العراق: مراوغة أميركية تمدد للاحتلال
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
انتهت زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والجولة الرابعة للحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن بجملة مخرجات ونتائج من بينها، تحويل ما يسمى بـ”المهام القتالية للقوات الاميركية في العراق” الى ما يسمى بـ”مهام استشارية وتدريبية”، وسحب كافة “القوات القتالية” بنهاية العام الجاري، وتجديد العراق لالتزامه بحماية أفراد “قوات التحالف الدولي”، في مقابل تأكيد الولايات المتحدة على مواصلة دعمها للقوات العراقية بضمنها قوات البيشمركة، ودعم العراق لاجراء انتخابات حرة ونزيهة، تعزز سيادته وديمقراطيته وتنميته، واتفاق الطرفين على استئناف المناقشات والمباحثات في مختلف المجالات من خلال لجان التنسيق المشتركة، حسب تعبير الإتفاق.
التساؤل الجوهري لمن تابع مجمل الحراك السياسي – الدبلوماسي الأخير بين بغداد وواشنطن، هو ما الجديد فيما تم الاعلان عنه حتى الان؟
لا شك أن التدقيق والتعمق في المفردات والمصطلحات، من شأنه أن يكشف بشكل أو بآخر الجديد في ذلك الحراك، هذا اذا كان هناك شيء جديد بالفعل.
فبينما كان المطلب الرئيسي – سياسيًا وشعبيًا ومرجعيًا – طيلة عام ونصف العام هو الإنسحاب الأميركي وانهاء الاحتلال بصورة كاملة عن البلاد، انتهت الحوارات بين الكاظمي والوفد الكبير المرافق له مع الإدارة الأميركية إلى الإتفاق على تحويل “المهام القتالية للقوات الأميركية” الى “مهام استشارية وتدريبية ولوجيستية”، وهذا يعني بقاءها واستمرار الاحتلال إلى أمد غير معلوم، ناهيك عن التحكم بالأجواء، وبمفاصل أمنية واقتصادية حيوية تحت عنوان الدعم والاسناد اللوجيستي والاستشاري.
إلى جانب ذلك، فإن تبدل الظروف والأحوال، وبروز أوضاع استثنائية طارئة، كما حصل في صيف عام 2014 باجتياح تنظيم “داعش” الإرهابي لمدن ومناطق مختلفة من البلاد، يمكن أن يهيأ الارضيات لواشنطن لتعود مجددًا الى المشهد العراقي بقوة، سواء بطلب رسمي من الحكومة، أو كأمر واقع تحت مظلة التحالف الدولي، فضلًا عن ذلك، فإن بقاء قوات تابعة لحلف شمال الاطلسي (الناتو)، يعد ثغرة حقيقية في جسد السيادة الوطنية، ونوع من الالتفاف الذي يتيح لواشنطن الحفاظ على وجودها المتعدد الاشكال والمظاهر، تحت عناوين ومسميات اخرى.
النقطة المهمة الأخرى، تتمثل في أن الوجود الاميركي في العراق، كان ومازال الهدف الرئيسي منه، مواجهة الجمهورية الاسلامية وتحجيم نفوذها وتقليل حضورها وتأثيرها في المنطقة، سواء في العراق أو غيره من دول المنطقة، ويشترك الكيان الصهيوني وبعض دول المنطقة مع الولايات المتحدة الاميركية بهذا الهدف الاستراتيجي، بحيث ان التمدد التركي في سوريا والعراق وليبيا وافغانستان وطاجيكستان، لا يثير حفيظة واشنطن و”تل ابيب” والرياض وابو ظبي، بقدر ما تقلقها وتثير حفيظتها العلاقات الايجابية الجيدة بين بغداد وطهران.
