الصحف اللبنانية: اتصالات ومشاورات حكومية على ضوء وعد الحريري بالتشكيل
رغم ان الشأن الاقليمي لا سيما المتعلق باختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا كان من أكثر الأخبار اهتماما لدى الصحف الصادرة اليوم في بيروت، إلا أنها أفردت أيضا مساحة جيدة لأزمة تشكيل الحكومة، لا سيما بعد الوعد الذي أطلقه الرئيس المكلف سعد الحريري والذي تبقى منه أسبوع، رغم أن الأجواء لا توحي بانفراج على الأرض، وهي تقتصر على هدر مزيد من الوقت.
“البناء”: الحريري سيسمع ردود باسيل كما أبلغه بالتفاؤل تلفزيونياً
تبدو عملية تشكيل الحكومة بعيداً عن التحليلات والمعلومات موضوعاً ترويجياً تلفزيونياً، حيث لا تدور المواجهات والتجاذبات ولا المشاورات حول العقد التي تفصل الضوابط التي حددها رئيس الجمهورية للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة كشرط لتوقيعه على التشكيلة الحكومية، عن الضوابط التي رسمها الرئيس المكلف للتشكيلة التي يمكن له تقديمها معدلة، بل صار على اللبنانيين النظر إلى ما يسمعونه من شاشة التلفزيون وخصوصاً من برنامج الإعلامي مرسال غانم، كل ليلة خميس، ويستمع معهم الخصوم والأصدقاء من السياسيين كمنبر لتوجيه الرسائل، بعدما افتتح الرئيس المكلف سعد الحريري إطلاق التفاؤل كحرب إعلامية استباقية، تعاونه في الضغط على التيار الوطني الحر ورئيسه، فردّ رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل في اليوم الثاني بمؤتمر صحافي مخاطراً بتحميله مسؤولية العرقلة، يبدو أن الرئيس المكلف نفسه سيستمع مع اللبنانيين بالطريقة ذاتها إلى عروض باسيل لحلحلة العقد الحكومية، ليصير على اللبنانيين التساؤل عن الضيف الثالث للبرنامج نفسه والذي قد يكون النائب السابق وليد جنبلاط، لمعرفة ما إذا كانت عملية تذليل العقد في التشكيلة الحكومية ستعلن على الهواء، أم أن مهلة العشرة أيام التي حدّدها الرئيس المكلف تكون قد انتهت وزاد عليها خمسة أيام فتسقط نهائياً؟
فيما ينشغل الأتراك والسعوديون مع الولايات المتحدة بقضية الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي الذي أعلن مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي أنه قتل في القنصلية السعودية في اسطنبول، وأنّ سلطات بلاده ترجّح أن تكون العملية تمّت بمشاركة «15 سعودياً»، في موازاة اعتبار الوزير السعودي المفوّض وليد البخاري أنّ «مسرحية اغتيال خاشقجي مؤامرة ومكيدة استخبارية دبّرت بإحكام بغرض النيل من سمعة السعودية والإساءة إليها»، ينشغل لبنان بملف التأليف الحكومي الذي يبدو أنّ أفقه الإيجابي لا يزال بعيد المنال رغم الأجواء التفاؤلية التي بثها الرئيس المكلف سعد الحريري ليل الخميس.
وبينما تؤكد مصادر مطلعة على الملف الحكومي لـ «البناء» أنّ الأجواء إيجابية وأنّ هناك تقدّماً في المفاوضات لا سيما بعد ما لاقى طرح الرئيس المكلف إعطاء حزب القوات 3 حقائب خدمية ومنصب نائب رئيس مجلس الوزراء من دون حقيبة، تأييداً من رئيس الجمهورية.
وبينما لفتت مصادر معنية لـ«البناء» الى فيتو عوني على تولي تيار المردة وزارة الأشغال، شدّدت المصادر على أنّ حزب الله لن يرضى أن تسحب هذه الحقيبة من تكتل لبنان الحر الموحد، لتسند للاشتراكي الذي بدأ يطالب بها بعد سحب التربية منه وإعطائها للقوات. مع تشديد المصادر على أنّ حزب الله مصرّ على تولي حقيبة الصحة ولن يتراجع عن مطلبه الذي لا يلقى في الأصل أية معارضة محلية.
