العراق: سيناريوهات التخويف وهواجس الإحتلال
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
يكشف تقرير نشره مؤخرًا موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت” الإخباري الأميركي، جملة من التناقضات في مواقف وتوجهات ونوايا الادارة الاميركية بشأن طبيعة ومبررات ودواعي وجود القوات الأميركية القتالية في كل من العراق وسوريا، في الوقت الذي يفترض أن تكون واشنطن سحبت -أو أنهت- المهام القتالية لقواتها في العراق نهاية العام الماضي، على ضوء اتفاق أبرم مع الحكومة العراقية أواخر شهر تموز – يوليو الماضي.
ومن بين ما يذكره التقرير أن “معظم الأميركيين في الوقت الحالي لا يعرفون طبيعة المهمة التي تقوم بها القوات في العراق وسوريا، ففي الوقت الذي يدعي فيه البنتاغون أنها موجودة لمنع ظهور “داعش”، يظهر مبعوث ترامب ليعلن أن أحد أسباب وجود الولايات المتحدة في سوريا هو إخراج إيران، فيما تقوم الادارة الحالية لبايدن بذكر اسم ايران لدى التساؤل عن وجود القوات في العراق، دون توضيح كيف من المفترض أن تحقق الأولى الثانية.
ويذكر التقرير أن “المهمة المزدوجة للقوات الاميركية لمواجهة “داعش” وإيران تؤدي على الفور إلى تناقض، فقد كان هذان الطرفان نقيضين في أعنف الصراعات في السنوات الأخيرة في كل من العراق وسوريا، وكانت إيران أهم مصدر للمساعدة الخارجية للعراق في محاربة “داعش”، وبالمثل كانت واحدة من أكبر المساعدين للنظام في سوريا”.
وأكثر من ذلك يذهب التقرير الى أن “التحجج الأميركي لابقاء قواتهم في العراق وسوريا من أجل “داعش” لم يعد مجديًا وغير قابل للتصديق لأن “داعش” لم تعد موجودة، بل إن القلق الرئيسي يجب أن يكون من الاستياء الحاصل من وجود القوات الأجنبية، وخصوصًا في العراق، الذي أصبح ينظر الى الأميركيين كقوة احتلال عسكرية”.
ولعل خلاصة التقرير المذكور تكمن في نقاط محددة وواضحة، تتمثل في أن الولايات المتحدة لم ولن تنسحب من العراق وسوريا، واذا حصل ذلك، فإنها ستبقى موجودة في المنطقة من خلال قواعدها في الكويت وقطر والبحرين، أي بعبارة أخرى، إن الأمور لن تختلف كثيرًا. والنقطة الثانية هي أن واشنطن تعمل جاهدة على ترسيخ انطباعات وتصورات بأن تنظيم “داعش” الارهابي ما زال موجودًا ويشكل خطرًا كبيرًا من النواحي الأمنية والسياسية والمجتمعية. والنقطة الثالثة، هي أن الهدف الحقيقي من الاصرار على البقاء يرتبط أساسًا بمحاصرة ايران واضعافها والعمل على تحجيم حلفائها وأصدقائها في المنطقة، سواء كانوا دولًا أو حكومات أو أحزابًا ومنظمات وتيارات.
كل التركيز والضخ الاعلامي والسياسي يتمحور حول التخويف من “داعش”، لأن هناك ادراكًا وقناعة لدى مختلف مراكز القرار وصنع السياسات في واشنطن وعواصم أخرى حليفة لها، أن سيناريوهات التخويف من “داعش” هي الأكثر جدوى وفائدة، ومن خلالها يمكن تحقيق مكاسب مالية وسياسية وأمنية غير قليلة.
وفي هذا السياق تنقل صحيفة “الاندبندنت” البريطانية القريبة من الحكومة عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله “نحن ملتزمون بالإبقاء على وجودنا العسكري في سوريا، لأن “داعش” ما يزال يمثل مشكلة جدية، وخطر إعادة ظهوره ما زال قائمًا”.
