العزم الممانع في الساحات الثلاث : العراق ، سوريا ولبنان
موقع إنباء الإخباري ـ
بقلم حسن شقير*:
اتفقت الأراء لدى جمهور كتّاب الممانعة على أن الأهداف الخفية لأجندة الإئتلاف الذي شكلته أمريكا في محاربة الإرهاب ، لهي بعيدةٌ عن المواجهة الحقيقية له ، وذلك بمقدار بُعد هذه الدولة عما تدعيه في عدم رعايتها واستغلالها للإرهاب الذي يتفشى في المنطقة … إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم على أساليب الرد وطرق وأليات إفشال هذه الأهداف .
لقد نادى البعض حيال مخططات أمريكا المتجددة في المنطقة ، بسياسة النأي بالنفس على الطريقة اللبنانية ، وفريق أخر ذهب بالمناداة بالندية ، وضرورة بناء المحاور المقابلة ، والعمل في الساحات الموازية ، أما وجهة النظر الثالثة – ونحن منها – فكانت من أنصار الإنغماس المدروس ، فيما سمي بالحرب على الإرهاب ..
من أبرز سمات سياسة الإنغماس تلك ، والتي تطرّقنا إليها في مقالة سابقة ، وذلك عند حديثنا حول خيارات محور الممانعة في مواجهة خفايا أهداف ما سُمي حينها بتحالف الأربعين ، كانت تُرَجِّح دعم الجيش العراقي والمكوّن الكردي في العراق ، فضلا ً عن استمالة العشائر وتسليحها في مواجهة الدواعش … وكذا الأمر في المسارعة على إقامة خطوط الصد في المناطق الخالية حالياً من الدواعش ، وذلك لمنع هؤلاء من انزياحهم إليها …
إن الأيام التي تلت بدء تحالف أمريكا فيما يدعيه في القضاء على الإرهاب ، وانكشاف مدى خطورة المشروع الذي تبغي أمريكا تنفيذه في المنطقة ، وذلك تحت ستار محاربة الدواعش ، والذي يرتكز أساساً على التفتيت الجغرافي والديموغرافي الجلي تارة ً ، والخفي والمُقنّع أطواراً أخرى … فرضت على محور الممانعة اتخاذ إجراءات وتعديلات محددة على اساليب واستراتيجيات المواجهة المزدوجة لديه ، إن لناحية الحرب على الدواعش ، أو في مواجهة أهداف التحالف وأدواته التنفيذية في كل من سوريا والعراق ، وصولا ً إلى لبنان …
انطلاقاً من ذلك ، يمكننا أن نُوجز تلك الإجراءات و الخطط الممانِعة ، وذلك بحسب الساحات التي تجري فيها المواجهة لمشروع الإرهاب ، كون هذا الأخير – كما نعتقد – يُشكّل الرافعة الأساسية للمخطط الأمريكي الخطير في المنطقة ..
– في العراق : لم يعد يجادل أحد بأن مشروع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لتفتيت العراق وتقسيمه إلى أقاليم ثلاث ،قد تخطى مجال التحليلات والنظريات .. وخصوصاً بعد اختيار الجنرال جون ألن كمنسق عام لقوى التحالف الدولي ، نظراً لشخصيته التي تميزت بعلاقاتها السابقة مع بعض المكونات المجتمعية العراقية ، وخصوصاً العشائرية منها ، وذلك كما هو معروف ، يرجع إلى دوره السابق في تشكيل ما سُمي بالصحوات لمحاربة القاعدة في العراق في فترة الإحتلال الأمريكي المباشر لهذا البلد …
لعل عودة جون ألن اليوم ، يؤشر إلى تشكيل ما هو أخطر من الصحوات ، لربما إلى تشكيل ما هو أشبه بجيوش عشائرية رديفة في مناطق جغرافية ذات طبيعة ديموغرافية محددة ، وبغض النظر عن مسمياتها المختلفة ، وبحجة محاربة الدواعش ، وتحرير المدن العراقية .. وذلك لفترة طويلة من الزمن ، تمتد بطول السنوات التي بشّر بها أوباما !! الأمر الذي قد يجعل من هذه الجيوش ، جيوشاً طائفيةً مرادفةً للجيش العراقي الوطني ، تمتلك العديد والعتاد والإقليم ، والتي يمكن لهذه العناصر أن تتوج لاحقاً بسلطة سياسية ، عند أي خلاف مع المركز في بغداد … مما يجعل من مشروع بايدن التقسيمي ، مكتمل العناصر والمؤهلات ، ليصبح واقعاً على الأرض العراقية ….
