العلاقات الأميركية- الصينية.. ما بين دبلوماسية الاحتواء والصراع المتنامي
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
قبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للصين، يمكن لأي متابع لمسار العلاقات بين البلدين، تلمس التصعيد متعدد الجوانب الذي تشنه الولايات المتحدة الأميركية على الصين بشكل مباشر أو غير مباشر، وتمثل ذلك في معطيين أساسيين، المعطى الأول تجلى فيما عبر عنه أحد أعضاء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي اتهم الصين منذ أيام بالتجسس على الولايات المتحدة من قاعدة لها في كوبا، زاعماً أن هذه القاعدة أقيمت قبل تولي إدارة بايدن مهامها، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الصين قامت بتحديث مرافق جمع معلومات المخابرات هناك عام 2019، في حين يتمثل المعطى الثاني في مسارين، مسار يتعلق ببدء أكبر مناورات جوية في ألمانيا يجريها الناتو منذ انتهاء الحرب الباردة بمشاركة كل من اليابان والسويد، وهذه المناورات وإن كانت تصنف وفق زعم حلف الشمال الأطلسي بأنها دفاعية ورسائلها موجهة للجانب الروسي فقط، إلا أن هذه الرسائل لا يمكن عزلها عن الصراع الأميركي الصيني، والذي تسعى من خلاله الأولى لجر الأطلسي للمشاركة معها في احتواء توسع نفوذ الثانية، أما المعطى الثاني فهو ما كشفته إحصائيات المعهد الدولي لأبحاث السلام «سيبري» الذي يتخذ من السويد مقراً له، بأن الصين هي أكثر الدول النووية التي زادت مخزونها من الرؤوس الحربية بين عامي 2022 و2023، بمعدل 350 في عام 2022 إلى 410 في العام التالي، وهو ما يجعل مثل هذا الإعلان بهذا التوقيت غير بريء تجاه الصين بالتحديد.
زيارة بلينكن للصين لا تعكس تحسن العلاقة ما بين الدولتين في ظل الصراعات المتصاعدة بينهما على الصعيد الثنائي أو ضمن مواقفهما وسلوكهما من الأزمات الدولية المتنامية بقدر ما يمكن وصفه بدبلوماسية الاحتواء، إذ إن هناك العديد من الملفات التي مازالت تشكل تحدياً جدياً في علاقة الدولتين، ويمكن إيجاز أبرز هذه الملفات في النقاط الآتية:
أولاً- الأزمة الأوكرانية: ففي الوقت الذي تسعى واشنطن خلاله إلى استنزاف مقدرات القوة الروسية في الجغرافية الأوكرانية إن لم تنجح في هزيمتها، فإن الصين تدرك تماماً بأن نجاح الولايات المتحدة الأميركية ودول حلف الشمال الأطلسي في تحقيق هذا الهدف، سيجعلها الهدف الثاني للتوسع الأطلسي في ظل عدة مؤشرات تؤكد ذلك:
– عرقلة واشنطن لأي مسار سياسي لحل الأزمة الأوكرانية بما يضمن عدم تحقيق المصالح الجيوإستراتيجية الروسية والصينية.
– استمرار الغرب وفي مقدمتهم الإدارة الأميركية بإغداق دول الأزمات بكميات كبيرة من الأسلحة بما في ذلك تايوان.
– رفض الولايات المتحدة الأميركية أي مبادرة صينية لحل الأزمة سياسياً واستمرار اتهام بكين بدعم روسيا اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.
– الاستفزازات الأميركية المستمرة ضد الصين فيما يتعلق بالملف التايواني.
– السعي لتأليب مواقف الدول المحيطة بالصين وخلق العداء معها ودفعها لتبني إستراتيجيات دفاعية تتناغم مع نظيرتها الأميركية، على غرار الإستراتيجية العسكرية التي تبنتها اليابان في عام 2023.
لذلك تشهد الأزمة الأوكرانية سلوكاً وموقفاً متناقضاً ضمن ساحتها ولاسيما أن من شأن هذه الأزمة، إما أن تؤدي لزيادة الهيمنة الغربية على النظام الدولي، أو أن تؤدي لخلق نظام دولي جديد تطالب به الصين.
ثانياً- الحرب التجارية: على الرغم من أن هذا المصطلح ولد في مرحلة حكم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ اعتبر ترامب أن الصين تحظى بميزة تجارية غير عادلة على حساب الولايات المتحدة، وهو ما دفع لإطلاق حربه التجارية على الصين في أوائل عام 2018 في محاولة لإنهاء ما اعتبره صفقات تعرض بلاده «للسرقة» من جانب الصين، كما صعد حرب الرسوم الجمركية التي انتهت بفرض رسوم بقيمة مئات المليارات من الدولارات على السلع المستوردة بينهما، إلا أن هذه الحرب مازالت مستمرة في إطار التنافس بين الدولتين وإن كانت قد أخمدت أخبارها على وسائل الإعلام، إذ تسارع واشنطن لفرض حزم عقوبات اقتصادية مختلفة على الصين ومازالت تتمسك برسومها الجمركية، إذ بلغ نمو حجم الصادرات الصينية لدول العالم نحو 14 بالمئة في حين أن واردات أميركا تجاوزت صادراتها بنحو 948. 1 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرها 12. 2 بالمئة عن عام 2021».
ثالثاً- الصراع التكنولوجي: يعد هذا الملف من أكثر الملفات التي تزعج الولايات المتحدة الأميركية وتدفعها نحو السعي لعزل الصين واحتوائها، وهذا برز في عدة صور تعبيرية، كان أبرزها فرض العقوبات على شركة هواوي الصينية التي امتلكت تقنية علمية أكثر تقدماً من نظيرتها الأميركية، مما دفع واشنطن لاتهام الصين بأنها تستخدم التكنولوجيا والبرامج المرتبطة بها مثل «تيك توك» لجمع البيانات وتوظيفها استخباراتياً بما يضر بمصالح الأمن القومي الأميركي، إضافة لما بات يعرف اليوم بسباق الذكاء الاصطناعي، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للتحذير من خطر التنافس في هذا المجال الجديد.
رابعاً – بحر الصين: يلحظ سباق النفوذ والتحكم ببحر الصين بين بكين وواشنطن، ففي الوقت الذي تسعى الإدارة الأميركية لتوسيع قواعدها وزيادة قوام قواتها لدى الدول الحليفة لها والمطلة على بحر الصين، تعمل بكين على استكمال امتلاكها موارد القوة العسكرية لردع هذا التوسع الذي تسعى واشنطن لإجرائه ضمن هذا البحر الحيوي لكونه غنياً بالموارد وأهم الممرات البحرية الدولية في صادرات وواردات الصين في علاقاتها التجارية مع دول العالم، وهو ما يجعل هذه المنطقة مصدراً وأحد أبرز أسباب النزاع بين القطبين الدوليين.
العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين الشعبية خلال المرحلة المقبلة لن تشهد استقراراً أو هدوءاً ولكن في الوقت ذاته لن تتحول لصدام مباشر وإن كان هناك احتمال أن يكون النموذج الأوكراني محتمل التكرار في تايوان، لذلك ستكون هذه العلاقة متراوحة بين دبلوماسية الاحتواء للتنافس المحترم، والصراع غير المباشر الذي من المحتمل تناميه أكثر في حال نجاح الجمهوريين في إعادة دونالد ترامب للبيت البيضاوي.