العدالة وجعجع: خطّان لا يلتقيان
موقع العهد الإخباري ـ
لطيفة الحسيني:
عثر اللبنانيون على إجابة أضنتهم كثيراً على مدى سنوات: في أي زمن نعيش؟ “المخلّص” سمير جعجع وجدها، إنه “زمن العدالة”! لم يجتهد في بحثه عن هذه “الحقيقة”، جلسات المحكمة الدولية المعلنة أوصلته إليها.. “أسير” معراب تحمّس للمناسبة الموعودة في لاهاي، وبنبرة “قواتية عتيقة” أفصح عن “حكمة” يأمل في أن تردّدها الأجيال يوماً، قال “إذا كانت الضحية والجلاّد يتشاركان في الجرم بالتساوي فهذه بكل صراحة آخر الدنيا”..
ما صرّح به جعجع ليس معادلة رياضية عابرة إنما معادلة “قواتية” أرستها مسيرة مجبولة بالنشاط الميلشياوي والممارسات الإلغائية في الحرب الأهلية وما بعدها.. الأرشيف اللبناني يزخر بجرائم “القوات” وقائدها الأزلي بحقّ شركائها في الهوية.. أينسى “الحكيم” هذه الحقيقة أم يستغبي رأياً عاماً لا تخونه ذاكرته لحظة؟
بفارغ الصبر، انتظر جعجع مشاهدة النقل المباشر لجلسات المحكمة الدولية في يوم انطلاقتها.. الدقائق بالنسبة اليه تمرّ دهراً.. يرغب في الاستماع الى مقاضاة متهمين مفترضين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.. يودّ ذلك بِحقّ، لكن لماذا؟ أينبع من عقدة تاريخية ربّما؟ قد يكون الثأر والانتقام لسنوات السجن الانفرادي التي قضاها سبباً دفعه الى الجنون والانفصام عن الواقع! هل يُعقل أن خَلْع البدلة العسكرية يلغي أحداثاً دموية خُطّت بحبر قواتيّ صرف؟
لأنّ ادّعاء النزاهة السياسية والوطنية خدعة مكشوفة، لن تنجح احتفالات جعجع بجلسات لاهاي، فـ”زمن العدالة” الذي أعلنه في مؤتمره الأخير، يقع في مخيّلته الواسعة.. لا مكان للعفّة في كلام جعجع، حتّى أن حسن الظنّ بعيد عن معاني “خطاباته”.. المراهنة “القواتية” على تحصيل مكاسب من المحكمة الدولية -ذات القرارات المحسومة- لن تُفقد اللبنانيين ذكرياتهم الأليمة.. هي آخر الدنيا عندما يتحوّل جعجع الى منبر يسوّق لمبادئ الإنصاف والعدالة!
حانت آخر الدنيا اذاً بعد أن حاضر قائد “القوات” عن العدالة.. كيف لا وهو الذي أغدق على اللبنانيين إبادات وتصفيات .. هل ينسى صاحب الجرائم العديدة “إنجازاته” عندما حارب الآخر في بلده تحت راية “الأمن المسيحي فوق كلّ اعتبار”؟
هل يستطيع جعجع أن يمحو إعدام ميليشياته لعشرة عسكريين في عمشيت العام 1990 وتسميمها عددا من ضباط فوج المغاوير في رومية، وخطف مدير عام الجمارك المقدم أسعد غانم وسجنه ثلاثة أشهر مع عدد من الضباط في منطقة جونيه؟
هل يستطيع أن يلغي حقيقة أن قواته دمّرت ثلاثين طائرة للجيش في قاعدة أدما الجوية سنة 1990؟ هل له أن يقتلع من الذاكرة اللبنانية اغتياله رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي في العام 1987 أثناء انتقاله بمروحية للجيش اللبناني الى طرابلس؟
ألزهايمر جعجع
هل بمقدوره أن يقفز عن حقيقة أن مجموعة من القوات التي كانت ولا زالت تأتمر به، هاجمت في العام 1986 منزل الضابط خليل كنعان في الحازمية وأعدمته وأصابت زوجته بالرصاص، إثر وقوع اشتباك بين اللواء الخامس و”القوات” في المونتيفردي؟
هل بإمكانه أن يغفل عن لائحة الاغتيالات التي نفّذها سابقاً بحقّ نجل رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية، طوني فرنجية مع زوجته وابنته، وبحقّ داني شمعون مع زوجته وأطفاله وبحقّ أمين سر البطريركية المارونية المونسينيور البير خريش، إضافة الى 23 مدنياً على جسر نهر الموت بعد أن تظاهروا سلمياً؟
هل غاب عن بال جعجع أنه قتل النقيب في الجيش اللبناني أنطوان حداد في شباط 1990؟ أو أنه أردى الملازم أول في الجيش اللبناني جوزف نعمة، وقائد ثكنة الأشرفية العسكرية موريس فاخوري وإميل عازار قائد ثكنة البرجاوي العسكرية في بيروت وقائد الوحدة العسكرية ميشال إسرائيلي؟
هل سها عن جريمته الشهيرة عندما خطف الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة عند نقطة تفتيش حاجز البربارة العسكري التابع للقوات تحت إشراف عبدو راجي؟
هل عصي على جعجع تذكّر دوره في مجزرة صبرا وشاتيلا أكثر المجازر ترويعاً في تاريخ اللبنانيين (1982) بعد أن قدم الجيش الصهيوني الذي كان حينها محتلاً لبيروت، الدعم المطلق لـ”القوات” لتنفيذ مواهبها؟
هل تغافل الحكيم عن محاولاته اغتيال الرئيس سليم الحص والنائبين السابقين نجاح واكيم وميشال المر، فضلاً عن تصفيته العديد من القواتيين؟؟
هل تنصّل جعجع من تفجيره كنيسة سيدة النجاة في زحلة في أواسط الثمانينات؟
هل أهمل خطفه في عرض البحر لشبّان لبنانيين عام 1987 كانوا في طريقهم الى قبرص تمّ احتجازهم وتعذيبهم قبل تسليمهم لـ”اسرائيل” عام 1990؟
الحديث عن العدالة لا يليق بمجرم طليق بعفو استثنائي شرّعته السياسية اللبنانية .. هي آخر الدنيا حقاً فجعجع يسقط جرائمه على متهمين مفترضين عُمل على فبركة أدلة لإدانتهم.. هي سخافة العدالة “الجعجعية”، يمسي السفاح نبيّاً ويغدو القاتل فيلسوفاً أما الضحية فتتحوّل الى وحش تُلقى عليه مشاكل وأزمات العالم.. المحكمة الدولية باتت حجّة القتلة وليس الباحثين عن الحقيقة التي تؤلف على حين غرة.. إنه زمن الحمقى والمتآمرين والبغضاء!!