الذي يؤكد ما نُحذّر منه ، هو انطلاق السجالات والأراء العراقية بالأمس القريب حول الصفة الرسمية التي يجب أن تعطى لما يسمى بقوات الدفاع الوطني ، أو قوى الحشد الشعبي ، أو غيرها من المجاميع المسلحة الرديفة للجيش العراقي الوطني ، سواء ذلك عبر مراسيم حكومية أو غيرها ، ولينطلق الحديث مجدداً في الصالونات السياسية العراقية حول الإستعاضة عن ذلك كله بإعادة إحياء مشروع الخدمة العسكرية الإلزامية للشباب العراقي بكافة أطيافه وشرائحه الطائفية والمذهبية … وكل ذلك يُراد منه ضمان عدم خروج أية مدينة أو محافظة أو بقعة جغرافية محددة عن جغرافيا الدولة العراقية الواحدة ، ولضمان عدم الدخول لاحقاْ في لعبة المحاصصة الطائفية ، خارج إطار السلطة السياسية الواحدة ، ولقطع الطريق مسبقاً على مشروع تعدد هذه السلطة لاحقاً …
اذاً ، وبكلمات مختصرة ، لابد أن يكون مشروع الممانعة في العراق لمواجهة التقسيم المقنّع أو الفعلي ، يرتكز على رفد الجيش العراقي بكل تلك المجاميع المسلحة الرديفة ، وذلك بجعل هذه الأخيرة منذ اليوم ، وليس بعد انتهاء الحرب على الدواعش ، جزءً لا يتجزأ من النسيج العسكري للجيش العراقي الوطني والجامع على حد سواء .
– في سوريا : بما أننا نعتقد أن الوصول إلى التقسيم في سوريا ، يختلف في أساليبه لناحية الشكل من تلك التي تتبناها أمريكا في العراق ، وذلك من خلال ما كنّا قد كشفنا النقاب عنه في المقالة السابقة ، في اعتماد أمريكا مشروعاً لإستبدال الدولة الوطنية في سوريا ، بدولة وطنية جديدة ، يكون الشمال السوري نواتها لناحية الإقليم .. والشعب السوري من كرد وعرب في تلك البقعة من سوريا هو عنصرها الثاني ، والسلطة السياسية الممثلة بما تُسمى الحكومة السورية المؤقتة ، هي عنصرها الثالث …. لأجل كل ذلك ، فإن الأليات المضادة التي بدأت الدولة الوطنية السورية ، ومن خلفها روسيا ومحور الممانعة ، باتخاذها لإفشال مشروع أمريكا البديل للدولة السورية ، تتمثل في السعي الحثيث والسريع للجيش السوري لتحرير وتجميع أكبر قدر ممكن من الجغرافيا السورية ، فضلا ً عن بعض المدن الرئيسية في تلك البقعة الجغرافية السورية المرشحة للعب دور الإقليم في الدويلة البديلة … وهذا بالضبط ما يُفسّر ما جرى في مدينة مورك ، وما يجري في أرياف حماة وإدلب وحلب ودرعا ، هذا فضلا ً عن التقدم سريعاً لحصار مدينة حلب ، وتحديداً القسم الذي يحتله الإرهابيون ، وقطع التواصل مع الريف التابع لها ، والممتد نحو الأراضي التركية …
بإختصار فإن معركة الأرياف التي أطلقتها الدولة الوطنية السورية ، وتطويق مدينة حلب ( المدينة الأولى في سوريا إقتصادياً ) ، والتي تعتبر خزاناً ديموغرافيا ً وازناً في سوريا ، فإن هذه المعركة تهدف إلى منع جعل المدينة لاحقاً ركيزة جغرافية وشعبية أساسية لتلك الدويلة الموعودة ، ولحرمان تلك الحكومة المؤقتة من جعلها مركزاً لما تحدث به أحمد طعمة ، حول استعداد حكومته وجهوزيتها لممارسة ما أسماه مهامها وصلاحياتها من الداخل السوري … بحيث أن مدينة حلب هي المرشحة بقوة لتكون مركزاً للإقليم الموعود .
