الصحف اللبنانية: فوضى انتخابية تشهدها بيروت..وتخوّف من انعكاس الوضع الإقليمي على لبنان
سلطت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الضوء على عدد من المواضيع المحلية والإقليمية الهامة، حيث ركزت على أزمة الكهرباء المستفحلة في لبنان التي كلفت الخزينة 36 مليار دولار حتى الساعة، في وقت تشهد العاصمة بيروت فوضى إنتخابية عارمة أمام مرحلة تصعيدية للمنطقة قد تنعكس على الوضع الداخلي اللبناني، وهذا التصعيد ينطلق مع اقتراب الجيش السوري من تقسيم “جيب الغوطة الشرقية” وجهد دبلوماشي غربي لإحياء عرض “إخراج النصرة” الإرهابية من الغوطة.
بواخر الكهرباء تتسلل إلى الطاولة الحكومية
بدايةً مع صحيفة “النهار” التي كتبت انه “أقفل رئيس الجمهورية باب مجلس الوزراء على الدخول في الجدل الذي نشأ حول عمل الاجهزة الامنية والقضائية بدعوته في مستهل الجلسة “الى ضرورة الالتزام بالقوانين والانظمة المرعية الاجراء في كل ما يتصل بالتحقيقات التي تتولاها الاجهزة الامنية والقضائية، وعدم استباق احكام القضاء سواء كانت للتبرئة أو للادانة”، معتبراً ان “التشكيك بعمل المؤسسات القضائية والامنية والتشهير بها أو بالمسؤولين عنها يؤثر على هيبة الدولة ومؤسساتها”.
وأضافت الصحيفة “كان يمكن مجلس الوزراء ان يدخل هذا الجدل، ان لم يكن في المقدمة السياسية ففي بند اعطاء حركة الاتصالات كاملة للاجهزة الامنية والعسكرية. وهو على رغم غياب وزير الداخلية وافق على طلبه اعطاء حركة الداتا كاملة، الا ان معارضة وزراء “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” أدت الى تقصير المهلة الى أربعة أشهر بدل ستة”.
وحمل الرئيس ميشال عون الى مجلس الوزراء تقريراً مفصلاً بالارقام عن ملف الكهرباء في لبنان، وفيه ان 36 مليار دولار هو حجم العجز المتراكم من الكهرباء من أصل مجمل الدين الذي سجل 79.5 مليار دولار نهاية 2017.
ومن هذا الرقم انطلق رئيس الجمهورية في عرضه لمشكلة الكهرباء التي اعتبر انها لو حلّت أواسط التسعينات لكان حجم الدين العام انخفض الى 43 مليار دولار بنهاية 2017. وقد وزع التقرير على الوزراء تمهيداً لعقد جلسة خاصة حاسمة قريباً لمعالجة هذه المشكلة المزمنة.
واللافت في ارقام التقرير ان موازنة 2018 تلحظ عجزاً بقيمة 1.4 مليار دولار قابل للزيادة في حال موافقة الحكومة على شراء 850 ميغاوات لتغطية جزء من النقص في الكهرباء.
وجاء في التقرير الرئاسي أن الحلّ الأوحد لتوفير الحاجة الصيف المقبل هو شراء الطاقة من أي مصدر كان بافضل الأسعار وفي أسرع وقت ممكن، وان كلفة شراء الطاقة من البواخر هي أقل بنحو سنت واحد من كلفة الانتاج من المعامل.
وختم رئيس الجمهورية تقريره متسائلاً عن سبب اعتراض البعض على بناء المعامل بحجج واهية “فتأخر بناء بعضها وتحديث بعضها الآخر”. كما تساءل: “اليس الاعتراض على شراء كميات إضافية لتغطية النقص للعرقلة فقط ولو على حساب جيوب المواطنين ومالية الدولة…”.
ولم يشأ المعترضون اطلاق مواقف متشنجة حيال اصرار الرئيس عون على المضي بخطة الكهرباء، وبعدما أكد الوزير محمد فنيش في وقت سابق ان الحزب لن يمضي في مشروع البواخر، قال امس “لسنا من المعرقلين” . وأضاف “ما عرضه الرئيس عون في الخطة هو أرقام واقعية و صحيحة ، وتحدث عن ضرورة تأمين التغذية ، والسؤال كيف وبأي طريقة، و نحن مع إحالة كل المشاريع التي تتضمن تلزيمات على إدارة المناقصات” .
اما الوزير علي حسن خليل فصرح: “إستمعنا بكثير من التركيز للخطة التي قدمها الرئيس عون خلال الجلسة حول الكهرباء ، و سندرسها” .
وقال وزير الاشغال العامة يوسف فنيانوس: “لا خلاف على الارقام التي وردت في الورقة التي قدمها الرئيس عون داخل الجلسة، بل الخلاف على كيفية المعالجة ، والخلاف على الآلية بحيث يجب ان يتم إستدراج العروض عبر إدارة المناقصات”.
