدم تسييس أزمة الغذاء والغرب يحاول ترهيب المواطنين بالجوع، وتسييس قضايا الغذاء العالمي، ودعا نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين، الغرب إلى عدم إقحام السياسة والأيديولوجية في إمدادات الغذاء الروسية والأوكرانية للأسواق العالمية، والسعي لبناء الفرص لتوفيرها، وأكد فيرشينين ضرورة فتح تصدير المنتجات الزراعية والأسمدة والمواد الخام الروسية دون عوائق، مشيراً إلى أن هناك اتفاقيات ممكنة بشأن تصدير الحبوب الأوكرانية من الموانئ الأوكرانية عن طريق البحر.
وشدد فيرشينين، على أن روسيا تعتبر احتمال إرسال أسلحة غربية إلى كييف عن طريق السفن التي من المتوقع أن تصدر الحبوب عبر البحر الأسود هو أمر غير مقبول، معتبرا أنه من المستحيل استخدام هذه الإمدادات الإنسانية لتوريد أسلحة فتاكة من الدول الغربية إلى أوكرانيا.
الخوف من حدوث مجاعة عالمية أصبح حديث الساعة في مختلف المنابر الدولية، مع مخاطر التسييس وتعتبر الأزمة الأوكرانية السبب في مجاعة عالمية وشيكة وبالدفع بأسعار الغذاء إلى ارتفاع كبير، من شأنه أن يفاقم التحديات العالمية، خاصة في الدول الفقيرة.
وفي الأفق هناك نذر تصعيد كبير بين الغرب الأميركي الأوروبي وروسيا بشأن التراشق بالعقوبات والتوتر السياسي والأمني.
وبيّن هذا وذاك تنشب أزمات عدة منها نقص الغذاء وارتفاع الأسعار، وتشير التوقعات إلى أن الأمر سيزداد حدة في الأشهر القليلة المقبلة مع تناقص المخزونات وتعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع كلفة الأسمدة الضرورية للزراعات الكبرى.
اليوم هناك نسب تضخم عالية جداً، لاسيما في الولايات المتحدة والدول الغربية، وهو ما يستدعي إعادة التفكير في أسباب هذا التدهور والمسارعة إلى إيجاد الحلول العاجلة.
حل الأزمة يكون بالتفكير الجماعي والحوار البنّاء بين جميع الأطراف والأقطاب العالمية الكبرى، سواء من المنتجين أم المستهلكين وليس بالهيمنة والبلطجة الأميركية.
المجاعة من أكثر التهديدات خطورة التي تواجه أي مجتمع، والأمن الشامل لا يكون دون توافر الغذاء لكل الشعوب بلا استثناء ليتمكن العالم من تجاوز هذا الظرف العصيب، ويستعيد الأمل في العيش بأمن وسلام.
فهذا العالم بإمكانه أن يسع كل الأمم والشعوب ويمنحها الغذاء والطمأنينة والكرامة، بشرط أن يسعى صناع القرار بجدية لمواجهة كل الأزمات، وحلّها بواقعية وعقلانية دون توظيف أو تسييس.
أخيراً؛ إن العقوبات الغربية للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، على روسيا تعرقل وتعوق تصدير المنتجات الزراعية الروسية والأسمدة في إطار المساعي الغربية المحمومة لتسييس أزمة الغذاء العالمية.