الصحف الصينية تسأل: هل انتهت داعش فعلاً؟
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
أثار الإعلان الإيراني عن الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي الكثير من ردود الفعل الإقليمية والدولية، نظراً للمخاطر التي كان ـ وما يزال ـ التنظيم يثيرها في أنحاء العالم، والتي ترجمت نفسها اعتداءات في الكثير من المدن، وهجمات إرهابية أزهقت أرواح المئات من الأبرياء.
وقد جاء هذا الإعلان الإيراني على لسان عدد من مسؤولي الجمهورية الإسلامية، وأبرزهم الرئيس حسن روحاني الذي تحدث في تصريح له عن نهاية التنظيم الإرهابي، وتزامن هذا الإعلان مع إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن هزيمة التنظيم “من منظور عسكري”.
وقد تفاعلت وسائل الإعلام الصينية مع هذا الإعلان، حيث رأت بعض الصحف أن الحديث عن هزيمة التنظيم الإرهابي يكتسب مصداقية كبيرة، إلا أنه لا يعني نهاية نشاطه الإرهابي بشكل كامل.
صحيفة بيجينغ نيوز رأت أن تفاؤل القائدين (الإيراني والعراقي) لا يخفي حقيقة أنه بالرغم من أن قاعدة وجذور التنظيم الإرهابي قد دمِّرت، فإن بقايا هذا التنظيم ما زالت موجودة”. وتضيف الصحيفة: “ومع ذلك، فإن الحملة الدولية لمحاربة هذه المجموعة المتطرفة كسبت جولة”.
وبرأي الصحيفة فإنه “مع فقدان الجماعة الإرهابية السيطرة على المراكز السكانية الرئيسية في سوريا أو العراق، فمن المغري الاحتفال بـ “الانهيار النهائي” لداعش. ولكن ينبغي أن ننتظر، فقد أظهر مقاتلو التنظيم في الماضي مرونة سيئة السمعة وقدرة على التكيّف. بقايا من المنظمة الإرهابية قد يلجأون إلى تكتيكات حرب العصابات أو يقضون وقتهم في تجنيد أتباع لهم في الخارج قبل أن يعيدوا نشاطهم”.
وتشرح الصحيفة الصينية وجهة نظرها هذه بالقول: “فقدت الجماعة الإرهابية معظم معاقلها، ولكن ليس قادتها الذين يحتفظون بالسيطرة على ثمانية من الفروع والشبكات. وهذا يعني أن المجموعة قد تعمل بجدّ لتعميق التواصل التشغيلي عبر فروعها العالمية من أجل إنشاء مركز إرهابي جديد. وتنظيم داعش ليس الجماعة الإرهابية الوحيدة، والنجاح العسكري على مدى السنوات القليلة الماضية قد ألهم الطامحين مثل (هيئة) تحرير الشام في سوريا”.
وتشير صحيفة بيجينغ نيوز إلى المعنى الاستراتيجي لإعلان طهران بالذات هزيمة تنظيم داعش، في حين لم تقم دول كبرى بذلك، لافتة إلى وجود صراع إقليمي ودولي كبير في المنطقة، يتمظهر في محاولة الولايات المتحدة الأميركية منع طهران من كسب المزيد من أوراق القوة في العراق وسوريا.
من هذه النقطة بالذات ينطلق تانغ جيان دوان، الباحث في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي للغات الأجنبية، ليطرح العديد من الأسئلة في مقال نشرته صحيفة الشعب اليومية الصينية تحت عنوان: تنظيم ” الدولة الإسلامية” بين المحاربة والحماية.. هل ستسمح أمريكا للنمور بالعودة إلى الغابات؟
يعلّق تانغ على المعلومات التي أوردتها هيئة الإذاعة البريطانية عن سماح الولايات المتحدة لآلاف العناصر التابعين لتنظيم داعش بالفرار مع عائلاتهم من مدينة الرقة السورية، تحت أنظار ما يسمى بالتحالف الدولي والقوات الكردية التابعة له.
