العلاقات السعودية الإيرانية مسارات وتطورات نوعية
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
لا يخفى على أحد أنّ العلاقات بين إيران والسعودية لم تكن جيدة منذ فترة طويلة، إذ تشير الأحداث الأخيرة بين البلدين وتحديداً عقب اتفاق المصالحة بينهما برعاية الصين، إلى مسارات وتطورات نوعية، فضلاً عن انعكاس الاستقرار بين البلدين على مجمل الملفات الشرق أوسطية، حيث تسير العلاقات الإيرانية السعودية على طريق التطور بعد إعادة العلاقات بينهما.
ترجمة ما سبق جاء عبر تصريح السفير الإيراني في الرياض علي رضا عنايتي الذي كتب صفحة X الاجتماعية قائلاً: “التقيت مع الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية السعودي، وتمّ خلال هذا اللقاء التأكيد على اتجاه توسيع العلاقات بين البلدين في المجالات الأمنية وإنفاذ القانون، بما في ذلك مختلف أبعاد التعاون الثنائي وتفعيل لجان حرس الحدود ومكافحة المخدرات، وغيرها من اللجان الفرعية”.
عودة العلاقات السعودية الإيرانية تشمل مجالات وأقساماً مختلفة، وعلى اعتبار أنّ طهران والرياض هما قوتان إقليميتان لهما سياسات إقليمية فاعلة ومؤثرة، فإنّ هذا الأمر سينعكس بشكل مباشر على ملفات متعددة كـ الأمن والاقتصاد وغيرها من الملفات.
وربطاً بما سبق، فإنّ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان خلق فراغاً أمنياً وهامشاً يمكن للإرهاب العودة من خلاله، وبالتالي فإنّ مسألة الأمن الإقليمي بالنسبة لإيران والسعودية، تعتبر أهمّ مجالات التعاون بين الجانبين، لا سيما أنّ واشنطن فقدت ثقة حلفائها وخاصةً السعودية، تجاه التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على شركاء واشنطن الاستراتيجيّين في المنطقة، إذ لم يعد الاعتماد على أميركا والشركاء الغربيين الآخرين يندرج ضمن إطار المعادلات الاستراتيجية، ولذلك، فإنّ الدول الخليجية، وخاصةً السعودية، كانت تميل خلال السنوات القليلة الماضية نحو الكتل غير الغربية مثل الصين وروسيا ومؤخراً إيران.
في ذات الاطار فإنّ السعودية تحاول تطوير العلاقات الأمنية مع طهران، لضمان عدم تشكيل البلدين أي تهديد لبعضهما البعض في خضمّ التطورات في المنطقة، وبصرف النظر عن دعم إيران لحركات المقاومة، لكن ضمناً فإنّ للسعودية مصالح من خلال هذا الدعم، وتحديداً في كبح جماح الولايات المتحدة وحتى “إسرائيل”، بمعنى أنّ السعودية تبحث عن مخرج لها من الضغوط الأميركية المتعلقة بالتطبيع مع “إسرائيل”، خاصة أنّ السعودية وما تمثله من بُعد ديني، لا يمكن لها الإقدام على تلك الخطوة، ليكون بذلك الاتفاق مع إيران على هندسة ملفات الإقليم مخرجاً لها.
في جانب آخر فإنّ توسيع العلاقات بين طهران والرياض، له فوائد اقتصادية لكلا الجانبين، بالنظر إلى الظروف المناخية للسعودية، تعدّ المنتجات الغذائية والزراعية الإيرانية، إلى جانب الفولاذ، من بين الخيارات الرئيسية التي يمكن أن تساعد في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وفي ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والتجارية، فإنّ أحد المجالات الرئيسية لفرص التعاون بين السعودية وإيران، هو الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني، وقد يؤدي هذا الأمر إلى تعاون أكبر بين إيران ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حيث تدرك الدول الأعضاء في المنظمة أنه في بعض الأحيان تكون هناك حاجة إلى حلول وسط للتوصل إلى الإجماع.
وفي هذا الوضع، وبالنظر إلى الاحتياطيات الضخمة من النفط والغاز، فإنّ الهدف الأهمّ لإيران هو استعادة مكانتها في أوبك، لأنّ المستوى الحالي لصادرات النفط لا يتوافق مع معايير هذا البلد.
وعلى الرغم من التحديات، يمتلك كلا البلدين احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، ويمكنهما الاستفادة من الاستثمار المشترك والشراكة، وإضافة إلى ذلك، فإنّ زيادة الاستثمار في صناعة النفط الإيرانية – بما في ذلك استكشاف وتطوير واستغلال حقول النفط والغاز – أمر مهمّ، بالنظر إلی أنّ متوسط عمر البنية التحتية النفطية في إيران مرتفع، وأنّ حقول النفط الرئيسية تدخل النصف الثاني من عمرها الاقتصادي.
وبطبيعة الحال، إذا استمرت العقوبات على إيران، فقد تكون السعودية مهتمةً بشراء بعض المنتجات البتروكيماوية الإيرانية، بحيث تقوم بشراء المنتجات البتروكيماوية الأولية من هناك وتحويلها إلى منتجات نهائية وبيعها في السوق.
واقع الحال يؤكد بأنّ العلاقات السعودية الإيرانية لها منعكسات إيجابية على البلدين أولاً، ولاحقاً على ملفات الشرق الأوسط، واليوم تتجلى قدرة إيران والسعودية معاً على نظم معادلات أمنية وسياسية واقتصادية غاية في الأهمية، الأمر الذي سيكون له تأثير بالغ على حالة الاستقرار في المنطقة، رغم المحاولات الأميركية على إحداث حالة من اللا استقرار ورغم التطورات في فلسطين، إلا أنّ قطبي الشرق الأوسط إيران والسعودية هما عاملان فاعلان ومؤثران في هندسة وقائع إقليمية جديدة، وتكون عنواناً لاستقرار طويل المدى.