الصفعة العراقية لمشروع التطبيع: لا ممرات نافذة
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
تلقت مختلف القوى والنخب والفاعليات السياسية والمجتمعية العراقية بارتياح كبير، تشريع مجلس النواب قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، في وقت أبدت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ومعهما الكيان الصهيوني، غضبها واستيائها من تشريع هذا القانون.
فقد عدّت مختلف القوى والزعامات السياسية وأصحاب الرأي، وقطاعات جماهيرية واسعة، قانون تجريم التطبيع بأنه انتصار تاريخي كبير للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وتأكيد وترسيخ للثوابت الوطنية والدينية والأخلاقية للشعب العراقي، الذي عرف بمواقفه المؤيدة والداعمة دومًا لنضال الشعب الفلسطيني في كل المراحل والمحطات. وكذلك عدّت هذا القانون ضربة قاصمة للكيان الصهيوني ومن يدعمه ويسانده، ولمشاريع التطبيع المذلة، التي بدا للبعض أنها راحت تفرض نفسها كأمر واقع في ظل هرولة وتهافت عدد من الأنظمة الحاكمة في المنطقة على ابرام اتفاقيات ومعاهدات الذل والخنوع مع “تل ابيب” برعاية وتشجيع وتحفيز واشنطن وقوى غربية أخرى.
ومثلما أجمع الكثيرون، فإن قانون تجريم التطبيع الذي صدر بالإجماع من قبل مجلس النواب العراقي في السادس والعشرين من شهر أيار – مايو الجاري، قطع الطريق تمامًا وبصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، على أي مراهنات على إمكانية جر العراق إلى سكة التطبيع، رغم أن القانون بمواده العشر، تضمن هفوات وثغرات ينبغي معالجتها واعادة النظر فيها، حتى لا تكون فيما بعد منفذًا للالتفاف على روحه وجوهره، فالقانون حدد دواعي ومبررات تشريع القانون بـ”بغية المحافظة على المبادئ الوطنية والاسلامية والانسانية في العراق، ونظرا للخطورة الكبيرة التي تترتب على التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل أو الترويج له أو التخابر أو اقامة أي علاقة معه، وقطع الطريق أمام كل من يريد اقامة أي نوع من أنواع العلاقات مع الكيان الصهيوني المحتل، ووضع عقاب رادع بحقهم، والحفاظ على وحدة الصف بين أبناء الشعب وهويته الوطنية والاسلامية.
الملاحظ أن مواد القانون تناولت كل أشكال ومظاهر التطبيع السياسي والثقافي والأمني والعسكري، ولم تقتصر على جانب معين دون الجوانب الأخرى، فالقانون الذي يتمحور أساسًا على منع أي شكل من أشكال اقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني، تضمن عقوبات تصل الى السجن المؤقت والمؤبد والاعدام بحق العراقيين في داخل العراق وخارجه والأجانب المقيمين في العراق، بمختلف مواقعهم ومستوياتهم الوظيفية، وكذلك كافة مؤسسات الدولة وسلطاتها الاتحادية والهيئات المستقلة وحكومات الأقاليم ومجالسها ودوائرها ومؤسساتها، والمحافظين ومجالس المحافظات غير المنتظمة، والإدارات المحلية والدوائر المرتبطة بها، إضافة إلى وسائل الإعلام العراقية داخل الدولة وخارجها، ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في العراق، والشركات الخاصة، والشركات والمؤسسات الأجنبية والمستثمرين الأجانب العاملين في العراق.
ويحظر القانون أيضًا منع السفر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الكيان الصهيوني، وأي تواصل وزيارات لسفارات الكيان والمؤسسات التابعة له في أي دولة من دولة العالم، ناهيك عن التخابر أو الاتصال بأي وسيلة مع الكيان الغاصب ومن يمثله، فردًا كان أو مؤسسة أو منظمة، وتحت أي عنوان ثقافي أو سياسي أو علمي أو تجاري أو اقتصادي أو إعلامي أو أمني أو أي عنوان آخر.
الى جانب حظر الترويج لأي أفكار أو مبادئ أو أيديولوجيات أو سلوكيات للكيان، بأية وسيلة كانت، علنية أو سرية، بما في ذلك المؤتمرات والتجمعات والمؤلفات والبضائع ووسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي، والمشاركة في المؤتمرات والفعاليات التي ينفذها أو يرعاها الكيان الصهيوني أو المؤسسات الأخرى التي تروج للتطبيع.
ومن الطبيعي جدًا أن تكون ردة فعل “تل ابيب” وواشنطن ولندن وأطراف أخرى غاضبة جدًا حيال خطوة البرلمان العراقي، لأن الأخيرة جاءت لتنسف الكثير من الجهود والمساعي التي بذلت لدفع مسيرة التطبيع الى الأمام.
فواشنطن سارعت الى التعبير عن ادانتها واستنكارها وانزعاجها ورفضها الشديد لقانون تجريم التطبيع العراقي، ولم يمر وقت طويل، حتى اصدرت وزارة خارجية الكيان الصهيوني بيانا بنفس مضامين بيان نظيرتها الاميركية، جاء فيه “ان اسرائيل تدين قرار مجلس النواب العراقي اقرار قانون ضد التطبيع.. وان القانون يضع العراق والشعب العراقي في الجانب الخطأ من التاريخ وبمعزل عن الواقع”. ومن لندن التي غالبا ما تتوافق وتتطابق مواقفها مع واشنطن، صرح المتحدث باسم الشؤون الخارجية في مجلس النواب البريطاني ديفيد لامي، قائلا انه “لأمر مثير للقلق، بشكل لا يصدق، ان البرلمان العراقي قد أصدر قانوناً يجرم بل ويهدد بالقتل لأولئك الذين لديهم علاقات مع إسرائيل”.
لا شك أن هذه المواقف الانفعالية، تعكس حجم التأثير الكبير الذي يمكن أن ينتجه قانون تجريم التطبيع، على مجمل الأوضاع والمواقف الرسمية والشعبية في المنطقة، ناهيك عن تقاطعه الكامل مع ما تحقق من خطوات في مسيرة التطبيع التي انطلقت من مصر قبل خمسة واربعين عامًا عبر ابرام اتفاقيات كامب ديفيد، لتمر بعمّان التي ابرمت اتفاق وادي عربة مع الكيان الصهيوني في عام 1994، ولتصل بعد حوالي ربع قرن الى ابو ظبي وعواصم عربية أخرى، وكان مأمولًا أن تمهد الطريق نحو بغداد، بيد أن البرلمان العراقي بقانونه الأخير نسف كل شيء، وخلط كل أوراق التطبيع ورماها في وجه أصحابها.