العلاقات السعودية الإيرانية وتأثيراتها في “إسرائيل”
موقع قناة الميادين-
حسن لافي:
الاستفادة من توتر العلاقات الخليجية الإيرانية الذي غذّته “إسرائيل” على مدار الوقت ستتراجع، وستضعف معها قدرة “إسرائيل” على تأليف تحالف سياسي تطمح إلى تحوله سريعاً إلى تحالف عسكري ضد إيران.
ما يحدث الآن من تغيرات في الخارطة الدولية، بدءاً من انسحاب الولايات المتحدة الأميركية المذلّ من أفغانستان، وهزيمة مخططها في سوريا من قبل، والوجود الروسي القوي في منطقة شرق المتوسط بنحو خاص، وامتداد علاقاته على طول الشرق الأوسط كلاعب مهم سياسي وعسكري في قضايا المنطقة بعد الثقة التي نالتها روسيا من تدخلها المباشر لمصلحة حليفتها سوريا، بعكس تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن حلفائها التاريخيين في فترة ما سُمي بـ”الربيع العربي”.
أضف إلى ذلك تراجع اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط إستراتيجياً لحساب مناطق أكثر أهميةً وتأثيراً إستراتيجياً في مستقبل أميركا كدولة مهيمنة على الخارطة الدولية، في مقدمتها منطقة شرق آسيا وبحر الصين وتايوان، التي تخدمها في صراعها العلني والخفي مع العملاق الصيني الباحث عن دور ريادي كقطب جديد في الخارطة الدولية، ليس اقتصادياً فحسب، بل سياسياً أيضاً، وبالتأكيد عسكرياً.
شكَّلت الأزمة الأوكرانية الروسية الحدث الأكثر وضوحاً في مسارات التغير في توازنات خارطة موازين القوى الدولية، ومثلت تحدياً كبيراً لهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على سيادة المنظومة الدولية، ما جعل الكثير من الدول يعيد رسم سياسته الخارجية في ضوء تأثيرات الأزمة الأوكرانية الروسية مع الولايات المتحدة الأميركية.
من أهم هذه الدول هي دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، التي تعاني علاقتها مع الإدارة الأميركية الديمقراطية من الأساس توترات كبيرة منذ مقتل الصحافي والمعارض السعودي جمال الخاشقجي الحامل للجنسية الأميركية عام 2018، ناهيك بإثارة الكونغرس الأميركي ملفات حقوق الإنسان داخل السعودية، وليس آخرها الموقف الأميركي الذي بات غير مؤيد للسلوك العسكري السعودي في اليمن.
هذا الأمر شجَّع ولي العهد محمد بن سلمان على أن يتخذ موقفاً مناوراً في سياسة السعودية الخارجية، وخصوصاً تجاه الولايات المتحدة الأميركية، حليفها المركزي، يرتكز على فتح خطوط مع حلفاء جدد في الخارطة الدولية الآخذة بالتغيير، مع الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة، ولكن ليس كخيار وحيد، كما كان في السابق.
من أهم تلك الدول الصين التي قال اتحاد الغرف السعودية “إن حجم التبادل التجاري بينها وبين المملكة بلغ خلال السنوات (2017-2021) 1.2 تريليون ريال، وهو ما يعكس قوة الشراكة الاقتصادية وتنوع الفرص التجارية والاستثمارية لدى البلدين”.
كذلك، من هذه الدول روسيا، بعدما لاحظنا موقف السعودية الرافض زيادة إنتاج النفط في إثر الحرب الروسية الأوكرانية، والساعي لخفض إنتاج منظمة “أوبك +” من النفط بعد أقل من 3 أشهر من سفر الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية بحثاً عن طرح المزيد منه في الأسواق للمساعدة في خفض الأسعار، ناهيك برفض السعودية الانضمام إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها على روسيا.
الرياح العكسية في العلاقات السعودية الأميركية تحمل في طياتها تأثيرات سلبية في “إسرائيل” في عدة اتجاهات، أهمها:
أولاً، لا تخدم السياسة الخارجية السعودية الجديدة تجاه الولايات المتحدة الأميركية الإستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة، لكونها تفقدها نقطة مركزية في تعزيز علاقاتها مع السعودية، فقد كانت تسوق “إسرائيل” نفسها دوماً على أنها البوابة الإجبارية لمن يريد أن يحسن علاقاته مع البيت الأبيض، الأمر الذي استفادت منه في إقناع مجموعة من الدول العربية بالانضمام إلى اتفاقيات “أبراهام” التطبيعية.
