العراق وموسم العودة إلى روسيا
صحيفة الصباح العراقية ـ
صادق كاظم:
ظلت العلاقة بين بغداد وموسكو بعد العام 2003 محدودة ومحكومة بظروف الاحتلال الاميركي للعراق والذي كان يقيد كثيرا من انفتاح بغداد على حلفائها السياسيين السابقين والذي اقنع موسكو بأن العراق قد اصبح خارج مدى التحالف التاريخي المؤثر السابق الذي كان يجمعها به في ظل وجود عسكري اميركي كثيف على الارض العراقية كان من المؤكد انه سيمنع امكانية عودة التحالف العراقي الروسي الى وضعه السابق.
تداعيات الوضع الامني في العراق وتلكؤ واشنطن في تزويد الجيش العراقي باحتياجاته من الاسلحة ،فضلا عن انفجار الوضع في سورية والقلق من تحولاته الخطيرة دفعت ببغداد الى اعادة العلاقات مع موسكو وتفعيلها وان كانت لم تصل الى مستواها السابق الذي كانت عليه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عندما كانت تورد الاسلحة والمعدات وتنفذ العديد من المشاريع المختلفة في العراق ، لكن انهيار الحكم الشيوعي السابق وتراجع دور روسيا السياسي على مستوى العالم بعد العام 1991 قد قوض من حجم تحالفات روسيا السابقة مع دول المنطقة ومن بينها نظام الحكم الدكتاتوري السابق الذي حاول استمالة روسيا الى جانبه في مواجهة ضغوط اميركا والغرب بعد هزيمته في حرب الكويت وتعرض العراق الى عقوبات دولية مشددة من خلال منحها عقودا ضخمة لاستثمار الحقول النفطية في العراق وصلت الى اكثر من 20 مليار دولار والتي لم يتمكن الروس من الاستفادة منها او البدء بها حتى بسبب العقوبات الدولية وممانعة واشنطن من هيمنة روسيا على حقول النفط العراقية . ومثل الغزو الاميركي للعراق عام 2003 بداية النهاية للنفوذ الروسي في العراق وتراجعه بعد سيطرة القوات الاميركية على العراق واسقاط النظام الدكتاتوري السابق ،حيث لم تعد العلاقة الى مستواها السابق، بل شاهد الروس تدمير الجيش الاميركي لاسلحتهم التي كانت بحوزة الجيش السابق بعد ان تركها الجنود في المدن والشوارع.
اتجاه العراق صوب موسكو من جديد ضرورة فرضتها حاجة العراق لشراء اسلحة روسية متطورة لسد حاجة الجيش العراقي منها في ظل تقاعس اميركي واضح ،حيث ان الجيش العراقي بفرقه الاربعة عشر ليس مجهزا باسلحة ساندة كافية من طائرات ودبابات ومدافع ،اذ يشكو قادة الجيش العراقي من عدم تسلح قواتهم بشكل كاف من قطع المدفعية والدبابات التي تعتبر سلاحا اساسيا ومهما في الحروب .كما ان العراق لا يملك اية طائرات حربية ولا اية اسلحة مضادة للطائرات وهو يملك رادارا واحدا فقط لمراقبة اجوائه .هذا التباطؤ الاميركي وضغوط واشنطن المستمرة لاقناع الحكومة العراقية بتبني منهج متشدد ضد دمشق واقناع العراقيين بالانضمام الى معسكرهم الطامح لاسقاط نظام الاسد والابتعاد عن ايران قدر الامكان وصنع المعادلة التي وجد المسؤولون العراقيون بأن السير وراء واشنطن من خلالها سيمثل مجازفة خطيرة، خصوصا وان الجانب الطائفي في الصراع السوري قد اخذ يتبلور بعد دخول قطر والسعودية وتركيا كطرف مناوئ لنظام الحكم السوري فضلاً عن تصريحات المسؤولين والقادة في البلدان الثلاثة عن وجود اجندة طائفية معلنة لديهم في عملية دعم المعارضة السورية المسلحة لنظام الحكم السوري ما جعل من سوريا ساحة لحرب بالوكالة بين العديد من الاطراف الدولية والاقليمية ،كما ان هذه الاطراف الثلاثة (قطر وتركيا والسعودية) لم تخف خطابها العدائي للحكومة العراقية بسبب ما تسميه طائفية الحكومة العراقية وانفرادها بالسلطة رغم ان هذه الانظمة الثلاث قد كانت حليفا لنظام البعث الدكتاتوري السابق والذي كان معروفا بطائفيته واقصائيته واجرامه ومع ذلك فانها لم تعترض على سياساته وجرائمه وتجاوزاته تلك والتي ذهب ضحيتها اكثر من مليون مواطن عراقي.
