العنف في أمريكا: يفضح أصولها الاستعمارية
شبكة النبأ:
تعد الولايات المتحدة الامريكية أكثر دول العالم معاناة من ظاهرة انتشار الأسلحة، التي اسهمت بتفاقم ظاهرة العنف وارهاب الداخلي التي اصبحت تهدد المجتمع الامريكي، فأمريكا وكما نقلت بعض المصادر، هي صاحبة أعلى معدل جرائم بشكل عام في العالم، كما أنها تحتل المركز الأول في معدل جرائم الاغتصاب على مستوى العالم أيضاً. تعتبر أمريكا أكثر دول العالم معاناة من ظاهرة انتشار الأسلحة الشخصية، حيث فقدت الولايات الأمريكية سيطرتها على إدارة الأسلحة النارية، واستخدام السلاح الناري يودي بحياة الآلاف سنوياً وخاصة الشباب والأطفال، وتشير الإحصاءات أن هناك 84 بندقية أو مسدس لدى كل 100 شخص ولذلك تعاني أمريكا من أسوأ موجات عنف على مستوى العالم، وتتخطى فيها معدلات الجريمة بكل أنواعها المعدلات العالمية، وتنتشر الجرائم الوحشية وعمليات القتل المروع وتمزيق الجثث وقطع الرؤوس وغيرها من الجرائم، فمثلاً يشهد المجتمع الأمريكي جريمة قتل كل تقريباً 22 دقيقة. أما عمليات الاختطاف والاغتصاب للأطفال والنساء، فهناك حوالي 100 ألف جريمة اغتصاب يُبلغ عنها سنوياً وذلك طبقاً للأمم المتحدة، بخلاف الجرائم والاعتداءات التي لا يُبلغ عنها.
وقد أكد البروفيسور والكاتب الأمريكي جون كوزي من جامعة ستانفورد الأمريكية أن العنف يشكل سمة أساسية من سمات المجتمع الأمريكي وهو بمثابة روتين اعتاده الأمريكيون الذين يشاركون في العنف ويتمتعون به لدرجة أصبح فيها صيغة ضرورية تميز وجودهم ووسيلة طبيعية للحياة على الطريقة الأمريكية . وفي مقال نشره موقع غلوبال ريسيرش أوضح كوزي أن عمليات القتل الجماعية وحوادث العنف التي يشهدها المجتمع الأمريكي ليست مستغربة أبدا بالنسبة للأمريكيين الذين يصرون على حمل وحيازة السلاح ويرون أنه حق فردي يضمنه الدستور .
لكن الحاجة إلى حمل الأسلحة من أجل توفير الحماية الشخصية هي برأي كوزي أكبر دليل على فشل الولايات المتحدة كدولة في وظيفتها الرئيسية في تأمين الاستقرار الداخلي وتؤكد طبيعة المجتمع الأمريكي المبني على العنف. وعن تكوين المجتمع الأمريكي وبنيته الاجتماعية قال كوزي إن الولايات المتحدة صممت وتغذت على العنف الذي يعود إلى الحقبة الأولى من تكوين ما يسمى بأمريكا منذ أيام الأوروبيين الذين استعمروا القارة وكانوا يكنون الكراهية الشديدة لبعضهم.
علاقة قديمة ومعقدة
وفي هذا الشأن يبدي الأميركيون ولعا بجميع انواع السلاح من المسدسات إلى البنادق الأوتوماتيكية، وعلاقتهم بالأسلحة النارية قديمة بقدم هذا البلد ومعقدة على صورته. فالولايات المتحدة ولدت من دماء الثورة ضد البريطانيين، وعرفت أهوال الحرب الأهلية، وارتكبت مجازر بحق السكان الاصليين الهنود. كما أن هذا البلد يعتز بأساطيره عن أبطال الغرب الأميركي. ويقول آدم وينكلر مؤلف كتاب “المعركة حول حق حمل السلاح في أميركا” “لا أعتقد أننا الوحيدون في العالم الذين يحبون الأسلحة النارية، لكن هناك افتتانا حقيقيا بالأسلحة لدى الأميركيين”.
