العلاقات الفرنسية الألمانية: وجه آخر للاتحاد الأوروبي!
موقع الخنادق:
يقول المحللون السياسيون المعاصرون، أنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار مهم، دون اتفاق مسبق بين كل من ألمانيا وفرنسا، والأمر نفسه بالنسبة لإلغاء قرار ما. ولا يتعلق الخلاف بين البلدين إلى المستجدات الراهنة في أوكرانيا. بل ان ما شهدته الساحة الدولية أخيراً، تسبب فقط في إذكاء نيران، كانت لعقود تتنفس تحت رماد المصالح المشتركة.
في 21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، رصدت الكاميرات المواكبة لقمة زعماء دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أجواء من التهدئة، بعد ان كانت التوترات قد وصلت إلى أوجها على خلفية قضيتين: تضارب المصالح في خضم التعامل مع أزمة الطاقة واختلاف الرؤى حول استراتيجيات الدفاع. فيما تزداد المخاوف باستمرار داخل الأوساط الأوروبية، لما لتلك الخلافات الناشبة تأثيراً قوياً على التوازنات الداخلية، كونهما دولتين مركزيتين في الاتحاد.
خلال الأيام الماضية، وصلت ذروة الخلافات بين الجانبين إلى حد تأجيل لقاء وزاري كان مرتقباً خلال الأسبوع المقبل. على خلفية انتقاد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لألمانيا بما أسمها “عزل نفسها عن محيطها القاري” وتوجه إليها بالقول “أعتقد أنه ليس من الجيد لألمانيا، أو أوروبا، أن تعزل ألمانيا نفسها…التأكيد، يجب أن نحافظ على وحدتنا” في اتهام ضمني لبرلين بزعزعة هذه الوحدة. ففي الوقت الذي ترفض فيه الأخيرة ان تحديد سقف لأسعار النفط، (الذي يحظى بإجماع من مختلف دول الاتحاد)، ليس مجدياً وذهبت بشكل منفرد لاطلاق حزمة دعم للأسعار بحوالي 200 مليار يورو، ترى باريس ان هذا القرار لا يعني برلين وحدها، وكان ينبغي ان “تستشير حلفاءها بما قد يشوه الاقتصاد الداخلي”.
وبحسب موقع “بوليتيكو”، فإن “برلين ليست راضية تماماً عن النهج الحمائي الذي تنهجه الحكومة الفرنسية، التي عرقلت لوقت طويل، التقدم في إنجاز خط أنابيب الغاز “ميدكات”، الذي يربط شبه الجزيرة الإيبيرية بشمال أوروبا. فيما تعوّل ألمانيا على هذا الخط ليكون البديل لـ “نوردستريم 2″، بعد أن أصبحت واردات الغاز الروسي غير مستقرة”. بالمقابل، تبرر باريس موقفها بأن إنشاء هذا الخط غير ضروري للمرحلة الحالية.
ويمتد الخلاف إلى قضية أخرى، تتعلق بـ “منظومة الدفاع الجوي”. ففي عام 2017، جرى اتفاق ثلاثي بين كل من اسبانيا وألمانيا وفرنسا، يتم بموجبه تجديد سرب الطائرات المقاتلة والحربية للعواصم الـ 3، من انتاج شركتي الأسلحة الفرنسيتين “داسو” و “إيرباص”. في حين ان التأجيل المستمر لفرنسا بالبدء بالعمل الجدي بالبرنامج الذي كان من المفترض ان يبدأ في عملية الإنتاج أواخر عام 2021، يثير سخط مسؤولي الدفاع في مدريد وبرلين اللذين يتهمان باريس في المماطلة دون أسباب موجبة.
ويشير المؤرخان هيلين ميار دولاكروا وأندرياس ويرشينغ، في كتاب “أعداء بالوراثة”، إلى أي مدى تعدّ العلاقات بين البلدين مسألة تنافس في المقام الأول، وانه حتى لو ثمة اتفاق على مسألة ما، ستكون حتماً ناتجة عن مصالح مشتركة لا غير.
يعد نموذج العلاقات بين كلا البلدين، الصورة الخلفية لدول الاتحاد الأوروبي، أضف إليها الولايات المتحدة. اذ ان البرغماتية التي تتصرف بها ألمانيا، هي نفسها التي تعاملت بها واشنطن عند تحديد أسعار النفط المصدر إلى أوروبا. وعلى ما يبدو ان ما بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، سنكون امام واقع جديد، ليس فقط على صعيد الاتحاد الأوروبي، بل على صعيد حلف الناتو ايضاً.