من المؤكد ان تقاربا عراقيا روسيا في ما يخص الملف السوري ورغبة بغداد في العودة الى الروس في مجال الحصول على مستلزمات الجيش العراقي العسكرية من اسلحة الطيران والمدرعات والصواريخ سيشجع على بداية ناجحة لمسار علاقة آخذة بالتطور بين البلدين ،خصوصا وان الروس تواقون للعودة الى العراق الحليف السابق والذي عرفوه بشكل جيد ايام حكم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الذي كان صديقا لهم واول من اشترى السلاح لرفع جاهزية الجيش العراقي وكانت هذه العلاقة المميزة احد اسباب الاطاحة به وذلك عندما رفض العراق التصويت في الجمعية العامة للامم المتحدة لصالح قرار اميركي يدين موسكو خلال ازمة الصواريخ الكوبية عام 1961وذلك عندما هدد وزير الخارجية الاميركي وقتها (جون فوستر دالاس) وزير الخارجية العراقي هاشم جواد بالقول (قل لرئيسك قاسم باننا سنحطم رأسه) وهو التهديد الذي نفذته واشنطن لاحقا بعد عامين وذلك عندما دعمت وساندت الانقلاب الذي نفذه البعثيون في شباط من عام 1963 والذي اودى بحياة الزعيم قاسم مع اكثر من 30 الف مواطن عراقي سقطوا في اقبية واوكار دولة المنظمة السرية ورموزها البارزين امثال الطاغية صدام وناظم كزار وحردان التكريتي وصالح مهدي عماش وطه الجزراوي ،فضلا عن احمد حسن البكر . ورغم ان الروس تغاضوا عن ماضي البعث الدموي ،حين وافقوا على اقامة تحالف ستراتيجي مع هذا النظام في سبعينيات القرن الماضي عبر معاهدة الصداقة وتزويد الجيش العراقي السابق باحتياجاته من الاسلحة الا ان هذه العلاقة ظلت متأرجحة بموقف موسكو الذي كان يعارض سياسات النظام وقتها ضد اعضاء الحزب الشيوعي العراقي والحرب ضد الاكراد ،اضافة الى ان الروس عارضوا ايضا تورط النظام في الحرب على ايران في العام 1980 باعتبارها حربا ستخدم واشنطن وستزيد من نفوذها وهيمنتها على الخليج .
وتبدو حاجة الجيش العراقي الى الاسلحة الدافع الاكبر وراء السعي العراقي لاعادة احياء العلاقة مع موسكو ،خصوصا وان الخبراء العراقيين ابدوا رغبتهم بالحصول على طائرات مروحية قتالية متطورة من طراز (مي -28 ) ،اضافة الى منظومة صوارخ ميدانية مضادة للطائرات من نوع (بانتسير) والتي يؤكد الخبراء العسكريون العراقيون بانها ضرورية من اجل حماية قوات الجيش العراقي في ميدان المعارك من هجمات قد تتعرض لها من قبل اسلحة الطيران المعادية في حين ان واشنطن لم تزود قوات الجيش باي نوع من هذه الاسلحة المتطورة في رغبة واضحة منها بابقاء الجيش العراقي متدنيا في قدراته وفي حاجة ماسة الى الوجود والدعم الاميركي الجوي ،اضافة الى ان الملف الامني ما يزال يرهق الجيش العراقي الذي يمارس حاليا مهمة بوليسية وامنية اكثر منها عسكرية محترفة وهذه الرغبة في الانفتاح على موسكو تاتي ضمن استراتيجية تعمل على التنويع وتجنب الاعتماد على واشنطن ووضع البيض العراقي باكمله في سلتها.
القراءة العراقية لملف اعادة التحالف مع موسكو لن تقتصر على الجوانب العسكرية لوحدها ،بل ان هناك صفحة اقتصادية وسياسية مهمة ايضا فالعراق بحاجة الى الخبرة الروسية في مجال بناء شبكات الطاقة الكهربائية ،حيث سبق للروس وان نفذوا عددا منها في العراق كانت محطة المسيب الكهربائية اخرها ،اضافة الى استثمار الغاز الطبيعي العراقي الضخم واعادة تصديره الى السوق الاوروبية ،اذ تملك روسيا عدة شركات عملاقة في هذا المجال بامكانها استغلال الغاز العراقي المصاحب وبيعه في الاسواق العالمية مع امكانية تطوير الحقول العراقية النفطية التي يعتمد عليها الاقتصاد العراقي بشكل كلي.
ان تطوير العلاقة مع موسكو يعتبر امرا ضروريا من اجل تخفيف حدة الضغط الاميركي على العراق ،اضافة الى انه يعيد للعراق مكانته الدبلوماسية والسياسية المهمة في المنطقة ،اضافة الى تطوير مفاصل الاقتصاد والقوة العسكرية للبلاد .