الشيخ حسين الراضي.. سجين رأي يواجه مصيراً مجهولاً في المعتقلات السعودية
خلفية الاعتقال:
الزعيم البارز الشيخ حسين علي الراضي (66 عاما) عُرف بآرائه السياسية المخالفة للمواقف والسياسات السعودية الرسمية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، حيث عارض واستنكر في خطبته الشهيرة يوم الجمعة 15 يناير/كانون الثاني 2016 إعدام الرمز الشيعي الشيخ نمر باقر النمر وطالب بتسليم جثمانه الى ذويه. وفي خطبة الجمعة الموافق 29 يناير/كانون الثاني اعتبر الحرب على اليمن قرار خاطئ أدّى الى سفك الدماء وقتل الأطفال والنساء وتدمير العمران والممتلكات والبنى التحتية، وفي خطبته الجمعة 4 مارس/آذار الجاري أشاد الراضي بحزب الله اللبناني وأمينه العام السيد حسن نصر الله، واصفاً إياه بأنه مدافع عن حقوق الشعوب العربية وعن العدالة الانسانية ضد التكفيريين والارهابيين واعتبر القرار العربي بتصنيف الحزب إرهابياً قرار سيء يخدم الأجندة الإسرائيلية.
انتهاكات ما قبل الاعتقال:
الاثنين 8 فبراير/شباط 2016 تلقى الشيخ الراضي اتصالاً هاتفياً من إمارة منطقة الأحساء يطالبه بالمثول إلى مقر الأمارة، وبعد وصول الراضي إلى الأمارة طُلب منه توقيع تعهد بعدم إقامة صلاة الجمعة والجماعة والامتناع عن إلقاء الخطب، فرفض الشيخ توقيع التعهد وتلقى سيلاً من التهديدات والتحذيرات قبل أن يُخلى سبيله.
الجمعة 11 فبراير/شباط الماضي، بعد 3 أيام من استدعاء الشيخ الراضي الى أمارة الأحساء، أرسلت وزارة الداخلية السعودية فرقة عسكرية مدججة بالسلاح المتوسط والخفيف وطوّقت جامع الرسول الأعظم (ص) بمدينة العمران بالأحساء الذي يقيم فيه الشيخ الراضي صلاة الجمعة ويلقي خطبه الدينية والسياسية، وانتشر عدد من الجنود أمام مدخل المسجد برفقة عناصر تابعة لجهاز المباحث العامة ومنعوا المواطنين القادمين للصلاة من دخول المسجد وطالبوهم بالابتعاد وأداء الصلاة في مساجد أخرى, وفي وقت متزامن تمركزت دورية مصفحة بالقرب من منزل الشيخ الراضي، في مشهد عبَّر عن التهديد الواضح باعتقال الشيخ إذا حاول الخروج لأداء الصلاة في المسجد.
في 21 مارس/آذار الجاري، نشر الشيخ الراضي عبر صفحته على موقع الفيسبوك خبراً مقتضباً حول تلقيه بلاغ شفهي من مدير شرطة محافظة الأحساء بواسطة عمدة قرية (التهيمية) يقضي بمنعه من إمامة صلاة الجمعة والجماعة.
حملة التحريض الاعلامي:
نفذت الصحف المحلية وبإيعاز وتواطئ وزارة الداخلية السعودية حملة إعلامية شعواء لتشويه سمعة الشيخ الراضي والتحريض عليه ووصمه بالخيانة الوطنية واتهامه بالتحريض على الإرهاب والمساس بالمصالح الوطنية، كما نشرت صحف عكاظ والوطن والرياض، وصحف الكترونية منها: مكة، المرصد، أنحاء، سبق وغيرها.
وإلى جانب ذلك، قادت معرّفات وهمية تابعة لجهاز المباحث السعودية حملة مرادفة عبر “تويتر” ضخّت آلاف التغريدات التحريضية ضد الشيخ الراضي، وطالبت باعتقاله ومحاكمته ومنعه من إقامة الصلاة وإلقاء الخطب.
وشارك في الحملة كتّاب وصحفيون ومسؤولون حكوميون بينهم مستشار وزارة الشؤون الإسلامية عبدالرحمن العسكر.
