“العزم التام” ومشروع استبدال الدولة السورية من الشمال .. فحذارِ حذار .
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير*:
رويداً رويداً ، تتوضح أكثر فأكثر خفايا ما سمي بالتحالف الدولي ، بقيادة أمريكا في محاربة الإرهاب والقضاء عليه ،
فلقد حُكي الكثير الكثير عن مقاصده الحقيقية في المنطقة ، وتحديداً الأمريكية منها ، وذلك بعيداً عن شعاره المرفوع في محاربة الإرهاب … والتي بدأت معالمها ومراميها تعزز ما ذهبنا إليه في بعض مقالاتنا التي سبقت تلك المحطة الدولية ، بحيث أشرنا إلى أن ” صحوة الناتو ” في قمة ويلز الأخيرة ، ما هي إلا ّ تنفيذاً لأجندته الجديدة في إبقاء منطقة الشرق الأوسط برمتها – في ظل مخاض دوزنة النظام العالمي الجديد – ، تحت رحمة الجذب الأمريكي ، وذلك في رمي طعم محاربة داعش ، وذلك لضمان عدم إنعتاقها من نير أمريكا مستقبلا ً ، ولجعلها – أي منطقة الشرق الأوسط -، منطقة التعويض والمحاسبة لروسيا ، وذلك بعد أن خالفت هذه الأخيرة توقعات بريجنسكي ، وأمال ميركل في العام ٢٠٠٩ ، وقد فصّلنا ذلك في مقالة سابقة ، كانت بعنوان ” صحوة الناتو .. خلفيات وأبعاد” .
ما الذي يمكن أن تكون أمريكا قد رسمته للمنطقة ، ولسوريا تحديداً ، مع من تسميهم شركائها ،سواء في قمة ويلز ، أو من بعدها اجتماع جدة ؟
لا يختلف اثنان من أولئك المعتقدين – ونحن منهم – بأن الإرهاب ، ما هو إلا ّ عاملا ً حيوياً في خدمة الإستراتيجيات الكبرى للسياسة الأمريكية في العالم ، وما هو إلا ّ رافعة ً حقيقية ً للبازل الصهيوأمريكي المتعثر في المنطقة ( الجيش – الشعب – الدولة ) ، والذي لحق به فشل ذريع في الجغرافيا السورية تحديدا ً ، وذلك بفعل الاستراتيجية المضادة التي اعتمدها محور الممانعة ، في سبيل إفشال مخطط تدمير العناصر أعلاها … والذي لو قُدّر لهذه أن النجاحات أن تكتمل ، لكان وجه المنطقة برمته ، قد أضحى في زمن التشكل من جديد ، وذلك في صالح روسيا وسوريا ومحور الممانعة معهما …
من هنا ، فإننا اعتقدنا ، ومنذ اللحظات الأولى ، أن فورة داعش في العراق ، ومشروع الخلافة فيها ، كان تعويضاً عن خسائر حلف أمريكا في سورياً ، ناهيك عن كونه الخطة ب ، والجاهزة دائماً في العقل الإستعلائي الأمريكي .
لقد عزمت أمريكا في “عزمها التام” الحالي ، على إعادة الإمساك بمفاصل خطتها التفتيتية في المنطقة ، وذلك بعد ما يقرب من السنوات الأربع ، من تكرار فشل من لزّٓمتهم سابقاً ، من دون أن يعني ذلك ، تعارض خطتها الجديدة مع أحلام أولئك المُلزّٓمين في تقاسم الكعكة السياسية والإقتصادية والأمنية في منطقة التدمير الحالية ، إن في الشرق الأوسط ، أو حتى في المغرب العربي ، وبعض دول شمال أفريقيا .
إذاً ، من سوريا انطلق مشروع الإستثمار والإستغلال الأمريكي على بدايات أحداثها ، وفي سوريا كاد أن يختنق ، وإلى سوريا يعود اليوم ، لتكمل أمريكا ما حلمت به منذ البدايات ، ولتقتص من نظامها الممانع ، والذي أدار المعركة فيها بذكاء شديد ، شهد له حتى خصومه في ذلك .