أما على خط القوات اللبنانية، فإنّ مصادرها حتى الساعة لا تزال تنفي تلقيها أية صيغة حكومية، مشيرة إلى أنّ الوزير باسيل لا يزال يمارس لعبة التعطيل لألف سبب وسبب، مشدّدة في حديث لـ«البناء» على انّ معيار التأليف يحدّده الرئيس المكلف بالتعاون مع رئيس الجمهورية، وما يقوم به الوزير باسيل هو تعدٍّ على صلاحيات الرئاسة الثالثة وتجاوز للرئيس المكلف، لافتة الى انّ المعيار الذي وضعه باسيل لن يرى النور، مشيرة الى أنّ حزب القوات يمثل ثلث الوجود المسيحي، وبالتالي من الطبيعي أن يحصل على ثلث المقاعد الوزارية المسيحية من دون أية منة من أحد، مستغربة كيف أن باسيل يلجأ بين الفينة والأخرى الى اللعب بالأرقام والإحصاءات وفقاً لمصلحته.
في موازاة ذلك، تصرّ المصادر العونية لـ «البناء» على انّ التيار الوطني لم ينسف مؤتمر الحريري إنما جاء تكاملياً معه، مشيرة الى انّ حزب القوات أصبح محشوراً في الزاوية لا سيما أنه بات المعطّل الوحيد للتأليف. فهو يرفض حقيبة الدولة لنائب رئيس مجلس الوزراء، وهذا الأمر لا يصحّ، لا سيما انّ الحقائب المعروضة عليه مهمة وهي التربية والشؤون الاجتماعية والثقافة. وترى المصادر أنّ النائب السابق وليد جنبلاط تعاطى بإيجابية مع كلام وزير الخارجية ودعا الى دراسة عرضه، الأمر الذي يستدعي التوقف عنده.
“الأخبار”: تعويم ما قبل الطائف يحظّره دستور ما بعده
لم يفضِ الاجتماع السادس بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري في 3 تشرين الاول سوى الى العودة بالتكليف الى ما تحت الصفر. عندما تحدث الحريري عن عشرة ايام لتأليف الحكومة، كان يشير الى توقّع اجتماع سابع بالرئيس اكثر منه ابصارها النور.
في لقائهما الاخير، الاربعاء المنصرم، من غير ان يحمل الرئيس المكلف سعد الحريري الى قصر بعبدا عناصر جدّية وليس جديدة فحسب، للخروج من المأزق الحكومي، اخطره رئيس الجمهورية ميشال عون انه سيكون في الايام التالية في القمة الفرنكوفونية في ارمينيا، وهو يأمل ــــ عندما يعود ـــــ في ان تكون اتضحت تماماً مسودة الحريري، على ان يلتقيا على الاثر. تضمنت هذه الاشارة تلميحاً الى ان توجيهه رسالة الى مجلس النواب، عملاً بما تنيطه به الفقرة 10 من المادة 53، لا يزال احتمالاً واقعياً. اذذاك يضع الازمة الحكومية بين ايدي البرلمان اياً يكن قراره.
يحيل ذلك تأليف الحكومة الآن الى ما تحت الصفر بقليل.
على ان ارتفاع نبرة التصعيد بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية جعلهما في صدارة المواجهة على انهما يمسكان بالحل والربط، مع ان العقدة الدرزية ليست اقل شأناً. الا ان وليد جنبلاط يتصرّف على انه أعقلهما. يصرّ على المقاعد الدرزية الثلاثة، ويبدي في الوقت نفسه انفتاحاً على تسوية ما. يتلطى وراء العقدة المسيحية كأنها الاصل في مأزق الحكومة.
افضى التصلّب المتبادل بين الحزبين المسيحيين الى دفع التكليف في منحى مغاير تماماً، هو ما راح يتردّد في الايام الاخيرة، بالاكثار من الكلام عن «تعويم» حكومة تصريف الاعمال، ما يتيح لها استعادة اجتماعاتها في مجلس الوزراء ونشاطات وزرائها خارجه، كما لو انها لم تعد مستقيلة. الاكثر حماسة في الدفع في هذا المنحى، علناً، هو حزب القوات اللبنانية. في المقابل يتصرّف الحريري كما لو انه يفضّل ان يكون رئيس حكومة معوّمة، منه رئيساً مكلفاً تأليف حكومة يتعذّر تأليفها.
