العرض الإيراني المتجدد للكهرباء.. والإستجابة اللبنانية المطلوبة
موقع العهد الإخباري-
يونس عودة:
من نافذة السخرية السوداء، يسأل سياسي مخضرم وهو يفتح حدقتي عينيه مع إشارة تعجب بيده “هل لبنان بحاجة الى الكهرباء؟”، ويجيب بعد أخذ نفس عميق تليه زفرات يشعر الرائي والسامع بعمق بالغضب الذي يصاحبها: “بالطبع، لا يحتاج بلد الاشعاع والنور في حكايا القرايا، لا للكهرباء، ولا للمحروقات ولا لهواء نظيف ولا لمياه نظيفة، كما لا حاجة له في انتشال الاقتصاد المنهار، ولا في وقف المناكفات العبثية، المساعدة كثيرًا في التوترات، ولا يحتاج حتى الى الاستقرار السياسي”.
اما المراد له من أصدقاء السوء والحِرص الكاذب أن يبقى شعبه يعاني وكلما امتدت يد خيّرة لتُسعِف توضع أمامها مئات العوائق.
هناك بصيص أمل حاليا في حل مشكلة الكهرباء بشكل عام، ومشكلة الفيول لتشغيل المعامل بشكل خاص، ما يضع السلطة السياسية أمام اختبار حاسم بعد أن فقدت كل التبريرات المسوّفة في فترات سابقة، ووصول الحال إلى المحال من الرهان على الوصي الأميركي في تنفيذ وعوده العرقوبية كما تلك العربية.
لقد جددت الجمهورية الإسلامية في ايران عرضها مع استعداد حاسم لتزويد لبنان العطِش بمادة الفيول، وتجديد العرض ببناء معملي انتاج بقدرة 2000 ميغاواط. وهذا العرض ليس وليد اللحظة وانما عمره سنوات، ولم تتجاوب حكومات لبنان التي أغرقت شعبها بالظلمة، بل راوغت تكرارًا رغم تذكيرها بمعاناة اللبنانيين جميعًا والحاجة للمساعدة الإيرانية التي يتمنّع “أصدقاء لبنان وأشقاؤه” عن تقديم بدائلها، بل يساعدون ويرشدون في كيفية التعطيل والمماحكة الممجوجة وكأن الهدف هو إبقاء الشعب اللبناني تحت السيف المصلت على رقبته.
لم يكن العرض الإيراني على مستوى “مصادر”، وهي الكلمة والمنسوب الأحب الى قلب المسؤوليين الرسميين في لبنان، بل جرى طرحه علنًا في اجتماعات رسمية في بيروت، وكان علامة فارقة أن يعلن وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان خلال لقائه وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عبد الله بوحبيب في7 تشرين الأول من العام الماضي أن الشركات الإيرانية المتخصصة على أتم الاستعداد في فترة زمنة لا تتجاوز 18 شهرًا، لبناء معملين لإنتاج الطاقة الكهربائية، الأول في بيروت، والثاني في الجنوب اللبناني.
وأبدى الوزير الإيراني استعداد بلاده لإنجاز المشروع “الطموح” وفق وصفه، من خلال الخبرات الفنية والتقنية والهندسية الموجودة لدى إيران، والاستفادة من الاستثمارات الإيرانية اللبنانية المشتركة، وفق ما نقلته وكالة الانباء اللبنانية.
لم يلمس أحد من اللبنانيين جدّية في استجابة المسؤولين في التعاطي مع العرض الإيراني غير المشروط سياسيًا، كما يشترط من يسمّون أنفسهم حلفاء وأشقّاء وأصدقاء لبنان، اذا منحوا لبنان خرطوشة واحدة بحيث يمنع استخدامها ضد “إسرائيل” أو اتخاذ موقف معاد ضد من يقاتل الكيان الصهيوني المؤقت.
