الشيطان ما بين يوم عرفة والواقع السياسي
الشيخ ماهر حمود:
(خطبة الجمعة التي ألقاها إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود من على منبر المسجد ظهر اليوم الجمعة)
في يوم عرفة يكون الشيطان ذليلا وحقيرا لأنه يرى أن الحجاج قد أتوا من كل حج عميق تلبية لنداء الله تعالى، ولكن الشيطان الذليل في يوم عرفة قد يكون فخورا في يوم آخر ومكان آخر حيث يستطيع أن يسيطر على المسلمين بالفتن والخصومات الجاهلية والقتل والقتال حتى أصبحنا نرى الشيطان أقوى من أي فترة أخرى، فلنا أن نتساءل:
على ضوء الصورة القائمة التي يرسمها لنا الوضع القائم في المنطقة من الرقة والموصل وصولا إلى جرود عرسال، وعلى ضوء التخبط السياسي في لبنان والغرائز المتنقلة من عقالها في ليبيا والعراق وغيرهما، وعلى ضوء نجاح المخططات التاريخية المرسومة لنا التي تسربت من مخططات ومؤامرات الصهاينة وأروقة المخابرات الأميركية والغربية بشكل عام، فقد نجحوا في تقسيم العراق عمليا كما ذكر في الكتب وكذلك السودان، وقبل ذلك لبنان عاش مقسما حوالي عشرين عاما من الزمن، واليوم هو مهدد بالتقسيم بطريقة أخرى، وان كان التهديد اليوم اقل شأنا مما سبق، وعلى ضوء العجز السياسي العربي المتمثل بالانقسامات العربية والانشغالات بالأمور الصغيرة عن عظائم الأمور، وعلى ضوء التبجح الأميركي الوقح المتمثل بكلام (جيمس وولسي) رئيس المخابرات الأميركية في عام 2006 والذي يقول فيه بشكل واضح: سنصنع لهم إسلاما يناسبنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات ثم الانقسام والنعرات العصبية… الخ، وعلى ضوء اليقين الذي يزداد يوما بعد يوم أن كبار حكامنا والأنظمة الأقوى في منطقتنا العربية “ممسوكة” بشكل كامل من الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي، وعلى ضوء الانتصار التاريخي الخارق للموازين العسكرية والأمنية والذي من الله علينا به من غزة الصمود والعزة، والذي للأسف كما يبدو وبشكل واضح تعجز الأمة كلها عن استثماره سياسيا وتحويله إلى نموذج يحتذي وإلى منارة تضيء الطريق، بل بالعكس يحاولون إطفاء شعلته وطي صفحته لأنه يفضحهم ويكشف زيفهم وتخلفهم وضعفهم.
على ضوء كل ذلك، من حق المسلم أن يتساءل إلى أين تسير هذه الأمة؟ وهل كتب علينا فقط إسلاما مشوها هنا أو ناقصا هنالك أو وطنية مفلسة عاجزة هنا وفاشلة هنالك؟ هل كتب علينا فقط أن ننظر إلى بعض تاريخنا نتغنى به؟ فيما واقعنا يسير من سيء إلى أسوأ ومن مؤامرة إلى أخرى ومن هزيمة إلى كارثة ومن نصر يتيم إلى أفق مسدود…؟.
من حق المواطن الصالح والمؤمن الصادق أن يرفع صوته إلى الأعلى متضرعا إلى الله، أين ومتى النصر والتغيير، أين العزة المفقودة، أين الوعود الربانية، هنا تظهر الآية الكريمة وكأنها تجيب عن هذا التساؤل:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} البقرة214
بغير هذا الميزان الإيماني الخالص لا نستطيع أن ننظر إلى المستقبل، فإذا كانت نظرتنا إلى المستقبل تعتمد فقط على الوقائع الملموسة والتحاليل السياسية المتداولة، فإن مستقبلنا قاتم وأمورنا نحو الأسوأ، ولكن الأمل بالله كبير أن يوجد من هذا الظلام فجرا ومن هذا الضيق فرجا، هنا دور الإيمان في صناعة الحدث، إذا جاز التعبير.