بعض الحجج المساقة الى تعويم الحكومة، ان لها ان تفعل ما سبقها اليه مجلس النواب، وهو «تشريع الضرورة»، فتعمد هي الى «تشريع» استعادتها دورها على نطاق اوسع بكثير مما يجيزه لها تصريف الاعمال. يحلو للحريري ايضاً ان يعاود نشاطه من السرايا لا من بيت الوسط.
لا سابقة منذ اتفاق الطائف في تعويم حكومة مستقيلة. وهو حتماً يحظّر حلاً ملتوياً كهذا.
آخر تعويم حكومي خبره لبنان، في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف، كان مع الحكومة الاولى للرئيس سليم الحص في عهد الرئيس الياس سركيس. تألفت في 9 كانون الاول 1976. الا ان رئيسها استقال في 19 نيسان 1978 بعد انهيار الوضع الامني في البلاد. اعاد سركيس في 28 نيسان تكليفه، الا انه اخفق في تأليف حكومة جديدة بسبب التناحر على التمثيل فيها بين افرقاء نزاعات ذلك الزمان، الجبهة اللبنانية والحركة الوطنية والزعماء التقليديين في طوائفهم. انتهى الامر بعد 26 يوماً الى تعويمها. آنذاك اعتمدت آلية مبتكرة لتبرير التعويم: بتفاهم متفق عليه كمخرج من المشكلة، ابلغ الحص الى سركيس اعتذاره عن عدم تأليف الحكومة الجديدة، فسحب الرئيس منه التكليف، وتراجع عن قبول الاستقالة، فاستعادت الحكومة المستقيلة دورها وشرعيتها كأن شيئاً لم يحدث، واستمرت حتى 16 تموز 1979.
“اللواء”: أسبوع الاتصالات وليس الحسم الحكومي
وفي تقدير مصادر سياسية، ان الأسبوع الطالع ليس الأسبوع الحاسم بالنسبة لمسار تأليف الحكومة، وفق حسابات الرئيس المكلف، الذي ان حدّد لنفسه مهلة تتراوح بين أسبوع وعشرة أيام، يفترض ان تنتهي الأحد المقبل في 14 تشرين الحالي.
ووفق هذه الحسابات، فإن الأسبوع، يفترض ان يكون حاشداً بالنسبة للاتصالات والمشاورات التي سيجريها الرئيس الحريري، في ضوء المواقف الأخيرة، على صعيد العقد المتحكمة بمسار التأليف، بالنسبة للتمثيل المسيحي والدرزي في الحكومة، بقصد حلحلة هاتين العقدتين، على الرغم من ان المعطيات التي طرأت في الأيام الأخيرة لا تُشير إلى إمكانية وجود حلحلة، وبالتالي فإنه لا بدّ مثلما اشارت «اللواء» من أن تكون هناك مفاوضات جديدة مع الأطراف المعنية، قد تتمثل بلقاءات سيجريها الرئيس الحريري مع كل من رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومع الرئيس نبيه برّي أيضاً، قبل اللقاء المرتقب مع رئيس الجمهورية، ميشال عون، بعد عودته من يريفان الجمعة المقبل، لتقديم صيغته النهائية للحكومة الجديدة.
وكان لافتاً للانتباه على هذا الصعيد، ما نقلته قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» عن مصادر وزارية قولها بأن «طريق الحكومة صار مفتوحاً أمام التشكيل، وان المعطى الإقليمي يُشير إلى إمكانية التشكيل».
وأضافت نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن الأجواء التفاؤلية التي عبر عنها الحريري مؤخراً لم تنطلق من فراغ، بل مصدرها اللقاء الذي حصل الاسبوع الماضي مع الرئيس عون، في إشارة إلى التقدم الذي حصل بالنسبة لإعطاء مقعد نائب رئيس الحكومة «للقوات اللبنانية»، بعد ان تنازل عنه الرئيس عون.
