الصدام بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا مستحيل
تطرقت صحيفة “فزغلياد” إلى احتدام المواجهة السياسية بين روسيا والولايات المتحدة بشأن سوريا، واستبعدت صدامات مسلحة هناك بين الدولتين؛ متوقعة انتصار الرئيس الأسد.
جاء في مقال الصحيفة:
في البدء، أعلنت واشنطن عن قطع قنوات الاتصال نهائيا مع موسكو حول سوريا. لكن توضيحاتها تعاقبت بعد ذلك. وذكر التوضيح الأول أن هذا لا يشمل قنوات الاتصال كافة، بل إنه يقتصر فقط على قناة “الاتصال الثنائي”. ثم جاء توضيحها الثاني بأن الاتصال سيستمر، ولكن في إطار اللجان والمجموعات المتعددة الأطراف. وتلا ذلك مباشرة توضيح واشنطن الثالث الذي أكد أن قنوات الاتصال مع روسيا ليست مغلقة، بل جرى إيقافها مؤقتا، ولكن الأخير غطى عليه الصراخ حول خطورة الخطوة الروسية التي تجسدت في نشر منظومة الدفاع الجوي “إس-300”. ولم يمض قليل من الوقت، حتى فاجأ وزير الخارجية الامريكي الجميع باتصاله بنظيره الروسي طالبا لقاءه لمناقشة الوضع السوري مجددا، وعادت قناة “الاتصال الثنائي” التي أعلنت واشنطن عن قطعها نهائيا لتعمل من جديد، وكأنه لم يتغير أي شيء، ومعركة حلب بقيت مستمرة، كما استمر الجانب الامريكي في عمليات التهويل الإعلامي وبقي مصرا على مقارنة ما حدث مؤخرا في سوريا بأزمة الكاريبي عام 1962، وظهرت تقييمات لخبراء روس تتخوف على مصير المجموعة العسكرية الروسية في سوريا، على الرغم من أن واقع الأمر يكشف غير ذلك، وأن شن هجوم عسكري أمريكي واسع (وناجح) ضد العسكريين الروس في سوريا هو ضرب من الخيال.
لكن هذا الأمر لا يمنع من النظر في بعض التهديدات التي يمكن أن تزيد في تفاقم الوضع في سوريا، منها:
– في وزارة الدفاع الامريكية يعمل جنرالات عسكريون يشغلون مناصب عالية، اعتادوا على مدى السنوات الـ 25 الماضية النظر الى روسيا على أنها شيء شبيه بصربيا، لكنها أكبر مساحة. كما اعتادوا أيضا على خوض حروب محدودة التكنولوجيا العسكرية ضد عدو ضعيف، وينظرون إلى القوة العسكرية الروسية في سوريا بمعزل عن المواجهة الاستراتيجية الشاملة. ويعتقدون أنه في حال توجيه ضربة إليها في سوريا، فسوف تتغاضى روسيا من دون أن ترد، وأنه لن تحدث حرب عالمية ثالثة. ولكن من جهة أخرى، واقعيا لم تقطع الولايات المتحدة قنوات الاتصال مع روسيا على صعيد العمل العسكري من أجل تفادي وقوع صدام في الجو السوري. أما ما يخص تصعيد اللهجة العدائية ضد روسيا، فإن النسبة العظمى منه محكوم بالمنافسة الانتخابية على رئاسة البلاد، ولا تمت بأي صلة للأوضاع العالمية.
– كذلك، فإن تطور الأحداث عسكريا على جبهات القتال السورية، قادر على مفاقمة الوضع إلى حد من الخطورة أكثر مما هو عليه الآن، لا سيما أن القوات الحكومية تخوض هجوما ناجحا، وأن مصير المسلحين في أحياء حلب الشرقية بات معروفا، ولم يبق لهم مخرج للنجاة، الا إذا تدخلت قوة عسكرية من الخارج.
– لكن، إنزال قوة عسكرية أمريكية (لم يجر تجميعها بعد) يفترض الاحتكاك البري المباشر وجها لوجه مع الجيش السوري والقوى الأخرى المساندة له، وهو – النوع القتالي الذي لا يفضله الامريكيون، أو الأحرى لا يمتهنونه. بينما على الجانب الآخر، ومهما تحدثنا عن حال الجيش السوري بعد سنين من الحرب المضنية، فإنه لا يزال يمتلك مقومات المجابهة ويتميز من بقي في صفوفه بالعقائدية القتالية.
– والخسائر البشرية المحرجة التي سوف تكبد الأمريكيين، ممكن تبريرها فقط في حال تحقيق انتصار سريع وحاسم، في حين أن عملية الإنزال الامريكية في القاعدة الجوية كويرس (لا يوجد خيار آخر) سوف تستغرق زمنيا مدة أسبوعين، حتى لو جرى ذلك في ظل الصمت والحياد الروسي الكامل. وبعد ذلك، سترتفع نسبة الضحايا الأمريكيين عن الحجم المسموح به.
وما هي الفائدة من كل ذلك؟
أولا – مع إطلاق الرصاصة الأمريكية الاولى ضد مواقع الجيش السوري على أرضه، سوف يزاح غطاء الحرب الأهلية عن الحدث السوري، وتسحب من يد الولايات المتحدة ذريعتها الإيديولوجية؛ لأن “داعش” يسيطر على الموصل والرقة منذ سنوات عديدة، في حين أنها أرسلت قواتها إلى حلب لمحاربة الجيش السوري وإنقاذ “الجهاديين”!
ثانيا – لن يحظى التدخل الأمريكي المباشر على موافقة الأمم المتحدة والهيئات الدولية الاخرى، حتى ولو جرى إشباع هذه الهيئات كل يوم وعلى مدى الساعات الـ 24 بخرافات أسطورية عن قصف الجيش السوري والروسي لمستشفيات في حلب. الولايات المتحدة وقعت في مصيدة استراتيجيتها الأيديولوجية-الدعائية الخاصة بعملياتها العسكرية، ولم تعد ماكينتها قادرة على اختراع ذرائع مقنعة من لا شيء، سوى خديعة السلاح الكيميائي التي فشلت مرتين حتى الآن.
ثالثا – لن يسكت أحد على ما يمكن أن يحدث. وعملية الإنزال الامريكي كظاهرة يستحيل إنجازها في ظل وجود قوة الدفاع الجوي الروسية في سوريا، كما يستحيل أيضا تنفيذ عملية قصف واسعة النطاق لمواقع الجيش السوري، والحديث الأمريكي عن كل ذلك يحمل طابع الضغط المعنوي، وليس أكثر من ذلك.