قد يظن البعض أن مشروع أمريكا في هذه الدولة – وبعد العجز عن إسقاط نظامها – ، ربما سيكون لاحقاً ، تنفيذ مشروع الفدرالية ، أو حتى الكونفدرالية فيها .. وذلك بعد استنزافها والمحور من خلفها إلى سنوات تطول ، بطول زمن مشروع أوباما في محاربة الإرهاب فيها …. وهذا ما لا نعتقد به البتة ، ولأسباب عديدة ، لا مجال للتفصيل فيها في هذه العجالة .. إنما يكمن مشروعها ، والتي بانت خيوطه لغاية اليوم ، يتمثل في سحب بساط الشرعية من الدولة الوطنية في سوريا ، لصالح دولة سورية جديدة ، اتفق أطراف التحالف على قيامها انطلاقاً من الشمال السوري ، وفي كل منطقة ينزاح الدواعش عنها … فما هي مؤشرات ذلك حتى اليوم ؟
المؤشرات توحي بأن أمريكا في مشروعها الجديد في سوريا ، سيكون معتمداً على خداع أمريكي للعالم ، وذلك من العيار الثقيل ، بحيث أن خطواتها في سحب شرعية الدولة الوطنية ، سيكون باتجاه معاكس هذه المرة ، وخلافاً للمرات السابقة ، والذي ارتكز على الضغط على دول العالم ليقوموا بما تسميه نزع الشرعية عن النظام ، وبفعل إقناعهم بممارسات يقوم بها هذا الأخير بحق شعبه … لتجعل من كل ذلك مبرراً ووجيهاً لدى شعوب هذه الدول تحديداً …
لم تنجح تلك السياسة من قبل ، وخصوصاً بعد انكشاف زيف الكثير من الجرائم التي أسندت زوراً إلى النظام ، فكانت خطتها الجديدة اليوم ، بأن جعلت من شماعة محاربة الإرهاب وإزاحته من إقليم محدد في الجغرافيا السورية ، مدماكاً أولياً في بناء عناصر ” الدولة الشرعية الجديدة ” فيها ، وذلك وفقا لما هو متعارف عليه دولياً، والتي تتمثل بالشعب والإقليم والسلطة السياسية … وهذا على ما اعتقده بأنه المشروع الأخطر الذي تسير به أمريكا في سوريا في هذه المرحلة من تاريخ الحرب عليها …
الشعب :
فلو أردنا تفنيد تلك العناصر الثلاث ، وبدأنا بالشعب ، فإن الشعب السوري ، والذي يرزخ اليوم تحت حكم الدواعش في الشمال السوري ، وكذا الأكراد السوريين في منطقة الإدارة المحلية الكردية ، يُشكلون معاً كنواة لشعب تلك الدولة المُراد الإعتراف بها أمريكياً .. وهذا يعززه المعارك التي حصلت في كوباني ، والضغط على الأكراد ، حتى الرمق الأخير ، إلى أن زوِّدوا أخيراً بشريان حياة من قبل تركيا وأمريكا ، حيث تواترت الأنباء عن بعض الإتفاقات بين كرد سوريا وهاتين الدولتين ، وذلك فيما يتعلق بدورهم في المرحلة اللاحقة ضمن تلك الدولة السورية الجديدة ، والتي تُجهز أمريكا مدماكها الأول – أي الشعب – ، والتي ربما تكون من بين بنود تلك التفاهمات ، هو إعطاء الكرد حيّزاً تفضيلياً فيها ، وذلك بضمان عدم تمسكهم بالإنفصال ، أو حتى الحكم الذاتي ..