ولفتت المصادر المطلعة إلى ان الطرح المقدم «للقوات» والذي يتلخص بإعطائها منصب نائب رئيس الحكومة مع حقيبتي التربية والشؤون الاجتماعية ووزارة دولة، جدي، رغم ان «القوات» لم تتسلمه رسمياً، مما قد يفتح ثغرة في اتجاه التأليف.
وقالت ان التصعيد الذي شهدته الساحة السياسية، نهاية الأسبوع الماضي بين «التيار» و«القوات»، قد يكون الفصل الأخير قبل إنجاز التأليف، على قاعدة المثل الذي كان يردده الرئيس الشهيد رشيد كرامي دائماً: «اشتدي أزمة تنفرجي».
“الجمهورية”: تفاؤل الحريري «مُصطنع»… سقط بضربة باسيل القاضية
لا يُحسد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على لحظته الراهنة. فهو يقف في منزلة بين اثنتين: حرصه على عدم دخول مدار الاشتباك مع رئيس الجمهورية، مع ما يعني ذلك من أخذ «دفتر الشروط» الذي يضعه الرئيس ميشال عون لتأليف الحكومة، بعين الاعتبار… واقتناعه بأنّ ظروف التسوية الرئاسية قد تبدّلت بفعل تبدّل علاقته بالمملكة العربية السعودية، مع ما يعني ذلك من متغيّرات فرضت نفسها على الأجندة الحكومية.
في هذا السياق بالذات، كانت إطلالات الحريري الإعلامية الأخيرة. يلتزم المسافة الفاصلة عن خط أحمر يحول دون وقوفه على منبر المواجهة مع الرئيس عون، وبالتالي هو محكوم بمنطق الإيجابية ولو المصطنعة. إذ لا خيار أمامه سوى تفاؤل مفتعَل يبعده من الصدام. لكن الحريري يدرك في الوقت عينه أنّ التسهيلات التي قدّمها في حكومته الأولى في العهد العوني، أكل الدهر عليها وشرب. لذا، لا بدّ من مقاربة جديدة، لا تجد حتى الآن آذاناً صاغية.
يقول أحد المطّلعين على مواقف رئيس الحكومة إنّ تصوير الخلاف الحكومي على أنّه أكمل دورة نضوجه وبات على أمتار قليلة من خط النهاية، وانّ لمسات بسيطة تنقص الحكومة الجديدة، مُبالغ فيه جداً.
صحيح أنّ الحريري حاول التقليل من أهمية العراقيل التي تحول دون انتقاله إلى السراي الحكومي كرئيس حكومة «كامل الصلاحية»، لكنه يعرف تمام المعرفة أنّ المشوار لا يزال طويلاً وبعيداً، وكل الأطراف بحاجة لتبادل التنازلات لجعل مهمة التأليف ممكنة.
ويضيف هؤلاء أنّ الرجل بنى تفاؤله على معطيات قد تذلّل العقبات، لعل أهمّها تلميح رئيس الجمهورية خلال لقائهما الأخير، إلى إمكانية تجيير موقع نيابة رئاسة الحكومة إلى «القوات» من جديد ولكن ضمن لوحة حكوميّة متكاملة تُقنع رئيس الجمهورية. على هذا الأساس، منح الحريري نفسه هامشاً تفاؤلياً قد يساعد على دفع بقية الأطراف إلى خفض سقوفها وتليين مواقفها… لعل وعسى!
لكنّه في مطلق الاحوال لم يتوقع أن يأتيه الردّ صاعقاً من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، مطيحاً بالآمال التي يحاول الحريري البناء عليها، وبَدت في لحظة «التفجير البرتقالية»، تلك الآمال قصور رمال سرعان ما سقطت بالضربة القاضية.
ولكن، بالنسبة للمطلعين على موقف الحريري، لا يزال المشهد معقّداً. يقولون إنّ عقداً كثيرة لا تزال «حيّة ترزق» على رغم الإيحاء بأنها ماتت. وبالتالي، إنّ فتح الباب أمام صياغة تسوية مع «القوات» على أساس منحها موقع نيابة رئاسة الحكومة، لا يكفي لتجهيز البزّات البيضاء لالتقاط الصورة التذكارية.