ويتابع ونكلر وهو أستاذ قانون دستوري في جامعة لوس انجليس بكاليفورنيا “هذا مرده على الارجح في جزء منه إلى أننا بلد ينظر بمثالية إلى تأسيسه، حين قرر ثوار مسلحون أن يقاتلوا حكومة متسلطة”. ووافقه الرأي إيه. جي. سومرسيت الذي تقصى موضوع حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة في كتاب بعنوان “الأسلحة: ثقافة وعقيدة البندقية”، فقال “إن الأسلحة تحتل مكانة محورية إلى حد ما في الميثولوجيا الوطنية”. وجاء الاستقلال ليرسخ البندقية في قلب هذه الميثولوجيا، لكن سومرسيت، العنصر السابق في القوات المسلحة الكندية، يشير إلى أن الأسلحة النارية لم تتحول إلى رمز وطني سوى بعد عقود على ثورة 1775-1783.
وأوضح أنه “في منتصف القرن التاسع عشر، حصلت سلسلة من الابتكارات أفضت إلى ولادة مسدس كولت والأسلحة ذات التلقيم الخلفي التي أعطت بدورها بندقية الإطلاق المتكرر، وبندقية وينشستر، إلى ما هنالك”. وقال “إن هذه الثورة التكنولوجية تتزامن مع الحقبة الكبرى من التوسع صوب الغرب” مضيفا “في ذلك الوقت بدأت البلاد فعلا تجعل من علاقتها بالأسلحة النارية أسطورة”. وهناك اليوم أكثر من 300 مليون قطعة سلاح في الولايات المتحدة، وهي تتسبب بمقتل 30 ألف شخص في السنة، حوالى 20 الفا منهم انتحارا.
وإن كان عدد هذه الاسلحة يكاد يساوي عدد الأميركيين، إلا أنها في الواقع تتركز بأيدي شريحة من المواطنين. فأربعون بالمئة فقط من الأميركيين ينتمون إلى عائلات يملك فرد فيها قطعة سلاح، بحسب دراسة نشرها معهد “بيو ريسيرتش سنتر” في حزيران/يونيو. والسبب الرئيسي الذي يذكره 67% من الذين يملكون أسلحة نارية هو الدفاع عن النفس. ويقول العديد منهم إن امتلاك سلاح هو حق دستوري يضمنه التعديل الثاني للدستور الأميركي وفيه “حيث أن وجود ميليشيا منظمة تنظيما جيدا ضروري لأمن دولة حرة، لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء أسلحة وحملها”.
غير أن استاذ التاريخ في جامعة شمال فلوريدا ديفيد كورترايت يشير إلى أن “السلاح كان أداة” في تلك الفترة، مضيفا أن “رعاة البقر كانوا يشهرون بندقياتهم لإطلاق النار على ثعبان”. وإن كانت افلام الوسترن نصبت رعاة البقر الذين يطلقون النار بسرعة ودقة فائقتين ابطالا، غير أن كورترايت وغيره من الخبراء يرون أن الخوف من موجة جرائم اجتاحت الولايات المتحدة اعتبارا من الستينات هو الذي لعب دورا حاسما.
وقال آدام وينكلر “يصعب علينا أن نستذكر إلى أي حد كانت الجريمة ومسائل القضاء الجنائي تحتل موقعا محوريا في السبعينات”. واضاف “نيويورك كانت على شفير الإفلاس، والأوضاع كانت متردية في مدن مثل واشنطن، والجريمة كانت متفشية”. وشرح الخبير أن الجمعية الوطنية للبنادق، لوبي السلاح الواسع النفوذ في الولايات المتحدة، استغلت مشاعر الخوف المسيطرة لترفع حيازة أسلحة بهدف الدفاع عن النفس إلى مصاف الضرورة الوطنية. بحسب فرانس برس.
وامتزجت هذه الفكرة بصورة متزايدة برؤية العديد من الأميركيين لأنفسهم. وتابع وينكلر “هذا ما يفترض بشخص مستقل نزيه أن يفعل. يحمي نفسه ويحمي عائلته ولا يرضخ لأي كان”. وختم “انتشرت هذه الفكرة ولقيت رواجا هائلا، ما حول حركة مؤيدي حيازة الاسلحة النارية إلى قوة سياسية حقيقية”. وبحسب دراسة معهد بيو، فإن 44 بالمئة من الجمهوريين يملكون اسلحة نارية، مقابل 20 بالمئة فقط من الديموقراطيين، وهو ما يتطابق جزئيا مع الجغرافيا السياسية الأميركية، حيث يتركز الديموقراطيون في المدن فيما تبقى الأرياف محافظة أكثر. وقال كورترايت إن حيازة السلاح باتت “رمزا قويا للانتماء الحزبي”. ولفت سومرست إلى أن “الأسلحة تمثل الحرية” برأي البعض، “إنها تمت إلى هويتهم الشخصية وإحساسهم بأنهم مواطنون أميركيون مسؤولون ومولعون بالحرية. لذلك لا يبدون أي استعداد للتخلي عن هذا الرمز”.
