العقول العربية والإسلامية وتأثيرها في تطور المقاومة
موقع قناة الميادين-
أيمن الرفاتي:
إعلان كتائب “القسام” عن الشهيد جمعة الطحلة الذي اغتاله الاحتلال خلال معركة “سيف القدس” مع ثلة من مهندسي الحركة وخبرائها لم يكن الأول في نوعه، بل سبقه الكشف عن المهندس التونسي الشهيد محمد زواري.
على مدار تاريخ الثورة الفلسطينية، شارك الكثير من المتضامنين والمؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنّ رموزاً وشخصيات فارقة في تاريخنا الحديث كان لوجودها نقلة نوعية في عمل المقاومة الفلسطينية؛ بعدما فتحت بابها مشرعاً خلال العقدين الأخيرين لجميع الخبرات النوعية للمشاركة في المشروع الكبير: تحرير فلسطين.
وفي هذا الإطار، جاء ما كشفته كتائب “القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، عن أحد قادتها العرب الذين شاركوا في تطوير قدراتها العسكرية، وهو الشهيد جمعة الطحلة، الأردني الجنسية والفلسطيني الأصل، الّذي أسس مرتكزات مهمة في بناء القوة النوعية التي باتت الحركة تمتلكها، إذ كان محركاً كبيراً في امتلاك أسلحة ذات فاعلية كبيرة، كالصواريخ والطائرات المُسيَّرة، وأخيراً تأسيس سلاح “السايبر” وقيادته.
وقد كشفت حركة “حماس” خلال فيلمها عن الشهيد الطحلة جزءاً من جهود القائد العربي في تصنيع وتطوير أدوات حديثة لمصلحة المقاومة الفلسطينية أثناء وجوده في الأراضي السورية. وهنا، يجب التأكيد أنّ المقاومة الفلسطينية، وعلى الرغم من حاجتها إلى العقول الفذّة لتتشارك مع مهندسيها وعلمائها البارعين، فإنها بحاجة أيضاً إلى مكان تُصنّع وتُجرّب فيه هذه القدرات وتطوّرها، وهو الميدان الذي كانت توفّره الجمهورية العربية السورية قبل أزمتها.
مشاركة الخبرات العربية والإسلامية في مشروع المقاومة الفلسطينية يمثل أكبر وأعظم جهاد في الوقت الحالي، ويسهم في تمكينها من امتلاك القوة الفاعلة في مواجهة “دولة” الاحتلال الأكثر تطوراً في المنطقة، كما يعطي صاحبه فضلاً كبيراً في ظل حال الحصار والتضييق التي تمارسها أطراف عدّة في المنطقة على المقاومة الفلسطينية، بهدف حصارها وتحجيمها وتقليص قدراتها وتأثيرها.
إنّ إعلان كتائب القسام عن الشهيد الطحلة الذي اغتاله “جيش” الاحتلال خلال معركة “سيف القدس” مع ثلة من مهندسي الحركة وخبرائها لم يكن الأول في نوعه، بل سبقه الكشف عن المهندس التونسي الشهيد محمد زواري الذي اغتياله جهاز “الموساد” الإسرائيلي عام 2016 في تونس، والذي ينسب إليه الفضل في تطوير سلاح الطائرات المسيرة لدى القسام، وهو ما يعطي ثناءً كبيراً واعترافاً من قيادة الكتائب بجهود المهندسين والعقول العربية والإسلامية التي تشارك في تطوير قدراتها بشكل نوعي.
منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كشفت كتائب القسام مرات عدّة عن منفذي عمليات فدائية من جنسيات غير فلسطينية، فقد كشفت سابقاً عن الاستشهاديَيْن عمر شريف خان وعاصف حنيف، وهما بريطانيان من أصول باكستانية، فجَّرَا نفسيهما في مقهى ليلي في “تل أبيب”، ليقتلا 3 إسرائيليين، ويجرحا 60 آخرين عام 2003.
وسبق ذلك الإعلان عن الشهيد الأردني محمد عودة الذي نفّذ عملية تفجيرية عام 2002 في ملهى في مدينة “ريشيون ليتسيون” وسط “دولة” الاحتلال، ما أدى إلى مقتل 20 إسرائيلياً وجرح 60 آخرين، ولم تتبنَّ كتائب القسام العملية إلا بعد 6 سنوات من وقوعها.
إنّ إعلان المقاومة الفلسطينية عن عقول عربية في صفوفها يفتح الباب أمام العقول الفذّة من الأمتين العربية والإسلامية، التي يمكنها أن تنقل المقاومة نقلات نوعية، بما يُمكِّنُها من امتلاك الأدوات اللازمة لمواجهة الاحتلال، وخصوصاً في أسلحة الصواريخ والمُسيَّرات والحرب الإلكترونية والاتصالات وغيرها من المجالات الحديثة غير التقليدية.
المقاومة الفلسطينية اليوم بحاجة إلى جميع الطاقات والإبداعات التي تساعدها في تجاوز الأسلحة الإسرائيلية وتعطيلها، وخصوصاً المنظومات المتطورة التي يحاول الاحتلال من خلالها إبطال أسلحة المقاومة، مثل “القبة الحديدية” ومنظومات الدفاع، فيما سيكون الإبداع الأكبر في حال وجدت مساعدة حقيقية تُمكِّنُها من تحييد سلاح الطيران الإسرائيلي الذي يعطي العدو تفوقاً وسيطرة أكبر في ميدان المواجهة.
مشاركة العقول العربية والإسلامية في تطوير قدرات المقاومة الفلسطينية يعد أمراً مهماً، إذ إنّ أيَّ تطور فيما تمتلكه المقاومة من أدوات يُقلِّصُ عمر الاحتلال، ويعجل بمرحلة كنسه من أرض فلسطين بالكامل، ويزيد قوة المقاومة وقدراتها، بما يُمكِّنُها من مجابهة تطوّر العدو الذي يتلقى الدعم بأحدث صوره وتقنياته من أعداء الأمة.
أبرز رسالة بثتها المقاومة الفلسطينية في الآونة الأخيرة أنّه بدلاً من هجرة العقول العربية إلى الدول الأوروبية والمساهمة في زيادة تطور الغرب يمكنهم توطين أنفسهم معها والمشاركة في تحرير فلسطين، عبر رفد المقاومة بالابتكارات والعلوم والدراسات التي تحتاجها لتصبح أكثر صلابة ومقدرة على تحقيق النصر على الاحتلال.
مشاركة المقاومة الفلسطينية ومساعدتها يعدان عملاً وطنياً وأخلاقياً ودينياً، يعطي لصاحبه شرفاً كبيراً، رغم المخاطرة التي قد يحاول البعض تصويرها، وخصوصاً أجهزة المخابرات في المنطقة، التي لا تريد للمقاومة التطوير وزيادة التأثير.