العملية الروسية في أوكرانيا: تداعيات إقتصادية تطال لبنان والعالم
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
كما كان متوقعًا، بدأت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا لعدة أسباب استراتيجية. وكما هو الحال في مختلف الصراعات الدولية، تبرز الأهمية الكبرى للمصالح الاقتصادية التي تنتج عن هذه الصراعات بأشكالها المختلفة. وما العملية العسكرية الأخيرة إلا امتداد واضح للصراع المتمثل مؤخرًا بكيفية السيطرة على مصادر الطاقة في كافة أنحاء العالم بين الولايات المتحدة الاميريكية ومعها بعض الدول الاوروبية من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى حيث تشكل اوكرانيا نقطة جغرافية مهمة جدًا كونها تعتبر بوابة رئيسية لتوريد مصادر الطاقة الى أوروبا، فعبرها ينقل الغاز الروسي الى الاتحاد الاوروبي بكمية تقدر بحوالي 32 مليار متر مكعب حاليًا أي ما يعادل حوالي 35% من حاجة أوروبا للغاز.
خط نورد ستريم 2 يشعل الأزمة
نورد ستريم 2 هو خط أنابيب طوله 1230 كم، بدأ العمل على انشائه في عام 2015 وهو بات جاهزًا للاستخدام في ايلول/ سبتمبر من العام 2021 وكان ينتظر الاعلان الرسمي لبدء العمل فيه. يمتد هذا الخط مباشرةً من روسيا الى المانيا دون المرور بالأراضي الأوكرانية والبولندية ويمكنه أن يضخ سنويًا حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز أي أكثر من 50% من حاجة المانيا السنوية للغاز. وكذلك في حال تطويره يمكن مع الوقت أن يلبي معظم حاجة اوروبا من الغاز التي يمكنها الحصول عليه من روسيا عبر المانيا. هذا الخط لاقى منذ بداية تنفيذه معارضة أميركية وبريطانية شديدة لأنه يخرج أوكرانيا التابعة لهم سياسيًا من معادلة ايصال الغاز الروسي الى أوروبا، مما يفقدهما القدرة الفاعلة على فرض أي عقوبات على الشركات المصدرة، كذلك لأن هذا المشروع سيزيد من نفوذ روسيا في أوروبا.
ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي
من المرجح أن تتأثر أسواق الطاقة على أنواعها وخاصةً أسعار النفط والغاز بعد بداية الحرب العسكرية على أوكرانيا. أوروبا تعتمد بشكل رئيسي على الغاز الطبيعي الروسي وهذا من شأنه أن يرفع أسعار الغاز في مختلف بلدان العالم وخاصةً إذا أوقفت روسيا هذا الضخ كجزء من الرد على العقوبات الغربية عليها. كذلك، وفور إعلان البدء في العمليات العسكرية تخطى سعر برميل النفط حاجز الـ 100 دولار للبرميل ليسجل في معاملات الأمس حوالى 106 دولارات للبرميل وهو مرجح للارتفاع الى أرقام قياسية كبيرة اذا طال أمد الأزمة أو إذا تحولت الى صراع شامل في المناطق المجاورة لأوكرانيا، علمًا أن أوكرانيا تنقل أيضًا النفط الروسي الى أوروبا عبر سلوفاكيا وجمهورية التشيك والمجر. وبحسب معظم التقديرات قد يتخطى سعر برميل النفط حاجر الـ 120 دولارًا للبرميل وقد يصل الى حدود الـ 150 دولارًا للبرميل اذا ما تطورت الأحداث وتسارعت وتيرة الحرب. علمًا أن روسيا تمتلك الحصة الأكبر من الاحتياط العالمي للغاز والمقدر بحوالي 49 ترليون متر مكعب وتليها ايران في المركز الثاني بقيمة تقدر بحوالي 34 ترليون متر مكعب ومن ثم تأتي قطر ثالثة بقيمة تقدر بحوالي 24 ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
ارتفاع أسعار القمح والطحين عالميًا
من المتوقع أيضًا أن يحصل أرتفاع كبير في أسعار الغذاء في أوروبا مما سينسحب أيضًا على معظم دول العالم وخاصةً منطقة الشرق الأوسط بفعل انقطاع تدفق الحبوب والقمح من منطقة البحر الأسود إلى معظم الدول العالمية، خاصةً أن أوكرانيا تعتبر من أبرز المصدرين في العالم لهذه المواد وكذلك روسيا تعتبر ناشطة جدًا في هذا المجال وهي أكبر مصدر للقمح في العالم بقيمة تقارب 18 % من مجمل صادرات القمح العالمية. وتنتج أوكرانيا حوالي 28 مليون طنًا سنويًا من القمح وهي تعتبر رابع أكبر مصدر للقمح عالميًا لذلك تعتبر هذه الحرب سببًا رئيسيًا لارتفاع السعر العالمي للقمح بفعل توقف التصدير حكمًا خلال فترة الحرب.
تأثير الأزمة على لبنان
من الطبيعي أن ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميًا الى مستويات قياسية سيؤثر حتمًا على أسعار هذه السلع في لبنان والتي سوف ترتفع حكمًا كلما طال أمد الحرب. ومن المتوقع أن يتخطى سعر صفيحة البنزين حاجز الـ 400 ألف ليرة وهذا السعر مرجح للارتفاع كلما تصاعدت وتيرة الحرب والتي حكمًا سترفع معها أسعار النفط العالمية وكذلك من المتوقع أن يصل سعر قارورة الغاز المنزلي الى حوالي 400 الف ليرة أيضًا وهو رقم قابل أيضًا للزيادة.
وكذلك يستورد لبنان حوالي 80 % من حاجته للقمح من أوكرانيا بمبلغ يقدر بحوالي 120 مليون دولار سنويًا علمًا أنه يستورد معظم الكمية المتبقية من روسيا وهذا من شأنه أن يدخل لبنان في أزمة كبيرة تتعلق بتوفير حاجاته من القمح والطحين علمًا أن مخزونه من القمح يكفيه فقط لمدة شهرين.