الإقليم :
لقد حددت أمريكا لنفسها ، ضمن تحالف جدة ، الحيّز الجغرافي السوري ، والذي تعمل اليوم على إنهاك الدواعش فيه ، أو بالأحرى تشتيتهم وإزاحتهم لاحقاً إلى أماكن جديدة ضمن الجغرافيا السورية ، والتي لم تكن أقدامهم قد وطأتها من قبل ، سواء تكون هذه الأماكن تابعة للدولة الوطنية السورية ( عبر الإنغماس للتخريب لاحقاً ) ، أو إلى مناطق جديدة تخضع لجماعات مسلحة أخرى … المهم بالنسبة لمشروع أمريكا الجديد ، يكمن في تجهيز الإقليم – العنصر الثاني من عناصر الدولة – ، لكي تضخ فيه تلك المجاميع المسلحة ” المعتدلة ” ، والتي ستصبح جاهزة ، بعد فترة من الزمن ، وذلك بعد أن وضعت خرائط اقتسام كعكة قيادة هؤلاء ، فيما بين تركيا والسعودية ، وبرعاية أمريكية ، وهذا ما أشار إليه بالأمس القريب المتحدث الأمريكي باسم البنتاغون جون كيربي ، عندما قال :” .. أن المفاوضات بين واشنطن وأنقرة ، بشأن دور تركي محتمل في محاربة داعش ، مضت بصورة جيدة جداً جداً .. ” ، وهذا فضلا ً عما ذكرناه سابقاً حول دور الأكراد من الناحية العسكرية في هذا الإقليم السوري .
السلطة السياسية :
منذ أيام ، أعلن ما يُسمى برئيس حكومة الإئتلاف السوري ، أحمد طعمة ، استعداد حكومته للإنتقال خلال أربعة أشهر إلى الأراضي السورية ، وذلك في أجواء المباحثات التي جرت وتجري ،بين عواصم الدول الممسكة بالإئتلاف وحكومته لإختيار طقم سياسي جديد ، ليعكس هذا الأخير صورة الإتفاقات الجديدة بين الخصوم على جناحي تحالف أمريكا .. وقد كان لافتاً تصريح رئيس الحكومة التركية مؤخراً بأن ما يُسمى بالمناطق العازلة ( خمس مناطق ) والتي تطالب تركيا بإقامتها ، بأن واجب حمايتها يمكن أن يكون أممياً !!!!! بدلا ً من أطلسياً !! ، وهذا قد يكون مرتبطاً بالمرحلة التي تلي الإعتراف الأمريكي ومعه معظم العربي بشرعية الحكومة التابعة للإئتلاف ، والتي ستطالب بهذه الحماية ، وذلك كترجمة عملية لمقولة ” الأسد فقد شرعيته ” !
ربما تعمل أمريكا على الضغط عالمياً لإستبدال شرعية النظام الحالي في سوريا بشرعية حكومة ذاك الإئتلاف المجدد ، وخصوصا ً إذا ما استطاعت وضعها ضمن ما يُسمى بجامعة الدول العربية لشغل موقع سوريا الشاغل حالياً ، ولكي تكون المطالبة نحو الأمم المتحدة ، متيسرة ” شرعياً ” كونها تأتي من جامعة الدول العربية !!!
هذا المشروع الأمريكي الجديد ، لم نسرده من باب النبوءة الساسية ، ولا من خلال العقل المؤمراتي ، إنما جميع المؤشرات تدلل على ذلك … وبذلك ستصبح في سوريا شرعيتان وحكومتان ، كل منهما يمارس صلاحياته وعلاقاته ضمن المحور الذي ينتمي إليه … فتكون النتيجة – لا سمح الله – تقسيم مقنّع لسوريا الواحدة ..
أخيراً نقول ، لابد لسوريا- الدولة ، ومعها محور الممانعة برمته ، ومن خلفهما روسيا والصين ، من وضع أليات واستراتيجيات ، تأد مشروع أمريكا القديم – الجديد في تفتيت سوريا ، وذلك قبل اكتمال معالمه ..
فكيف ستكون المواجهة ؟ الأيام والأشهر القادمة ، ربما تكون كفيلةٌ بالإجابة .
باحث وكاتب سياسي
بيروت في 19-10-2014