ولكن تعدد خيارات السعودية في تحالفاتها يجعلها أقل حاجة للإسرائيلي في تعزيز العلاقات السعودية الأميركية، والأهم أنها ستمتلك القدرة على المطالبة بمطالب إستراتيجية من الولايات المتحدة في حال مضت باتجاه التطبيع مع “إسرائيل”، في مقدمتها إنشاء مشروع نووي سعودي سلمي تعتبره “إسرائيل” خللاً في توازن القوى في الشرق الأوسط ليس لمصلحتها، الأمر الذي يعتبر أكثر إستراتيجياً لمصالح الأمن القومي الإسرائيلي من التطبيع مع السعودية.
ثانياً، انفتاح السعودية على الصين سمح للأخيرة بتعزيز وجودها في الشرق الأوسط، الأمر الذي كانت “إسرائيل” تدرك خطورته، لكون الصين لا تأتي إلى الشرق الأوسط من البوابة الإسرائيلية، كما كانت تخطط، ولكنها قدمت من البوابة الإيرانية، ومن ثم من البوابة السعودية، وخصوصاً مع إدراك “إسرائيل” أهمية تلك البلدان في إستراتيجية “الحزام والطريق” الصينية.
رغم كل محاولات “إسرائيل” لتعزيز علاقاتها مع الصين خلال العقدين الماضيين، وخصوصاً العلاقات التجارية، فقد كانت تصطدم دوماً بمعضلة الحفاظ على التوازن بين علاقتها المتينة مع الولايات المتحدة وتعزيز علاقاتها مع الصين، لإدراكها الحساسية الأميركية تجاه التقارب مع الصيني جيداً، بما يحمل ذلك من مخاطر كبيرة على مستقبل العلاقات الأميركية الإسرائيلية بشكل جدي، وخصوصاً بعد الأزمة الأوكرانية الروسية واستمرارها، وعدم وجود أفق سياسي لحلها، الأمر الذي يفقد “إسرائيل” القدرة على المناورة بين علاقاتها الإستراتيجية مع الأميركيين من جهة، ومخاوفها من حضور الصيني بقوة في المنطقة وتشكيل تحالفات بعيدة عن الإسرائيلي من جهة أخرى، ما يفقدها حلمها بأن تصبح “دولة” المركز لمنطقة الشرق الأوسط.
ثالثاً، تراجع تأثير الولايات المتحدة في دول الخليج، وخصوصاً السعودية، وحضور التأثير الصيني والروسي في تلك الدول، تفهم “إسرائيل” أنه يصب لمصلحة استقرار العلاقات الخليجية الإيرانية وتهدئتها، وبالتالي فكرة الاستفادة من توتر العلاقات الخليجية الإيرانية التي غذَّتها على مدار الوقت ستتراجع، وستضعف معها قدرتها على تشكيل تحالف سياسي تطمح إلى أن يتحول سريعاً إلى تحالف عسكري ضد إيران في المنطقة.
هذا الأمر تجلى واضحاً في رد الفعل الإسرائيلي على إعلان عودة العلاقات الإيرانية السعودية برعاية صينية، إذ لم ينصبّ القلق الإسرائيلي على تعزيز العلاقة الإيرانية السعودية، لكونها تدرك أن أمام ذلك عقبات كبيرة تحتاج إلى فترة طويلة لتخطيها.
لقد انصب القلق على الدور الصيني في الاتفاق، الذي سيشكل ضامناً على الأقل لعدم توتر العلاقات السعودية الإيرانية في المدى المنظور، وخصوصاً أنّ دور الصين مركزي، وليس بروتوكولياً، في الاتفاق، ناهيك بأنّ استقرار منطقة الخليج يصبّ بشكل رئيس في مصلحة الصين العليا بضمان تدفق النفط من الخليج إليها.
رابعاً، فكرة مهاجمة “إسرائيل” المشروع النووي الإيراني في ظل الأجواء السياسية في المنطقة معناها ذهابها وحدها إلى الانتحار العسكري والسياسي، لأنَّ ذلك الهجوم سيتعارض مع مصلحة كلّ اللاعبين المركزيين في الخارطة الدولية، أي الصين وروسيا، وحتى الولايات المتحدة الأميركية نفسها من جهة.
من جهة أخرى، لن تجد “إسرائيل” حلفاء إقليميين يمكنها التعويل عليهم، وخصوصاً من دول الخليج، التي قد يكون أهم دوافعها للانفتاح على الإيراني حرصها على عدم التورط في أيّ حرب بين إيران و”إسرائيل”.