يجري الحديث عن إيجابيات حاليًا على هذا الصعيد، وأن رئيس حكومة تصريف الأعمال وافق على السير بالعرض الإيراني، وأن “الهبة الإيرانية لتزويد لبنان الفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان بدأت تأخذ طريقها إلى القبول”. وقد بادر فعلًا وزير الطاقة وليد فياض إلى تشكيل وفد متخصص للذهاب الى طهران للوقوف على المواصفات علمًا أن جواب السفير الإيراني لدى لبنان، مجتبى أماني، حول المواصفات انها تتوافق تمامًا مع المواصفات التي يطلبها لبنان مع تأكيد إيراني على لسان نائب رئيس الجمهورية محمد مخبر لرئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستدعم أي مشروع ومبادرة مؤثرة للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في لبنان، وفي هذا المسار فإننا لن ندّخر جهدًا في تقديم العون لشعب لبنان وحكومته”.
من المفترض أننا أمام أيام حاسمة، يضيق فيها هامش المناورة، وهي لا تشبه من حيث الشكل، الرهان على ضغط أو “قبّة باط” أميركية في هذه الآونة، لأن معاناة اللبنانيين تضاعفت أضعافًا منذ تدخل الإدارة الأميركية بداية عبر السفيرة الشمطاء دوروثي شيا لتعطيل شحنات المازوت التي وصلت عبر جهود حزب الله، وحماية وصولها من المقاومة باعتبار السفن أرضًا لبنانية مذ تحركت من الموانئ الإيرانية، ولم يجد الوعد الأميركي منذ حينه باستجرار الكهرباء والغاز من مصر والأردن طريقًا للتنفيذ، لأن الإدارة نفسها قامت بعملية التعطيل بتمنعها عن تقديم ورقة خطية بعدم ممارسة عقوبات على مصر من جهة، ومحاولة جديدة للضغط على اللبنانيين من جهة ثانية في سياق الابتزاز والاذلال.
ليس من قبيل جلد الذات أو الانتقاد، بل من زاوية التذكير والتصويب، فإن السلطة اللبنانية لو تعاطت إيجابًا مع العرض الإيراني المتجدد عندما طرح للمرة الأولى كان لبنان ينتج حاليًا من المعملين المفترضين 2000 ميغاواط وهي أكثر من نصف حاجة لبنان لكهرباء 24 ساعة يوميًا، كما لو أن حكومة ميقاتي تعاملت بجدية مع تجديد العرض قبل سنة، كنا نحتاج فقط لثمانية أشهر للدخول في عملية انتاج الطاقة الناضبة، وكان بالإمكان تأمين من 15 الى 20 ساعة تغذية يوميًا وتحقيق أرباح يعتد بها، لا سيّما وأن فاتورة الكهرباء التي يستوفيها أصحاب المولدات تتجاوز الملياري دولار سنويًا من عرق اللبنانيين الذين ارتفع صراخهم من حجم الفاتورة الشهرية.
ليس صعبًا أن يصرخ المسؤولون في وجه أميركا ومن يمثلها بقول “لا” كبيرة عندما تكون مصلحة الشعب مأخوذة في عين الاعتبار.
ولذلك فإن المطلوب أبسط من أن تبحث عن شجرة وأنت تشاهد واحة في صحراء، المطلوب ساسة مسؤولون لا مسؤولون نتاج سياسة التعصب المبنية على أحقاد، وساسة مسؤولون لم يأتوا إلى السياسة عبر ثرواتهم بل من وجع الناس ومعاناة البلاد. لا استثمار معاناتها بالخطابات بموازاة مراكمة الثروات الشخصية، وأمام لبنان درس حيّ عندما تكون مصلحة الشعب هي أوّل اعتبار، وليس المصلحة الشخصية أو الجزع من العصا الأميركية بمصادرة الأموال في بنوكها.
هنغاريا عضو في الاتحاد الأوروبي وعضو في الحلف الأطلسي، وهما تشكيلان تمطيهما اميركا، لكن في مسألة العقوبات على روسيا ولا سيما في مسألتي الغاز والنفط وقف رئيس الوزراء الهنغاري ووزير خارجيته بوجه أميركا والحلفين وأعلنا بالفم الملآن أن مصلحة شعبهما فوق أي اعتبار: “أمامنا شتاء قارس وقاس جدًا ولن نلتزم بالعقوبات ضد روسيا.. العقوبات ضد روسيا تساوي قنبلة ذرية واحدة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى حقيقة أننا لن نكون قادرين على إطعام شعبنا فحسب وإطعام الشعوب بالمجمل”.. بمعنى آخر قال للاميركيين “أعلى ما في خيلكم اركبوا”.