العراق.. مؤشرات الإنفراج بعد عودة البرلمان
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
بعد ما يقارب الأربعة أشهر على توقف أعماله، استأنف مجلس النواب العراقي في الثامن والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر الجاري جلساته بحضور أكثر من ثلثي أعضائه، وفي ظل أجواء متوترة وقلقة، واجراءات أمنية مشددة للغاية بمختلف مناطق العاصمة بغداد، لا سيما تلك المحاذية للمنطقة الخضراء والمؤدية اليها.
وجاء استئناف أعمال البرلمان بعد أيام على الاعلان عن تشكيل ائتلاف ادارة الدولة من قبل كل من الاطار التنسيقي وتحالفي السيادة والعزم والحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى جانب حركة بابليون التي تمثل المكون المسيحي، وبغياب التيار الصدري، الذي كان في وقت سابق قد انسحب من العملية السياسية وسحب ممثليه في البرلمان البالغ عددهم 73 نائبًا بقرار من زعيم التيار السيد مقتدى الصدر.
ومثلت التفاهمات الجديدة بين الفرقاء السياسيين الشيعة والأكراد والسنة، الذين كان البعض منهم حلفاء للتيار الصدري قبل انسحابه من العملية السياسية، مؤشرًا واضحًا على سعيهم الجاد لكسر الجمود السياسي، والشروع بخطوات عملية لتشكيل الحكومة الجديدة بعد مرور حوالي عام على اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة.
وقد تضمنت الجلسة الأخيرة، انتخاب نائب اول لرئيس البرلمان، بعد أن ظل المنصب شاغرًا على اثر استقالة عضو التيار الصدري حاكم الزاملي، الذي شغله لعدة شهور، وخلف الزاملي في هذا المنصب، النائب المستقل محسن المندلاوي، في خطوة أراد منها الاطار التنسيقي منح حيز اكبر للمستقلين في المساهمة بصناعة القرار السياسي، وبالتالي امتصاص جزء من الغضب والاستياء الشعبي حيال القوى والكيانات الحزبية الممسكة بزمام الامور.
كذلك تمضنت جلسة البرلمان، التصويت على رفض استقالة رئيسه محمد الحلبوسي الذي اعلنها مؤخرا بصورة مفاجئة، كما بدا للكثيير من الأوساط والمحافل السياسية، والتي رأى فيها البعض مناورة سياسية دون ان تعكس رغبة حقيقة لدى الحلبوسي بترك المنصب، وقد أريد من وراء تلك المناورة، الحصول على الدعم والتأييد العلني من قبل الأطراف التي كانت قد عارضت توليه المنصب سابقا، وبالفعل فإن ذلك ما حصل، بعدما رفضت قوى الاطار والاتحاد الوطني الكردستاني الاستقالة.
ورغم أن مظاهرات وتجمعات احتجاجية في بغداد وعدد من المحافظات رافقت جلسة البرلمان، إلا أنها في المجمل لم تؤثر على مسارات الأحداث، لأن زعيم التيار الصدري لم يتبنَّ موقفًا واضحًا ضد استئناف عمل البرلمان، يمكن أن يكون حافزًا لأتباعه للخروج الى الشوارع بنفس الزخم الذي حصل أواخر شهر تموز-يوليو الماضي. هذا في الوقت الذي أكدت فيه مصادر سياسية مطلعة على بعض ما يدور في الكواليس، أن الاتصالات لم تنقطع مع التيار الصدري، خصوصًا زعيمه، وأن أطراف ائتلاف ادارة الدولة التي لم تفلح في اقناع الصدر بالعودة والمشاركة في العملية السياسية بصورة رسمية، حصلت على ضمانات وتعهدات منه بعدم عرقلة الأمور وتركها تسير كما يراد لها. بيد أن القصف الذي تعرضت له مواقع قريبة من مبنى البرلمان بعد وقت قصير من انتهاء الجلسة، والهجمات المسلحة التي استهدفت عددًا من منازل ومكاتب نواب في الاطار التنسيقي في وقت لاحق، طرحت العديد من التساؤلات والاستفهامات عن الجهات التي يمكن أن تكون متورطة في هذه الأفعال، والمصالح والمكاسب الكامنة وراءها.
والأمر الملفت أيضًا، أنه مع اعلان ائتلاف ادارة الدولة واستئناف جلسات البرلمان، أطل مرشح الاطار التنسيقي لرئاسة الحكومة المقبلة محمد شياع السوداني عبر أكثر من وسيلة اعلامية، ليتحدث بالتفصيل عن برنامجه الحكومي، ورؤيته لادارة الدولة، وسبل معالجة وحل الكمّ الهائل من المشاكل والازمات والتقاطعات السياسية، وآليات تشكيل حكومته فيما لو سارت قضية ترشيحه وتكليفه على ما يرام، علمًا أن السوداني شارك في الاجتماعات التي مهدت لاعلان ائتلاف ادارة الدولة، وحضر جلسة البرلمان باعتباره نائبًا فيه، وقبل ذلك تمت استضافته من قبل مجموعة برلمانيين أغلبهم ينتمون الى قوى الاطار لمناقشته في تفاصيل برنامجه الحكومي. وقد أطلق السوداني رسائل واشارات ايجابية تجاه التيار الصدري وزعيمه السيد الصدر.
من يقرأ طبيعة ظهور وحركة السوداني، يستشعر أن هناك توافقًا وقبولًا من الجميع، ومن ضمنهم التيار الصدري -وان كان غير معلن- على تسهيل مهمة مرشح الاطار لرئاسة الحكومة، مع ضمان وجود ودور للتيار فيها، وأن تكون خارطة طريقها محددة بمهام وسقوف زمنية واضحة لا تتعدى العام ونصف العام.
ولعل حسم ترشيح السوداني لرئاسة الحكومة، يعني من جانب الاستبعاد الكامل لخيار بقاء رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي لولاية أخرى. هذا من جانب، ومن جانب آخر يعني أن الكرة الآن في ملعب القوى الكردية، التي يفترض بها حسم خلافاتها بشأن المرشح لرئاسة الجمهورية بأسرع وقت ممكن، والذهاب بمرشح توافقي واحد، أو بخلاف ذلك، يتكرر سيناريو عام 2018، لينتهي الأمر عبر خيار “كسر العظم” فيما بينهم. ولعل المؤشرات الأولية من كواليس اربيل والسليمانية، تقول إن هناك حلحلة في مواقف الطرفين الكرديين في التوصل الى حل وسط، يتمثل بتنازل كل منهما عن مرشحه، وهما برهم صالح عن الاتحاد الوطني، وريبر احمد عن الحزب الديمقراطي، واختيار شخصية أخرى من الاتحاد تكون مقبولة لدى الديمقراطي، ويبدو أن الوزير السابق وعديل الرئيس الراحل جلال الطالباني، والعضو القيادي في الاتحاد، عبد اللطيف رشيد هو الاقرب لتولي المنصب، خصوصًا وانه يحظى بموافقة وترحيب مختلف الاطراف السياسية من المكونات الاخرى.
وفي كل الأحوال، فإن مسارات ومستويات التظاهرات المرتقبة في الذكرى السنوية الثالثة للحراك التشريني، لا بد أن تؤثر بشكل أو بآخر على مجمل الحراك السياسي العام في البلاد، فضلًا عن ذلك، فإن عامل المفاجآت في المشهد العراقي، بات هو الموجه والمحدد الأكبر لمسارات الحراك ومخرجاته ونتائجه ومعطياته الايجابية والسلبية على السواء.