الصفحة الأجنبية: السياسة الأميركية الخارجية في أزمة
كشفت صحف غربية نقلاً عن مصادر بأن واشنطن قامت بإعداد خططٍ لتوجيه ضربة عسكرية ضد كوريا الشمالية بهدف إجبار هذا البلد على التفاوض، فيما اعتبر باحثون أن السياسة الأميركية الخارجية تشهد أزمة نتيجة الفجوة بين المواقف الشخصية للرئيس الأميركي دونالد ترامب من جهة، والمدرسة التقليدية الأميركية من جهة أخرى.
كما اعتبرت مواقع إلكترونية غربية أن التزام ترامب بمبادىء ورقة استراتيجية الأمن القومي الجديدة ليس بالأمر المؤكد أبدًا، خاصة في ظل كلامه المتواصل الإيجابي حول روسيا.
خطة أميركية لتوجيه ضربة إلى كوريا الشمالية
كشفت صحيفة الـ”دايلي تلغراف” البريطانية نقلاً عن مصادر مطلعة أن واشنطن تقوم بإعداد خطط لتوجيه ضربة عسكرية إلى كوريا الشمالية من أجل وقف برنامجها للأسلحة النووية.
وبحسب الصحيفة، فإن المصادر المذكورة قالت أن البيت الأبيض كثّف استعداداته لحل عسكري خلال الأشهر الأخيرة، وذلك “وسط مخاوف من أن لا تحقق الدبلوماسية نجاحًا”، بحسب تعبير الصحيفة، كما نقلت عن المصادر أن “من بين الخيارات المطروحة تدمير موقع لإطلاق الأسلحة قبل أن يستخدمه النظام الكوري الشمالي لإجراء تجربة صاورخية جديدة”.
كذلك لفتت الصحيفة إلى أنه قد يتم استهداف مخزونات من السلاح، وأضافت أن الهدف من كل ذلك هو توجيه رسالة إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بأن أميركا جادة “بوقف المزيد من التطور النووي في كوريا الشمالية وبالتالي دفعه إلى التفاوض”.
*أزمة السياسة الخارجية الأميركية
كتب الباحث توماس رايت مقالة نشرت على موقع ديفينس وان، اعتبر فيها أن ورقة استراتيجية الأمن القومي الأميركية مثلت رفضًا لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيما مثل خطاب ترامب بمناسبة صدور هذه الاستراتيجية رفضًا لها.
ووصف الكاتب خطاب ترامب بـ”الانعزالي والذي ركز على الداخل”، مشيرا إلى أن “ترامب بدأ خطابه بالحديث عن التهديد المتمثل باتفاقيات التجارة وعن خيانة الحلفاء وكذلك عن “مشكلة” اللاجئين”، ولفت الكاتب إلى أن “ترامب وطوال خطابه عاد إلى هذه المواضيع”.
وفي المقابل، أشار الكاتب إلى أن “الرئيس الأميركي تجاهل في خطابه الأمور الجيوسياسية، وطالب حلفاء واشنطن بأن يدفعوا مقابلا للحماية التي توفرها أميركا”، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن “مثل ذلك لا يرد إطلاقًا في ورقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي”.
وتابع الكاتب مفندًا الفجوة الكبيرة ما بين الورقة الاستراتيجية من جهة وخطاب الرئيس الأميركي من جهة أخرى، وقال:” فيما تصف الورقة الاستراتيجية روسيا بالقوة الرجعية، إلا أن ترامب قال في خطابه فقط أن روسيا والصين قوى خصمة تسعى إلى تحدي نفوذ وقيم أميركا”.
وأضاف رايت:”إن ترامب لم يوضح بعد ذلك ماهية التحدي، بل شرح أسباب سعيه لإنشاء شراكة مع كل من روسيا والصين، كما أنه تناول أيضًا التعاون الاستخبارتي الذي حصل بين وكالة الاستخبارات الأميركية الـ”CIA” والاستخبارات الروسية من أجل تعطيل خطة إرهابية في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية مؤخرًا”، وأشار الكاتب إلى أن “ترامب لم يذكر في خطابه بعد ذلك روسيا والصين مجددًا”.
وفي هذا السياق، طرح الكاتب سؤالاً حول الطرف الذي يجب تصديقه، وتساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية جادة في التصدي لروسيا أم لا، في حين أن جهة أخرى تفضل توطيد العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الكاتب أشار في مقاله إلى أن “البعض يعتبر أن ترامب ضعيف ولا يؤثر على سياسته الخارجية، وبالتالي فإن الأمور ستسير كما تريد الجهات التقليدية المعادية لروسيا”، إلا أنه شدد في المقابل على أن “الآراء الشخصية للرئيس الأميركي رسمت سياسة أميركا الخارجية في كل الإدارات المتعاقبة منذ الحرب العالمية الثانية.
ورأى الكاتب أن “السؤال الأبرز خلال العام القادم يتمحور حول ما إذا كان ترامب سيحاول استعادة السيطرة على البيروقراطية وما إذا كان سينجح في ذلك بالفعل”، كما اعتبر رايت أن “أول فرصة لترامب قد تأتي عندما يغادر وزير الخارجية ريكس تيليرسون منصبه؛ في حال غادر أصلاً هذا المنصب”.
كذلك شدد الكاتب على أن “ترامب وفي عامه الثاني قد يُضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة فيما يخص إيران وكوريا الشمالية، وأكد أن أهم الدروس المستخرجة من صدور استراتيجية الأمن القومي الأميركي هو أن السياسة الخارجية الأميركية لا تزال في أزمة، وستبقى كذلك طوال فترة رئاسة ترامب”.