ولا يتحرج ولا يتردد الكثير من الساسة والباحثين والكتاب الاميركان من التصريح بضرورة وأهمية استمرار الوجود الاميركي في العراق لمواجهة ما يسمونه “الخطر الايراني”، في ذات الوقت فإن هذا الوجود يعد جزءًا من متطلبات وضرورات المحافظة على النفوذ الاميركي في المنطقة لمضان المصالح الاستراتيجية لواشنطن وحلفائها واصدقائها، وخصوصًا مع تنامي وتوسع قوة وتأثير وحضور المنافسين التقليديين، مثل روسيا والصين.
وبخصوص حقيقة أو امكانية تحقق الإنسحاب الأميركي من العراق، يشير القاضي والنائب السابق في البرلمان العراقي وائل عبد اللطيف الى “ان القوات الامريكية لن تنسحب من العراق، ولن تكرر خطأ انسحابها مرتين، وجدولة الانسحاب الامريكي من البلاد كذر الرماد في العيون”، مؤكدًا أنه “لدينا ضعف وعدم الانسجام في المؤسستين السياسية والعسكرية بكل مفاصلها، والتصريحات الامريكية واضحة بعدم الانسحاب”. وعن اتفاقية الاطار الاستراتيجي، يؤكد عبد اللطيف انها “لازالت قائمة وتشمل جميع مجالات الحياة”.
وهذه الرؤية التشاؤمية نوعا ما، نجدها عند نخب سياسية وثقافية وشرائح مجتمعية، ترى ان المسارات الدبلوماسية التفاوضية، من الصعب جدًا أن توصل الى النتائج الايجابية المطلوبة، خصوصًا لمن يعرف حقيقة السياسات والسلوكيات والممارسات الاميركية بمختلف الحقب والازمان، وفي شتى المواقع والبلدان.
ولعل كلام السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر خلال حوار أجرته معه قناة العراقية الاخبارية بعد زيارة الكاظمي وانعقاد الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، لا يتضمن أية إشارات، صريحة أو ضمنية، الى موضوع الانسحاب الاميركي الكامل من الأراضي العراقية، فهو يقول إن “الوجود العسكري الأميركي الحالي في العراق جاء بناء على دعوة من الحكومة العراقية في عام 2014، وأنه رغم تحرير جميع الأراضي من سيطرة تنظيم “داعش”، ما يزال التهديد الذي يشكله التنظيم الإرهابي للعراق وللشعب العراقي قائمًا، وما تزال هناك حاجة لقيام التحالف بمساعدة القوات العراقية التي تقوم هي بالتصدي لـ”داعش” ودحره وضمان استمرار هزيمته”.
ويؤكد تايلر أن “مسار دور التحالف الدولي قد تغير مع تطور قدرات القوات العراقية نتيجة عملها عن قرب مع قوات التحالف”.
وتغير الادوار شيء والانسحاب وجلاء القوات شيء اخر، وهو ما ينسجم ويتطابق مع مفهوم تغير مهام القوات الاميركية من قتالية الى استشارية وتدريبية، وهذا يعني فيما يعنيه خلط الاوراق وارباك المشهد السياسي العراقي بدرجة أكبر، لأن هناك تصورًا عامًا، البعض يعلن عنه صراحة، والبعض الآخر يهمس به خلف الكواليس، مفاده أن واشنطن تتبع منهج المماطلة والتسويف، وهي لا تنوي مغادرة العراق، وهذا ما توصي به الكثير من مراكز الابحاث والدراسات الاستراتيجية والدوائر الاستشارية في واشنطن، وتحذر باستمرار من تكرار خطأ الانسحاب في عام 2011، في ذات الوقت الذي توصي بالاستفادة من تجربة الانسحاب من افغانستان، مع التأكيد على حقيقة ان كل ما يمكن ان تقدم عليه واشنطن لا ينفصل عن ملفات سياسية وأمنية، بعضها ضمن حدود الجغرافيا العراقية، وبعضها الآخر يمتد الى الفضاء الاقليمي المضطرب بتفاعلات الوقائع والأحداث، وتتابع المشاكل والأزمات، واستمرار الحروب والصراعات.