العودة.. قاب قوسين أو أدنى
مجلة العودة، كانون ثاني يناير 2013 ـ
هيثم محمد أبو الغزلان:
بات اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ينظرون إلى قضية عودتهم إلى أرضهم ووطنهم بعد انتصار المقاومة في غزة، على أنها ليست أمراً ممكناً فحسب، وإنما هي الأمر الحتمي الوحيد لشعب مظلوم. ويجب البناء على ذلك، فلسطينياً ولبنانياً، في رفض ومحاربة التوطين والتهجير، من خلال تعزيز صمود الفلسطيني، وتكاتف الجهود لمنع حصول التوطين أو التهجير، والتخلي عن صنوف التقييد والضغط التي لا تخدم محاربة مؤامرة التوطين.
فقد عدّدت مذكرة صادرة عن منظمة العفو الدولية انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان من خلال «التمييز الواضح ضد الفلسطينيين بحكم القانون وبحسب الأمر الواقع بالمقارنة مع الأشخاص الآخرين من غير المواطنين فيما يتعلق بحقوق تملك العقار ووراثة الممتلكات العقارية». ومن خلال القيود الشديدة على إعادة البناء وتطوير الأبنية في المخيمات. وهذا التمييز يخلق بالعلاقة مع حقوق الملكية والإرث، والحق في العمل، أوضاعاً لا يستطيع اللاجئون الفلسطينيون من خلالها التمتع بمستوى معيشة مناسب.
وأظهرت نتائج دراسة للرأي شملت 450 مواطناً لبنانياً، أن “89% من المستطلعين وافقوا على وجوب أن يتمتع الفلسطينيون بالمقومات التي تضمن لهم العيش بكرامة، ووافق 26% على إعطائهم الحق بالعمل من دون شروط، فيما قال 13% من اللبنانيين إنهم مع توطين الفلسطينيين وتجنيسهم كلبنانيين وإعطائهم كامل حقوقهم”.. وهذه إشارة واضحة إلى الرفض اللبناني رسمياً وشعبياً للتوطين ـ والفلسطيني بطبيعة الحال ـ، وهذا ما أكد عليه الرئيس اللبناني حول ضرورة “إعطاء الشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة”.
وضمن هذا السياق نُعرج إلى ما نشرته صحيفة النهار (3-4-2012)، بعنوان: “تصور حلول لقضايا اللاجئين الفلسطينيين من وجهة نظر “مسيحية”، ـ مع ملاحظة غياب التيار الوطني الحر عنها ـ، واللافت تمويل المشروع من قبل مركز التنمية والأبحاث الدولي في كندا. وهي تتقاطع بشكل واضح مع الرؤية الكندية “لحل مشكلة” اللاجئين؛ من خلال مشروع الدبلوماسي الكندي (مارك بيرون)، الذي قدمه في العام 1993، عندما ترأس الاجتماع الخامس في تونس لمجموعة عمل اللاجئين، طارحاً رؤية كندا، بالتوافق مع الأمريكيين والأوروبيين، لحل أزمة اللاجئين في الشرق الأوسط، من خلال منح الهوية لمن لا هوية له، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول اللجوء الحالية بحيث يتمتعون بالحقوق الاقتصادية والمدنية كاملة، مع التشديد على إفساح المجال أمام التنمية مكان الفقر والتشرد.
هذا الأمر يتقاطع مع ما طرحه التصور لجهة تحسين وتسوية أوضاع اللاجئين قانونياً ومجتمعياً، بشرط تقديم ضمانات دولية تُجنب لبنان تسوية على حسابه في قضية اللاجئين، مع إشارة التصور إلى إشارات دولية حاسمة وفي طليعتها إشارات أمريكية، أنه لا تسوية لقضية اللاجئين على حساب لبنان.
ورغم هذه الإشارات يرى واضعو التصور أن أمام المسيحيين تحدّيين لا بد من مواجهتهما، هما:
دعوة الدولة اللبنانية إلى التعامل بجدية مع قضايا اللاجئين، ودعوة المجتمع الدولي والعالم العربي إلى تحمل مسؤولياتهما (…). مع الإشارة إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم الأكثر معاناة، بخلاف اللاجئين الموجودين في دول عربية أخرى.
ويُحبّذ واضعو التصور التعامل مع وجود اللاجئين وفق خياري التطبيع القانوني والتطبيع المجتمعي. ويستشف أن نموذج مخيم نهر البارد هو النموذج المُراد تطبيقه على بقية المخيمات والتجمعات الفلسطينية، بحيث يتم ضبط حركة الفلسطيني وتنقلاته، من جهة، ومن أخرى يتم فرض علاقة تطبيعية مع فئة مختارة من الفلسطينيين (تجار، أكاديميون..).
وهذا ما يؤكده التصور مقترباً من التصريح به منه إلى التلميح بقوله: “يجب فتح نقاش مع نقابات المهن الحرة لتسهيل تأمين عمل اللاجئين في الدول العربية”. وإشارته إلى أن أكثر من نصف اللبنانيين غير مشمولين بتقديمات الضمان الاجتماعي الذي يعاني عجزاً مالياً وخللاً إداريا. ومن الأمور الخطيرة في التصور ربط موضوع التملك العقاري للاجئين بالتوطين.
ومن هنا ننطلق إلى التصريحات الملتبسة التي أدلى بها الرئيس محمود عباس للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أن دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية هي الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وأنه لا يستطيع العودة إلى بلدته صفد بعد إقامتها، والتي أثارت جدلاً واسعاً بشأن التخلي عن حق العودة، ولاقت ردود فعل شاجبة ومستنكرة. وقال عباس لاحقاً في تصريحات صحفية “إن القضايا الست الأساسية وبينها قضية اللاجئين توضع على الطاولة للنقاش في المرحلة النهائية ويعرض (الاتفاق بشأنها) للاستفتاء الشعبي وإما إن يقبله الشعب أو يرفضه”. مشيراً إلى أن القرارات الدولية تنص على حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194 الذي ينص على حق العودة أو التعويض لمن لا يرغب في العودة.
ما تقدم يترافق مع ازدياد معاناة اللاجئين الفلسطينيين بشكل بالغ وكبير مع تقليص وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لخدماتها، وتقليص خدمات منظمة التحرير. ورغم شدة السواد القاتم الذي يلف جوانب هذه القضية إلا أن صمود اللاجئين، والمحافظة على الوجود وعدم التذويب، عبّر وبشكل لا يقبل الشك عن فشل كبير للمشروع الإسرائيلي الذي راهن على تذويب اللاجئين وإنهاء قضيتهم. وليس أبلغ من ذلك استمرار هذا الوجود بصمود منقطع النظير، ورغم الواقع السيئ والمرير الذي يعيشون فيه ظلّت المخيمات الفلسطينية البائسة شاهداً على البقاء ورفض التذويب، وحضوراً غير قابل للتجاوز أو الإلغاء.