العرب خارج سباق التصدي لكورونا.. أرقام محبطة وبريكس آخر الآمال
موقع العهد الإخباري-
أحمد فؤاد:
في العالم اليوم إشارات قاطعة إلى ميلاد فجر جديد، بعد أن طال الليل الأسود القائم، واستمر، وحكم. هذا الليل لا بد له من نهاية، وحالة التيه التي تمر بالعالم العربي خصوصًا لا يمكن أن تستمر هكذا كدائرة جحيمية مغلقة. مثل هذه الحالات في حياة الأمم دورات متكررة، مهما بدا من كل إمارات استمرارها فإنها تنتهي ببعث جديد من وسط الركام والحطام. هذا الخطاب الرسمي العربي الذي يعبر عن العجز والبؤس الشديدين، واللذين يلمسهما كل الناس ويعرفهما كل الناس ويراهما كل الناس، لا بد لهما من نهاية ما.
للعام الرابع على التوالي تهاجمنا أزمة تفشي فيروس كورونا، عبر متحور جديد “إيريس”، في التو اندفعت شركة فايزر “الأميركية” إحدى أكبر شركات الأدوية في العالم، للإعلان عن لقاحها الجديد ضد المتحور الأحدث، وربما سمع البعض أو قرؤوا خبر اللقاح قبل أن يعرفوا اسم المتحور! في شاهد جديد على ما يمكن أن تذهب إليه شركات الشيطان الأكبر في تسويق منتجاتها، وضمان تحقيق أقصى استفادة من الوباء القاتل.
للسنة الرابعة على التوالي لنا درس جديد مكرر، ومن الواضح أنه سيكون كما سبقه مرعبًا مع شركات الأدوية الغربية الكبرى، التي تحتكر بفعل عوامل عدة، أولها الهيمنة، هذا الإنتاج الحيوي الذي يمس حياة الإنسان، فالدواء ليس سلعة مرنة يتحكم بها وفي سعرها العرض والطلب، لكنه سلعة مطلوبة دائمًا، أي أنّه كلّما زادت أسعارها فالمنتظر هو ثبات الطّلب على الأقل، وهذا ترجمة لحقيقة أنّ الدواء ليس رفاهيّة يستطيع الإنسان التوقّف عنه أو تقليل استهلاكه منه.
وصناعة الأدوية بالذات واحدة من أهم الصّناعات التحويليّة الضّخمة مرتفعة القيمة المضافة، أي أنّ أرباحها منفلتة للغاية مقارنة بتكاليف تصنيعها، فيما تقول الشركات الكبرى دائما إنها تضيف مصاريف البحث والتطوير والتجارب ضمن عوامل التسعير، وأخيرًا هي من القطاعات النّادرة التي شهدت استفادة مروّعة من انتشار فيروس كورونا.
ولأن الشيطان الأميركي أجبر 143 دولة في العالم، في فترة هيمنته السوداء على التوقيع والالتزام بأحكام اتفاقية حماية الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة “TRIPS”، والتي تمنح شركات الأدوية الكبرى وضعًا احتكاريًا فريدًا من نوعه، وغير مسبوق، وفي مسألة إنسانية تمامًا، فالدول النامية ممنوعة من صناعة الدواء طالما كانت مادته الفعالة مسجلة باسم شركة أميركية، وتحولت هذه الشركات –بذاتها- لإمبراطوريات تحكم وتقرر وتنفذ ما يمليه عليها قانون الأرباح أولًا وأخيرًا.
وكان نتيجة لهذه الاتفاقيات، وغيرها، أن تتركّز صناعة الأدوية في عدد قليل من الشركات الغربية التي تستطيع إنفاق مبالغ هائلة وقياسيّة على البحث والتّطوير واجتذاب أهم العقول من كافّة أنحاء العالم، ثمّ تسجيل براءة الاختراع، والتي تُغلق الطّريق على منافسيها في الاستفادة من تركيبتها الفعالة لمدّة 20 عامًا، وتتواجد الشّركات الكبرى موزّعة بين الولايات المتّحدة الأميركيّة التي تستحوذ وحدها على 30% من سوق الدواء العالمية، ثمّ أوروبا الغربية التي تليها بنسبة مقاربة، وأخيرًا اليابان بنسبة أقل من 20%.
