الصين: حكومة مسرورة وصحافة شامتة
صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمود ريا:
تظهر الصين مسرورة جداً للانعطافة التي شهدتها الأزمة في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هذه السعادة هي جزء من المزاج العام الذي يحكم القيادة الصينية بعد التطورات الأخيرة في الأزمة السورية، إذ أن هناك جزءاً آخر من المشاعر لا يمكن إخفاؤه، وهو المتعلق بالشماتة بالولايات المتحدة.
بالطبع، المسؤولون الصينيون الذين تغص تصريحاتهم الأخيرة بالتعابير التي تتحدث عن الارتياح لضمور خيار العدوان على سوريا، لا يعبّرون عن هذه الشماتة بشكل علني، فالديبلوماسية الصينية دقيقة جداً في أدب التعامل مع مختلف دول العالم، ولا سيما مع القوى العظمى، وبالتحديد الولايات المتحدة.
الصين الرسمية تعرب عن ارتياحها للاتفاق الأميركي الروسي حول الأسلحة الكيميائية السورية، وتحث على تطبيقه، وتأمل أن يكون مدخلاً لعقد مؤتمر «جنيف ـ 2»، مع اقتراح بوقف لإطلاق النار كفرصة للتفاوض.
ولكن هناك «صين» أخرى تتحدث بلغة مختلفة إلى حدٍ ما. صين ترى في ما حصل من تراجع أميركي ـ وإن كان مرحلياً ـ عن ضرب سوريا شبه هزيمة لواشنطن، لا بل هي ترى فيه إعلان سقوط الولايات المتحدة عن عرشها كقوة عظمى وحيدة في العالم.
الكلمات التي تعبّر عن هذا الواقع موجودة بكثرة في ثنايا تعليقات الصحف الصينية، الرسمية منها وغير الرسمية، والتي تكاد لا تخفي تأييدها لـ «انتصار» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نظيره الأميركي باراك أوباما، معتبرة أن هذا «الانتصار» هو بداية تحوّل في الموازين الدولية، ورسم جديد لخريطة العالم.
ولعلّ أكثر ما تركّز عليه وسائل الإعلام الصينية في هذه الفترة هو الاهتزاز الذي أصاب المعسكر الغربي، فترى صحيفة «الشعب» الصينية شبه الرسمية في تعليق لها في 16/9/2013 أن أوباما يعرف «العواقب الوخيمة للتدخل في سوريا، وقد أعلن مراراً وتكراراً عن توجيه ضربات عسكرية محدودة، لكنه بالتأكيد لم يكن يتوقع أن يكون الرد من داخل المعسكر الغربي عبارة عن حفنة من المواقف المحرجة، ما يدل على التراجع الكلي للغرب، ويشكّل انعكاساً لتراجع الهيمنة الأميركية، وهزة حقيقية للهرم الغربي».
هذه العبارة الحاسمة والواثقة التي تتناول فيها الصحيفة الصينية واقع حال الرئيس الأميركي تجاه الأزمة السورية، تلاقيها فيها صحيفة «غلوبال تايمز» الصادرة باللغة الإنكليزية، والتي تعبّر عن تأييد مطلق لما أورده الرئيس بوتين في مقالته الشهيرة التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، والتي دان فيها نزعة الحديث عن «استثنائية» الولايات المتحدة الأميركية في العالم.
وفي انتقاد واضح لردة الفعل الأميركية على مقالة بوتين، تقول «غلوبال تايمز»: «كدولة ديموقراطية غربية نموذجية، يجب على الولايات المتحدة أن تكون أكثر انفتاحاً على الأصوات المختلفة.
الاستجابات الطائشة لا تعبز عن احترام الذات لديها».
تعابير مؤنبة للولايات المتحدة تستعملها الصحيفة، ولكنها ليست كل ما لدى الصحافة الصينية من مؤشرات تكشف عن رغبة صينية بـ «التطاول» على القوة العالمية العظمى. فبالعودة إلى صحيفة «الشعب» الصينية، ترد عبارة مفادها أنه «بعد أن بلغت الولايات المتحدة ذروة السلطة، وشنت حروباً عدة في الشرق الأوسط، أُنهكت الموارد المعنوية والقوة الفائقة تدريجياً لهذه الإمبراطورية».
وتضيف الصحيفة: «منذ نهاية الحرب الباردة، وحرب الخليج، إلى الحرب في العراق، حتى قضية سوريا، لا تعبّر هذه الفترة عن انحدار القوة الأميركية ومسارها المزدوج في التاريخ الأخلاقي فقط، ولكنها تكشف أيضاً عن تشويه سمعة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي العربي. وبطبيعة الحال، والأهم من ذلك، الحروب العديدة التي مزّقت تدريجياً أيضاً العلاقات بين الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين. ومن هذا المنطلق، فإن تراجع الولايات المتحدة هو نتيجة اختيارها الذاتي، وليس نتيجة ما يسمى الصراعات المفروضة على قوة عظمى و(مأساة سياسات القوة العظمى)».
المشكلة التي تعاني منها الولايات المتحدة ـ حسب الصحيفة الصينية ـ تكمن في «عقلية الهيمنة» التي لا تريد واشنطن التخلي عنها، بالرغم من جمود هيمنتها وتراجعها بشكل كبير في العالم. والمشكلة الأكبر هي عدم قدرة أوباما على «إيقاف عربة الهيمنة» الآن.
تقريع عنيف، تنشره الصحف الصينية التي تعكس بشكل كبير الأجواء العامة داخل الإدارة الصينية.
تقريع أقل ما يعكسه هو الشماتة بقوة عظمى.. لم تعد وحدها العظمى في العالم.