– في لبنان : إن ما جرى ويجري اليوم في لبنان من إرهاب يطاول الجيش اللبناني ، ربما يندرج ضمن إطار سياسة تدفيع الثمن الأمريكية ، وكردٍ مباشر على مواقف الجيش الثابتة والمتزاوجة مع المقاومة في إفشال المشروع االصهيوأمريكي ، والمرسوم لهذه المنطقة برمتها ، والتي مهدت الأرضية له داعش وأخواتها ، ومن ثم كان التحالف ضد الإرهاب ، يمثل المرحلة التنفيذية له …
وبما أننا نعتقد أن المشروع الآمريكي الأساس فيما خص الجيش اللبناني ، قد انفضح في تموز من العام ٢٠١١ ، وذلك عن طريق الجنرال جيمس ماتيس – والذي تولى منصب القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي خلفاً لبترايوس -حيث أفاد هذا الجنرال في شهادة له أمام مجلس الشيوخ ، لدى سؤاله حول الجدوى من تسليح الجيش اللبناني . فأجاب ” .. بأن تسليح الجيش هو لإيجاد قوة موازية أمام النفوذ السوري في لبنان ، ولمواجهة حزب الله .. ” !!! ( راجع صحيفة السفير 29-07-2011 في رسالة لمراسلها من واشنطن جو معكرون )
بناءً على عدم تحقيق الجيش رغبة أمريكا فيما ترتأيه من صراع الجيش مع المقاومة ، وبناءً على إقدام الجيش على تعزيز التأزر والتكاتف مع المقاومة في إفشال مشروع الإنغماس الإرهابي في الداخل ، وخنق الخلايا النائمة ، ومنع رفدها بالعتاد والعديد ، لا بل أن ما يقوم به الجيش اليوم ، هو حرمان هذه المجموعات والخلايا من الملاذات الجغرافية الأمنة … بناءً على كل ما تقدم فإن المشروع الممانع ، يتمثل اليوم في توزيع الأدوار ما بين المقاومة والجيش ، بحيث تقوم الأولى بحماية ظهر الثاني ، بينما يقوم هذا الأخير باستخراج السموم من بطنها … في تنسيق دقيق بينهما لإفشال مخطط الإشغال والإنهاك والإستنزاف للثلاثية الذهبية التي تُعتبر خط الصد الرئيسي أمام المشروع الصهيوني في لبنان والمنطقة أيضاً .
لقد نُقل عن السيد نصرالله وقائد الجيش مؤخراً كلاماً يصب مباشرة فيما نذهب إليه ، فلقد ذكر الأول ” .. أن المقاومة أصبحت جاهزة للدفاع عن حدود لبنان بوجه المجموعات التكفيرية .. ” بينما صرّح الثاني “.. بأن الجيش لن يسمح للإرهاب بأن يتخذ ملاذات أمنة في أي منطقة من لبنان .. ” .
أخيراً نطرح التساؤل التالي : هل منع الجيش من قبول الهبات … وعرقلة حصوله على المكرمات .. وتقنين حصوله على المساعدات … !!! يندرج في إطار سياسة تدفيع الثمن ؟؟؟؟
*باحث وكاتب سياسي