وعلى ذات المنوال، يؤكد المبعوث الأميركي الخاص للحرب على “داعش” جون تي غودفري أنه “رغم انهيار دولة الخلافة المزعومة لـ”داعش” على الأرض، ما زال التنظيم عدوًا حازمًا وخطيرًا”.
ولتعزيز ودعم رؤية المسؤول الاميركي، ترى الصحيفة الصادرة بنسختها العربية في مقال تحت عنوان (“داعش” ما زال موجودًا وخطيرًا حتى لو لم نعره اهتمامًا)، نشر في الثامن من شهر كانون الثاني-يناير الجاري، أنه “في العراق، تستمر العمليات العسكرية الشاملة ضد تنظيم “داعش”، فيما لا تظهر على التنظيم الإرهابي أي إشارات على تخفيف نشاطه، وفي الأيام الأخيرة، شن عدة هجمات من خلال القنابل المزروعة على جانب الطريق، استهدف من خلالها القوافل العسكرية في منطقة حمرين الجبلية في شمال وسط العراق. وفي سوريا، شن داعش هجمات على دير الزور والحسكة والرقة وحلب، قتل فيها 228 شخصاً خلال عام”.
وفي الواقع، يقول الساسة وأصحاب الرأي الأميركيون إنه “حتى في حال وصف القوات الأميركية في العراق وسوريا بالقوات غير القتالية، لكنها مع ذلك ما زالت تتعرض للهجمات، وهو ما حدث في سلسلة الهجمات على تلك القوات في العراق والبالغ عددها 2500 عنصر وسلسلة الهجمات في سوريا مع وجود ما يقرب من 1000 عسكري اميركي”.
العراق: سيناريوهات التخويف وهواجس الاحتلال
وليس بعيدًا عن ذلك “السيناريوهات التشاؤمية” التي طرحتها صحيفة “جيروزاليم بوست” الاسرائيلية الصادرة باللغة الانجليرية، في حال انسحاب القوات الأميركية من العراق، ولخصت الصحيفة تلك السيناريوهات، بعودة تنظيم “داعش”، وتزايد قوة وسطوة ما أسمته بـ”الميليشيات”، في اشارة الى فصائل المقاومة والحشد الشعبي، وفشل تشكيل الحكومة الجديدة، وتصاعد واتساع النفوذ الايراني.
وليس خافيًا على معظم العراقيين، كنخب سياسية ومواطنين عاديين، خدعة أو اكذوبة الانسحاب الأميركي من العراق، وخدعة وأكذوبة تغيير المهام، مع بقاء الارتال العسكرية تجوب الطرق الخارجية، والطائرات الاميركية، المسيّرة منها وغير المسيّرة -تحت مظلة التحالف الدولي- تحلق في الأجواء العراقية متى أرادت ذلك، والجنود يتنقلون مع معداتهم وأسلحتهم بين القواعد العسكرية في اربيل والانبار وبغداد وصلاح الدين.
ليس هذا فحسب، بل إن خلط الأوراق وارباك الوضع السياسي، بألعاب قصف السفارة الاميركية، متزامنا معها استهداف مقرات حزبية بهجمات لمجاميع مجهولة مسلحة، كما حصل مؤخرًا في استهداف مقر تحالف “تقدم” بزعامة محمل الحبلوسي في منطقة الاعظمية، ومقر تحالف “عزم” بزعامة خميس الخنجر في منطقة اليرموك، ومقر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني في منطقة الكرادة الشرقية. كل ذلك يوحي بوجود بصمات أميركية مباشرة أو غير مباشرة عبر أطراف وأدوات داخلية وخارجية، يراد من ورائها خلط الأوراق وإثارة الفتن، وارباك الأوضاع السياسية والأمنية، من أجل فرض الأمر الواقع، والعودة الى المربع الاول.