ويرى تانغ أن “الولايات المتحدة تحاول من خلال الصفقات السرية أن تبين لتنظيم “الدولة الاسلامية” بأنه يمكن أن يعيش بسلام طالما لا يسيء إلى مصالحها”، كما أنها ترغب في “الاستمرار في خلق متاعب للحكومة السورية وحلفائها (…) الجيش السوري لم يكسب الحرب بعد، بالرغم من حصوله على نتائج جيدة في ساحة الحرب. كما لا يزال القتال شرسا في حماة وادلب، وتعتبر الأخيرة إحدى المناطق في أنحاء سوريا التي يسيطر عليها المتطرفون بقيادة “جبهة النصرة”. وإن انتقال معظم عناصر تنظيم ” الدولة الإسلامية” من الرقة إلى إدلب سيضغط على القوات السورية”.
إلى جانب ذلك فإن الولايات المتحدة تبحث ـ حسب تانغ ـ على مقبض يحرك الوضع الإقليمي عسكرياً.
ويشرح تانغ هذه الفكرة بالقول: “بعد الحرب الباردة، استخدمت الولايات المتحدة بشكل رئيسي قناتين للبحث عن مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط، الإصلاح الديمقراطي والضرب العسكري. وقد انتهى التحول الديمقراطي مع فشل “الربيع العربي”، ولا تزال القوة العسكرية أهم أداة للتأثير في الشرق الاوسط، ولا يمكن لأمريكا التخلي عنها أبداً. ويعتبر إبقاء تنظيم “الدولة الاسلامية” حياً الوسيلة الأمثل لبقاء الولايات المتحدة أطول فترة في سوريا، والضغط على روسيا وإيران وغيرهما من الأعداء الاستراتيجيين الآخرين. وقد ذكر الجيش الامريكي مراراً أن منع عودة تنظيم “الدولة الاسلامية” السبب الرئيسي وراء عدم انسحابه من سوريا”.
وعلى أساس هذه الوقائع يمكن العودة إلى مقال نشره تيان ون لين، الباحث المساعد في المعهد الصيني لأبحاث العلاقات الدولية المعاصرة العام الماضي في صحيفة الشعب الصينية أيضاً وهو بعنوان: ” تنظيم “الدولة الاسلامية ” ورقة مساومة أمريكية في الشرق الأوسط”.
يرى تيان في مقاله أنه “بالرغم من أن ممارسات تنظيم “الدولة الاسلامية” المتطرفة تهدد سلامة وأمن أمريكا نفسها، إلا أن تنمية هذه التنظيمات المتطرفة يتماشى مع المصالح الاستراتيجية لأمريكا، مما جعل موقف أمريكا تجاه محاربة الإرهاب يجمع بين “القمع والتواطؤ”. ويتمثل ما يسمى بـ “القمع” في عدم السماح بنمو المنظمات الإرهابية في العراق “منطقة النفوذ” الأمريكية، وبالنسبة لما يسمى بـ “التواطؤ”، فهو يتحقق من خلال تشجيع نمو تنظيم “الدولة الاسلامية” في سوريا، بهدف استهلاك طاقة القوات الحكومية السورية والروسية. لذلك، فإن امريكا تقوم باستبعاد سوريا وإيران وبلدان أخرى من المشاركة في تشكيل التحالف ضد الإرهاب، وتبدي عدم حرصها على مكافحة الإرهاب في سوريا، وفي كثير من الأحيان ما تقصف القوات الحكومية السورية بالخطأ. وبعبارة أخرى، أصبح تنظيم “الدولة الاسلامية” ورقة مساومة أمريكية في الشرق الأوسط”.
وبين سعي إيران لإلحاق هزيمة نهائية وحاسمة بتنظيم داعش، وإصرار الولايات المتحدة على استخدام هذا التنظيم لتحقيق أهداف إقليمية تخدم مصالحها دون النظر إلى مصالح دول المنطقة، فإن صحيفة بيجينغ نيوز ترى “أن بقايا تنظيم داعش ربما تكون قادرة على النهوض والحركة في خضم هذا الصراع الجيوسياسي العميق”.