جرائم مستمرة
الى جانب ذلك قالت صحيفة واشنطن بوست إن رجلا متهما بقتل امرأة في حادث إطلاق نار بكنيسة في ولاية تنيسى الأمريكية ربما قد تصرف بدافع الانتقام لقتل تسعة من السود بكنيسة في ساوث كارولاينا قبل عامين. ونقلت الصحيفة عن أشخاص لم تحددهم مطلعين على التحقيق القول إن مذكرة في سيارة ايمانويل كيديجا سامسون (25 عاما) أشارت إلى مؤامرة محتملة مدفوعة بحادث إطلاق النار الدامي في عام 2015 بكنيسة ايمانويل الأسقفية الميثودية، وهي دار عبادة أفريقية أمريكية تاريخية في تشارلستون.
واتهم سامسون، الذي تقول الشرطة إنه كان يرتدي قناعا، بقتل امرأة في موقف للسيارات بكنيسة المسيح في بورنيت شابل فى ناشفيل. وتقول الشرطة إنه أطلق النار على ستة مصلين وأصيبوا بجراح قبل أن يطلق النار على نفسه. وأدين ديلان روف وهو مؤمن بتفوق العرق الأبيض ويبلغ من العمر 23 عاما، في العام الماضي بأكثر من ثلاثين تهمة جنائية اتحادية تتعلق بإطلاق النار في تشارلستون بما في ذلك القتل باعتباره جريمة كراهية. بحسب رويترز.
واعترف روف في وقت سابق من هذا العام بأنه مذنب في اتهامات بالقتل منفصلة في مقتل تسعة من رواد الكنيسة السود الذين أطلق النار عليهم. وحكم عليه بالإعدام. وذكرت الشرطة أنه تم نقل سامسون، وهو أسود، إلى السجن بعد أن تم علاجه في أحد المستشفيات واتهم بالقتل الجنائي. وفتحت السلطات الاتحادية تحقيقا في جرائم الكراهية في حادث اطلاق النار في ناشفيل.
على صعيد متصل أبلغ المراهق المتهم بفتح النار داخل مدرسته العليا في ولاية واشنطن الأمريكية الشرطة أنه أخذ الأسلحة النارية من خزانة الأسلحة الخاصة بوالده وأنه أراد أن يُلقن زملاءه في الدراسة درسا في ”الاستئساد“. وتشير شهادة قدمها مُحقق شرطة عقب القبض على المتهم كاليب شارب البالغ من العمر 15 عاما إلى أن الفتى الضحية دأب على الحط من شأن المتهم وانتقاده. وأصيبت ثلاث فتيات جراء إطلاق النار.
وقال أوزي كنيزوفيتش قائد شرطة مقاطعة سبوكين التي وقع فيها الهجوم ”نعتزم محاكمته كراشد في تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار“. ورفض كنيزوفيتش بحث ما يعتقد المحققون أنه الدافع وراء إطلاق النار لكنه أشار إلى قضايا متعلقة بالصحة العقلية وإلى أن شارب ربما يكون متأثرا بالعنف الذي يظهر في التلفزيون وألعاب الفيديو. وقال مكتب قائد الشرطة إن ”وثائق“ خاصة بالمتهم تشير إلى أنه خطط للهجوم وإن لم يتضح منذ متى.
ووفقا لمحقق الشرطة فقد أبلغ زميل آخر الشرطة أن شارب صنع عبوات ناسفة بدائية باستخدام مواد كيماوية متعددة وأن والده اشترى له أسلحة نارية. وقالت سائقة حافلة المدرسة إنها شعرت بالريبة عندما صعد شارب وهو يحمل حقيبة رياضية كبيرة لما تعرفه عنه من عدم المشاركة في الأنشطة الرياضية. وليس معروفا ما إذا كانت السائقة أخطرت أحدا بالأمر. وسلم شارب نفسه إلى أحد حراس المدرسة بعد أن فرغ مسدسه من الذخيرة.