وأبلغ مصدر وزاري “النهار” أنه “اذا كان ثمن الاتفاق على خطة حقيقية للكهرباء تنطلق قريبا، هو التعاقد لشراء الطاقة من البواخر مدة سنة، وعدم تحويل الاعتراض معركة سياسية، فليكن لانه أرخص الاثمان، اذا ما تم تنفيذ خطط بتمويل خارجي وبرقابة خارجية تمنع السمسرات والتوظيفات السياسية وتؤدي الى وقف الهدر وتحسين الجباية، والاهم توفير الطاقة للمواطنين”.
الجيش يقترب من تقسيم “جيب الغوطة”..وجهد غربيّ لإحياء عرض “إخراج النصرة”
بدورها، كتبت صحيفة “الاخبار” أن “وفود الدول المناهضة لدمشق وحلفائها ركزت في اجتماع مجلس الأمن الدولي المغلق أمس، على طرح العرض الذي قدمته الفصائل المسلحة في الغوطة الشرقية لإخراج «جبهة النصرة» بشروط، على أنه مخرج مقبول لإنهاء «التصعيد غير المقبول». وجاء ذلك في وقت يقترب فيه الجيش من حصاد ثمار عملياته، وتحقيق عزل المسلحين في جيبين منفصلين، كمرحلة أولى لحسم ملف الغوطة
واضافت الصحيفة الى أنه “بات تحقيق هدف العمليات العسكرية التي يشنها الجيش السوري في الغوطة الشرقية بفصل جيب سيطرة المسلحين إلى قسمين، مسألة وقت فقط. بلدة مديرا ــ وبعض بساتينها ــ بقيت الفاصل الوحيد بين قوات الجيش المتقدمة من عمق الغوطة غرباً، وبين الوصول إلى إدارة المركبات. إذ تقلصت المسافة الفاصلة بين الطرفين أمس إلى كيلومترين اثنين فقط، بعد سيطرة الجيش على بلدة بيت سوا”.
وتابعت “اكتمال خطة الجيش سيغيّر الواقع الميداني كثيراً، متيحاً في الوقت نفسه، فرصة مهمة ــ وربما أخيرة ــ للفصائل المسلحة لعقد تسوية مع القوات الحكومية. فطبيعة الصعوبات التي تعرقل مسار التسويات ستتغيّر مع عزل «جيش الإسلام» في دوما عن «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة» في عربين وجوبر ومحيطهما. وبرغم الرفض المعلن من الفصائل المسلحة لصيغة التسوية التي تطرحها دمشق وموسكو، فهي سبقت أن أعلنت استعدادها لإخراج «النصرة» من المنطقة في رسالة وصلت وفود الدول الأعضاء في مجلس الأمن بطريقة غير رسمية”.
وختمت “الأخبار”: “بعد تعثّر إقرار «الهدنة الشاملة» على قياس القرار «2401»، شهدت جلسة مجلس الأمن أمس، محاولة لإحياء عرض الفصائل المسلّحة حول إخراج «النصرة» ووقف إطلاق النار وإيصال المساعدات. التحرك الأوروبي داخل المجلس جاء أمس لدعم هذا التوجه، في موازاة تقدم سريع للجيش السوري في الغوطة، وفرضه السيطرة على نحو نصف مساحة الجيب الذي سيطرت عليه الفصائل المسلحة قبل بدء العمليات العسكرية الأخيرة (مع تركز للكتل العمرانية والتجمعات السكنية في المناطق التي ما زالت خارج سيطرة الجيش). فإلى جانب سيطرته على بلدة بيت سوا أمس، تقدم في جنوب شرق منطقة الريحان، وفي محيط حوش الأشعري، إلى جانب سيطرته على عدد من المزارع في شرق منطقة المستشفيات شمال حرستا”.
فوضى انتخابية والمنطقة أمام مرحلة تصعيدية.. وتخوّف من انعكاس الوضع الإقليمي على لبنان
من جهتها، رأت صحيفة “الجمهورية” أن اللبنانيين يغرقون في متابعة تفاصيل الانتخابات النيابية والترشيحات والتحالفات وسط مفارقات ثلاث:
أولاً: إنها الانتخابات النيابية الأولى منذ تسع سنين وبعد تمديد للمجلس الحالي لثلاث مرات.
ثانياً: إنها العملية الانتخابية الأولى التي تجري وفق قانون جديد يجري إقراره للمرة الأولى منذ العام 1960 والذي يلحظ في جزء أساسي منه النظام النسبي.
ثالثاً: إنّ الحملات الانتخابية تخرج للمرة الأولى منذ العام 2005 من الاصطفاف الإقليمي والذي تمظهر داخلياً بانقسام 8 و14 آذار لتختلط التحالفات ويغيب الخطاب السياسي الذي درج طوال الحقبة الماضية وتتصدّر فيه العناوين الحياتية وبناء الدولة ومحاربة الفساد.