وفيما ذكر الكاتب أن “البعض في إدارة الرئيس ترامب يحاول رسم مسار نحو بر الأمان”، لفت إلى أنه “لا توجد أية ضمانات بأن هؤلاء سينجحوا في احتواء ترامب، أو بأنهم سيبقوا في مناصبهم أصلا”، وخلص رايت إلى القول أن “أيام الاختبار الأصعب هي في الانتظار”.
*التزام ترامب باستراتيجية الأمن القومي ليس مؤكدًا
في السياق نفسه، كتب مجلس تحرير موقع “بلومبيرغ” مقالة رأى فيها أن استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي صدرت مُشجّعة، لكنه تساءل في المقابل حول ما إذا كان ترامب سيلتزم بما تنص عليه هذه الاستراتيجية أم لا.
الموقع اعتبر أن “المشجع في الورقة الاستراتيجية هو تأكيدها على أهمية التحالفات القائمة، ومعالجة التهديدات التي تشكلها-على حد وصفه-“قوى الاستبداد”، موضحا أن “الاستراتيجية تعترف بمكاسب النظام العالمي الذي قادته واشنطن منذ سبعة عقود”، كما أشار المجلس إلى أن “الورقة تلفت إلى أن الحوار مع الخصوم لن يغير من سلوكهم”، وأضاف:” إن ذلك يمثل صفعة بوجه مساعي إدارة باراك أوباما للانخراط مع طهران”.
كما شدد الموقع على أن “السؤال الأكثر إلحاحًا هو حول تأثير هذه الاستراتيجية على ترامب نفسه”، واعتبر أن “هناك أسبابا تطرح تساؤلات في هذا الإطار، ذلك بأن ترامب وخلال خطابه لإعلان الاستراتيجية بالكاد تطرق إلى ذكر روسيا، فيما قلل الخطاب من أهمية التحالفات وعاد إلى شعارات “أميركا أولاً””، وأكد الموقع بالتالي مرة أخرى على أن “ذلك يطرح أسئلة حول ما إذا كان ترامب قد قرأ الورقة بدقة، وحول مدى التزامه بما نصت عليه”.
*استراتيجية الأمن القومي الأميركية تثير تساؤلات بقدر ما تقدم إجابات
الباحث جيمس جيفري كتب في موقع معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى مقالة اعتبر فيها أن “استراتيجية الأمن القومي التي صدرت في الأيام الأخيرة تطرح أسئلة بقدر ما تقدم إجابات، حول السياسة الخارجية التي ستنتهجها إدارة ترامب”، وقال الكاتب:” إن هذه الاستراتيجية الجديدة تقدم رؤية عالمية تنسجم أكثر مع القرن التاسع عشر، وتفرض هذه الرؤية سياسات تشبه إلى حد كبير السياسات التي انتهجتها أميركا منذ 1940، لكن مع تركيز أكبر على سلامة الاقتصاد الأميركي والقوة العسكرية الأميركية”.
وتابع جيفري بالقول أن “الاستراتيجية الجديدة لا تجيب على سؤالين بارزين الأول يتمحور حول ما إذا كان هناك نظام عالمي مشترك يخدم أكثر من مجرد المصالح الأميركية، وهل أن هكذا نظام يستحق الحفاظ عليه والدفاع عنه أم لا”.
وتابع الكاتب:”الاستراتيجية الجديدة وخلافًا للاستراتيجيات السابقة تأتي من الرئيس نفسه، وبالتالي فهي أهم بكثير من غيرها، كما أن هذه الورقة توضح الكثير من مواقف ترامب المعروفة، حيث يرد في مقدمتها عنوان “استراتيجية الأمن القومي هذه تضع أميركا أولاً”.
الكاتب لفت أيضًا إلى أن “إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قامت بإصدار ورقتين استراتيجيتين اثنتين في عامي 2010 و 2015، تضمنت كلاهما الاشارة الى نظام عالمي بقيادة أميركية، يروج للسلام والامن والفرص من خلال تعزيز التعاون لمواجهة التحديات العالمية”، فيما ذكر الكاتب أن ورقة ترامب لا تتضمن مثل هذا الكلام.
كذلك قال الكاتب أن “ورقة إدارة ترامب تتحدى عناصر وردت في استراتيجية كل من أوباما وجورج بوش الإبن”، وأوضح جيفري أن “استراتيجية ترامب تتعهد بأن أميركا لن تفرض قيمها على الآخرين، ما يشكل رفضا لسياسات بوش الإبن”، أما في المقارنة مع ورقة أوباما فلفت الكاتب إلى أن “ورقة إدارة ترامب تشدد على انه لا ضمانات بنجاح النظام السياسي والاقتصادي الأميركي”، وتابع جيفري بالقول أن “ذلك يتناقض مع موقف أوباما الذي كان يعتبر أن نموذج الديمقراطية الليبرالية سينجح لا محالة”.
وفي الختام، قال جيفري:”فيما تحدد ورقة إدارة ترامب تحديات أساسية وهي الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وجماعات تشكل تهديدا عابرا للاوطان مثل الجماعات الارهابية،إلا أن ترامب يركز على التهديد الذي تشكله هذه التحديات للولايات المتحدة وليس للنظام العالمي الذي تديره الولايات المتحدة”.