معلومات جديدة
في السياق ذاته كان منفذ مجزرة لاس فياس ستيفن بادوك رجلا يدمن لعب البوكر يعاني من توتر شديد يعالجه بالفاليوم، وفق ما كشفت وثائق تعود إلى العام 2013 نشرتها شبكة “سي إن إن”. وكشف التقرير تفاصيل جديدة عن خلفيات الرجل البالغ من العمر 64 عاما والذي قام في الأول من تشرين الأول/أكتوبر بقتل 58 شخصا وجرح 489 آخرين مرتكبا مجزرة لم يتمكن المحققون حتى الآن من فهم دوافعها.
في تشرين الأول/أكتوبر 2011 انزلق ستيفن بادوك وسقط في فندق وكازينو “كوسموبوليتان” في لاس فيغاس، وبعد عامين رفع دعوى على الكازينو وأدلى بإفادة من 97 صفحة لمحاميه سلمت إلى مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي). وقال بادوك في إفادته عام 2013 إنه كان في فترة من الوقت “أكبر لاعب بوكر إلكتروني في العالم”، بحسب السي إن إن التي حصلت على نسخة من الوثيقة. وتصوره هذه الإفادة على أنه متقاعد ثري بخيل ومغرور، مدمن على لعب القمار ويتنقل بين مختلف الكازينوهات في الولايات المتحدة.
وقال لمحاميه “لم يكن هناك من يلعب بقدر ما كنت ألعب وللفترة المطولة ذاتها مثلي” موضحا أنه في العام 2006 كان يلعب “بمعدل 14 ساعة في اليوم، 365 يوما في السنة”. ويضيف “كنت ألعب طوال الليل (…) وأنام في النهار” مؤكدا أنه لا يشرب الكحول أمام آلة البوكر لأنه “بهذا المستوى من المراهنات لا بد من البقاء متيقظين تماما”. ويوضح المتقاعد الذي حقق ثروته في القطاع العقاري أنه كان يراهن “ما بين مئة دولار و1350 دولارا” في كل مرة، وحتى حدود مليون دولار في الليلة، وهو ليس بنظره مبلغا ماليا “طائلا”.
وكان بادوك في تلك الفترة يقضي وقته ما بين كاليفورنيا ونيفادا وتكساس وفلوريدا ويسافر أحيانا “بحدود ثلاثة أسابيع في الشهر”، وكان يقيم في الكازينوهات التي كانت تقدم له غرفة “95 بالمئة من الأحيان” بصفته من كبار اللاعبين. وكان يقامر مرتديا سروالا رياضيا ومنتعلا خفين، كما كان يحضر معه مشروبه لتفادي توزيع الكثير من الإكراميات على النادلات. وبدأت رحلاته إلى لاس فيغاس تتباعد اعتبارا من 2007. فمع أزمة الرهون العقارية التي انعكست على الأوضاع في عاصمة القمار في الولايات المتحدة، باتت الكازينوهات “تحد من تقديماتها بصورة متزايدة، ولم يعد من المجدي القدوم إليها بالوتيرة ذاتها”.
وكشف لمحاميه عن بعض تفاصيل سيرة حياته، فهو نشأ في كاليفورنيا وانتسب إلى مدرسة حي “سان فالي” في لوس أنجليس، وعمل لفترة في دائرة الضرائب قبل أن يستثمر في القطاع العقاري. ولم يتطرق في إفادته إلى موضوع السلاح، مكتفيا بالتأكيد على أنه يملك رخصة لحمل السلاح في تكساس لا يود الكشف عنها. وقالت شبكة “سي إن إن” إن المحكمة ردت شكوى بادوك ضد كازينو كوسموبوليتان. وفي الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2017، فتح ستيفن بادوك النار على حشود كانت تحضر مهرجانا لموسيقى الكانتري في لاس فيغاس مرتكبا أكبر مجزرة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. بحسب فرانس برس.
وبحسب آخر معلومات كشفها رئيس شرطة لاس فيغاس جوزف لومباردو، فإن عنصر الأمن الذي أصيب حين أطلق بادوك النار عليه من خلال باب غرفته في فندق “ماندالاي باي” أصيب في الواقع قبل ست دقائق من قيام بادوك بإطلاق النار على الحشود. وهذا ما يثير تساؤلات حول ما منع الشرطة من رصد بادوك في وقت أبكر، وما الذي جعله يضع حدا لهجومه.