العدو في رفح.. استعراض الفشل
موقع العهد الإخباري-
إيهاب زكي:
لا ينفكّ كيان العدوّ عن اجتراح الفشل عند كلّ استحقاق، وكلما حاول استدراك فشل سابق استدركه بفشلٍ أكبر، فراكم فشلًا فوق فشل، وآخر مظاهره هو المفاجأة من قبول حركة حماس للمقترحات الأخيرة التي قدمها الوسطاء. وكان الاعتقاد السائد، في مركز القرار الصهيوني، هو أن ترفض حماس، ليصطنعوا شرعية الهجوم على رفح.
كان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو يمنّي النفس بأن يسوّق لجمهوره انتصارًا معلبًا، حيث تُصوّر موافقة حماس بأنها تراجع وهزيمة أمام هول جنازير الدبابات في رفح، لكنّ استباق حماس إعلان الموافقة قبل التحرك الإسرائيلي نحو رفح، أسقط هذه الورقة من يده، ومن يد الكيان تاليًا، والأصل من يد الأميركي، فبدت خطوة الهجوم على رفح بلا مشروعية، سعت “اسرائيل” للاستحصال عليها.
إنّ السلوك الأميركي منذ إعلان حماس موافقتها على المبادرة المصرية القطرية، هو مصداقٌ للنهج الأميركي الذي يستفيد من إنجازات أدواته، لكنّه لا يتحمل إخفاقاتهم، بل يتحمّلونها وحدهم، أيّ أنّ الغُنم لها في ما لهم الغُرم. ونتنياهو مجرد قفازٍ حديدي تستخدمه الإدارة الأميركية، وتلوّح به في وجه كلّ أعدائها في المنطقة، وبحسب نتائج التلويح تبني أميركا سلوكها اللاحق.
نلاحظ التصريحات الأميركية أنّها تعطي الوقت للكيان بالهجوم على رفح ليمارس الجرائم كلها، وفي الوقت ذاته تتنصل من الفعل على أساس أنها غير موافقةٍ عليه. ويُصوّر بأنّ نتنياهو تمرّدَ على قرارها بعدم الهجوم على رفح، مع أنّه لو نبح نبحةً واحدة خارج السيمفونية الأميركية لقطعت أميركا أحباله الصوتية ليصمت للأبد، نتنياهو يستطبع المشاكسة فقط كطفلٍ بليدٍ مدلل، كونه أكثر من يعرف الحاجة الأميركية الملحّة إلى وجود الكيان وسط هذه المنطقة.
ما يحدث هو أنّ الإعلان عن موافقة حماس كان مفاجئًا ومدوّيًا، كون الاتفاق تسليمًا شبه مطلق بالشروط الحمساوية وفصائل المقاومة في غزّة، بمعنى خسارة إسرائيلية كاملة، من دون تحقيق أيٍّ من الأهداف المعلنة. هذا فضلًا عن تعزيز قوة حماس ووجودها وبقائها، حيث أصبحت تمتلك قرار الحرب الإقليمية التي قد تتحوّل إلى حربٍ عالمية.
بدأت الحرب بهدف سحق حماس عسكريًا وسياسيًا وسلطويًا، وتشارف في هذا الطور على نهايتها، وفي يد حماس مفاتيح الحرب الإقليمية. فكلّ جبهات الإسناد المفتوحة في لبنان والعراق واليمن، من دون تردّدٍ أو تلجلجٍ، يعلنون أنّ قرار إغلاق الجبهات أو اتساعها أكثر هي في يدّ حماس، إن قبلت بوقف النار بشروطها وتوقف العدوان، مباشرةً تُغلق الجبهات جميعها وتعود لما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهذا يعني أنّ حماس التي أرادوا سحقها أول الحرب، أصبحت قوةً إقليمية في آخرها.
من نافل القول إنّ الوسيطين المصري والقطري لا يمتلكان صلاحيات إنشاء المبادرات؛ بل هي مبادرات أميركية، والمبادرة الأخيرة هي كذلك أميركية. وكلها جاءت تلبيةً لشروط القادر، بعيدًا جدًا عن شروط العاجز، لذلك كان هذا الاستنفار في رفح لمحاولة استعادة بعض ماء الوجه، لأنّ الضغط العسكري في رفح هو الذي جاء بحماس والمقاومة إلى طاولة التفاوض وقرار القبول.
حتّى هذه اللحظة يبدو دخول رفح استعراضيًا، حيث نشر جنود العدوّ الصور والفيديوهات من معبر رفح بشكلٍ أكثر ممّا نشروه على مدار شهور العدوان، وذلك في محاولاتٍ حثيثة للحصول على صورة نصرٍ في رمق الحرب الأخير.
كذلك حتّى اللحظة، ما تزال المفاوضات جارية، ولم يعلن أحد أطرافها تعليقها أو وصولها إلى طريقٍ مسدود. وحين نسترجع تصريحات حماس بأننا لن نفاوض تحت النار، في تلويحٍ بتعليق التفاوض في حال اجتياح رفح، وعدم إعلانها تعليق التفاوض حتّى اللحظة، يعني أنّ ما يحدث ليس اجتياحًا، إنّما مجرد “فشة خلق نتنياهية” على تجرع مرارة الفشل.
كما أنّ الرفض الإسرائيلي للموافقة التي أعلنتها حماس، لم ينتج قرارًا بتعليق التفاوض؛ بل أرسل نتنياهو وفدًا تفاوضيًا إلى القاهرة. وعليه؛ الأرجح هو أن تكون العملية في رفح محدودة. ولكن هذا لا يعني أنّ للجنون الأميركي حدود، أو أنّ عصابات المجرمين القتلة يرعوون أو تردعهم قوانين أو أخلاق، فلا رادع لهم إلّا الخوف، ولكن طالما التفاوض حتّى اللحظة مستمر، ووتيرة المعارك ظلت على هذا النحو البطيء والمتقطع، فإنّ الأرجح هو تفاوضٌ بالنار، وليس قلبًا للطاولة.
ومهما كان القرار الأميركي، في نهاية المطاف، تسليمًا بشروط المقاومة قبل اجتياح رفح، أمّ إصرارًا على اجتياحها، صحيح أنّ التكلفة ستكون باهظة في رفح فلسطينيًا، لكنّها ستكون أشدّ تكلفةً على مصير الكيان ووجوده، وقد تضع الحرب الإقليمية قرب زرّ الانفجار، بكلّ ما لذلك من تداعياتٍ على خرائط المنطقة والعالم.