بالطبع أدى هذا الوضع الشاذ إلى أن تتركّز أكبر الشّركات في الولايات المتّحدة وأوروبا، وطبقًا للتصنيف العالمي لأكبر شركات الأدوية من حيث قيمتها السوقية في 2021، تتصدّر شركة جونسون آند جونسون الأميركية قائمة شركات الأدوية، تليها بالترتيب شركات روش (سويسرا)، فايزر (الولايات المتحدة)، إيلي ليلي (الولايات المتحدة)، نوفارتس (سويسرا)، آبفي (الولايات المتحدة)، ميرك آند كو (الولايات المتحدة)، نوفو نورديسك (الدنمارك)، أسترا زينيكا (بريطانيا)، بريستول مايرز (الولايات المتحدة)، بحسب شبكة فيجوال كابيتاليست الكندية المتخصّصة في الإحصاءات الاقتصاديّة.
ويبلغ حجم سوق الدواء العالمية حاليًا نحو 1.5 تريليون دولار، بعد أن كان 1.11 تريليون دولار في 2018 –قبل أزمة كورونا- ويتجاوز نصيب قطاع الدواء 15% من مخصّصات البحوث العلمية في العالم، متفوّقًا على نظيره في قطاعات تكنولوجيا المعلومات 10.6% والسيارات والمحرّكات 5.9%، وتنفق شركات الولايات المتّحدة وحدها 58% من إجمالي الإنفاق العالمي على بحوث وتطوير الدواء.
انعكست كل تلك العوامل على أرباح وقيمة شركات الأدوية الغربية، وخلال العام الأوّل لانتشار الفيروس القاتل، حقّقت أكبر 50 شركة أدوية في العالم إجمالي إيرادات وصل إلى 851 مليار دولار، كما حقّقت الشّركات قفزات ضخمة في قيمتها السوقيّة، والأكثر من هذا، أن مجموعة “بيبل فاكسين ألاينس” كشفت أنّ أرباح 3 شركات فقط، هي مودرنا وفايزر وبيونتك تجاوزت 34 مليار دولار في 2021 وحده، بمعدّل يبلغ 1000 دولار في كل ثانية واحدة.
وبالطبع فإن الدول العربية ليست في هذا السباق شيئًا مذكورًا، وفوق قواعد اتفاقية “TRIPS” فإنها ليست في جدول الأولويات على الإطلاق، فهذه الصناعة بالذات تحتاج إلى طاقات جبارة وجهد جماعي، وأسواق ضخمة مفتوحة، لضمان تعويض الإنفاق الضخم على مراحل البحث والتطوير وإنشاء بنية أساسية لتلك الصناعة، والمتتبع لصناعة الدواء في الدول العربية كلها، سيجد أنها تملك ما تقول إنه “مصانع” تقوم بدور التعبئة للشركات الكبرى، لا أكثر ولا أقل.
..
الأميركي ينهبنا ويسرقنا، في كل فرصة وأي فرصة، اللقاحات التي قيل إنها قدمت للدول العربية الأفقر، أثير الكثير من الجدل حول كونها أدوية تحت الملاحظة، أي أن ما حدث كان أقرب لوصف “تجارب جماعية ضخمة ومجانية”، في ذروة الأزمة وعنفوانها، فعل الشيطان الأميركي ذلك ليضمن لشركاته المزيد من الأرباح، ويبيض وجهه بهذه المساعدات المشبوهة أمام العالم، وهو في الحقيقة يقتل –أو يحاول- أي تجربة تحرر عربية من فلكه ومداره.
تجمع دول البريكس قد يكون هو الأمل الأخير للعرب في عالم جديد، بعد أن سحقهم العالم القديم بلا رحمة، وبلا توقف. التعاون وليس الهيمنة هو شعار دول البريكس، وكلها دول لا تتمتع بتاريخ استعماري أو سجلات سوداء في السيطرة على الشعوب، فهل نعاين مرة واحدة إرادة عربية ترتفع إلى مستوى الحدث، وتتوقف عن تناولها الرخيص له، بأنه مصدر جديد للقروض، بعد أن تململ الدائنون القدامى؟