وفي الانشغال الداخلي ظهور طبقة من المرشّحين المتموِّلين الساعين الى دخول الندوة البرلمانية الى جانب حالات اعتراض حزبيّة وحصول انشقاقات في بعض الاحيان.
وأضافت الصحيفة، “لكنّ الأهم وجود حالة من اللامبالاة وعدم الاكتراث لدى بعض الأوساط لم تنجح الماكينات الحزبية في تجييشها بعد وهو ما قد يخفّض نسبة الاقتراع المتوقعة، وهي نتيجة طبيعية متوقعة لهؤلاء نتيجة خلط التحالفات والاصطفافات السياسية بعد أكثر من 11 عاماً من التجييش المستمرّ وفق انقسام 8 و14 آذار وقد يكون هذا ما حدا بالبعض الى اختيار المجتمع المدني والاصطفاف خلفه”.
هذه الصورة المعقّدة يختصرها سفير دولة أوروبية متابعة عن كثب للوضع اللبناني بالقول: “إنّ القانون الجديد يمزّق أحشاء المجتمعات اللبنانية، وخلط الأوراق السياسية يأخذ الناس الى صناديق الاقتراع وهم يفتقدون الهوية السياسية”.
لكنّ “الجبلة” الداخلية الحاصلة والتي تقارب الفوضى لا تتوافق والقراءة الحاصلة للأوساط الديبلوماسية.
وأشارت “الجمهورية” إلى أنه “بالنسبة اليها فإنّ ما نتج عن زيارة الرئيس سعد الحريري للسعودية هو الأهم، وإنّ نتائج هذه الزيارة تظهر من خلال خريطة الانتخابات النيابية. ووفق المعلومات المتداولة فإنّ السعودية نجحت في استعادة الحريري ومنعت انزلاقَه في اتّجاه تركيا أو ربما قطر كسندٍ إقليمي، تمّ توضيح كل الاخطاء التي سادت المرحلة الاخيرة وقيل إنّ المسؤولين السعوديين أقرّوا بطريقة أو بأُخرى بالاخطاء التي اصابت الحريري في الشكل، لكنهم كرّروا ملاحظاتهم لجهة مضمون «الازمة» التي حصلت وإنّ الحريري أجرى بدوره إعادة قراءة، وتمّ التوافق على عدد من العناوين”.
ووفق “غسيل القلوب” الذي حصل تمّ التفاهم على مبدأ مواجهة ايران في لبنان على أن تُترك الطريقة والاسلوب للحريري الذي شرح بإسهاب واقع الساحة اللبنانية والامكانات المتوافرة في ضوء المستجدّات التي طاولت الساحة السورية. فالرياض تريد عدم تكريس انتصار سياسي لإيران في لبنان وسط توقّعاتها بأنّ المنطقة امام مرحلة مواجهة جديدة.
ووفق هذه المعلومات، لفت “الجمهورية” الى أنّ المسؤولين السعوديين ركّزوا على النقاط الآتية بخصوص المعركة الانتخابية:
1- عدم التلاقي أو التعاون مع “حزب الله” ولو شكّل ذلك مصلحةً انتخابية لتيار «المستقبل».
2- فتح قنوات التواصل بهدف التعاون الانتخابي مع كافة القوى والشخصيات السنّية التي لا تُعتبر حليفة لـ«حزب الله»، وجرى استعراض هذه الأسماء بمَن فيهم اللواء اشرف ريفي.
3- ركّز المسؤولون السعوديون على ضرورة استعادة التعاون مع «القوات اللبنانية» في الدوائر الانتخابية شرط أن لا يتعارض ذلك مع المصلحة الانتخابية المباشرة لتيار «المستقبل”.
4- نجح الحريري في إقناع المسؤولين السعوديين بضرورة عدم محاصرة «التيار الوطني الحر» لأنّ ذلك سيدفعه الى الارتماء كلياً في أحضان “حزب الله”، بل يترك مجالاً للتعاون الانتخابي ولو بمقدار محدود في بعض الدوائر، ما يمنع محاصرته وفي الوقت نفسه لا يعطيه تحالفاً شاملاً مع «المستقبل» في كافة الدوائر كما كان مطروحاً، والذي في حال حصوله سيكون على حساب حلفاء السعودية المسيحيين.
5- ستعمل الرياض على مساعدة تيار “المستقبل” لتجاوز أزمته المالية والتي تعرقل حملاته الانتخابية مع التزامها دعم الحريري للاستمرار في رئاسة الحكومة كونه الشخصية السنّية السياسية الأقوى.
ووفق هذه الصورة، استنتجت الاوساط الديبلوماسية أنّ السعودية نجحت في إعادة ترميم خريطة نفوذها في لبنان ولكن مع إدخال تعديلات أساسية على أسلوب العمل من خلال ترك هامش واسع من حرية الحركة للحريري، الذي يتقاطع بذلك مع نظرة جنبلاط واسلوبه في المرحلة الحالية.