الاعتقال الأخير:
رفض الشيخ الراضي الخضوع للتهديدات الأمنية وتمسّك بممارسة حقه الديني والانساني في إقامة شعائر صلاة الجمعة والجماعة وأداء وظيفته الدينية في توجيه أبناء مجتمعه وإرشادهم والتعبير عن آرائه في القضايا السياسية الملحة عبر الخطب والأحاديث العامة من على منبر جامع الرسول “ص”.
وهكذا عاد الشيخ الراضي لمنبره الاعلامي ووظيفته الدينية كفقيه ومرشد ديني، وأقام صلاة الجمعة بتاريخ 19 فبراير/شباط وتحدث بالتفصيل عن قضية استدعائه والتعهدات والتهديدات التي وجهت اليه وطلب منه التوقيع عليها، متضمنة عدم تدخله في الشؤون السياسة الداخلية والخارجية، مذيلة بتهديد صريح بسحب ولاية الجامع والمنع من الخطابة واعتقاله واخضاعه للمحاكمة، إذا لم يستجب لأوامرهم.
وفي خطبته الجمعة 4 مارس/آذار رفض الراضي تصنيف جامعة الدول العربية حزب الله اللبناني كـ”حزب إرهابي” وأعلن تأييده المطلق لقائد الحزب السيد حسن نصرالله, بعد أقل من أسبوع واحد من تشريع وزارة الداخلية السعودية قانوناً يقضي بتجريم تأييد الحزب أو التعاطف معه، واعتقال الداعمين والمتعاطفين بذريعة دعم الإرهاب.
وضعت خطبة الراضي الجمعة 4 مارس/آذار حداً فاصلاً دفع الأجهزة الأمنية السعودية لتنفيذ تهديداتها واختطافه من عرض الشارع يوم الاثنين 21 مارس الجاري، عبر أسلوب أعاد إلى أذهان الشيعة ذكريات أليمة مماثلة تعرّض لها داعية الحقوق والدولة الدستورية الشيخ توفيق العامر بعد أدائه صلاة المغرب في مسجد أئمة البقيع بالهفوف، فأثناء توجهه إلى منزله عبر طريق زراعي كمنت له فرقة أمنية وقامت باختطافه بتاريخ 8 مارس 2011 ولا يزال رهن الاعتقال حتى اليوم.
شهود عيان ذكروا لمركز “أمان” أنه أثناء إقامة الشيخ الراضي صلاة الجماعة في جامع الرسول الأعظم (ص) بمدينة العمران في منطقة الأحساء، حاصرت فرقة أمنية المداخل والمخارج المحيطة بالبلدة وفرضت طوقاً أمنياً على محيط المسجد ومنزل الشيخ والطرق المحيطة بهما من خلال نشر ما يربو على 20 عربة مصفحة نوع SUV في مشهد يحاكي العمليات الأمنية أثناء مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة، وجرى اعتقال الزعيم الشيعي من عرض الشارع أمام أعين المارة, بعد محاصرة سيارته أثناء مرورها أمام إحدى الصيدليات القريبة من منزله, وبعد ساعة من الإعتقال اقتحمت فرقة أمنية الصيدلية وقامت بمصادرة تسجيلات كاميرات المراقبة التي رصدت تفاصيل عملية الاعتقال.
وفي اليوم التالي مباشرة لاعتقاله تمت إحالة الشيخ الراضي إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، وبعد 3 أيام وتحديداً الخميس 24 مارس/آذار تم نقله إلى السجن العام بمدينة الدمام المخصص لمرتكبي الجرائم الجنائية.
اعتقالات سابقة:
اعتقلت السلطات السعودية الشيخ الراضي منتصف التسعينات لفترة 18 شهراً، ضمن حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها ضد علماء الدين الشيعة العائدين من الدراسة في الحوزات العلمية في إيران، حيث اتخذت تفجيرات أبراج الخبر في 1996 ذريعة لمطاردة واعتقال عشرات رجال الدين والنشطاء السياسيين الشيعة، حيث لا يزال تسعة منهم رهن الاعتقال منذ ما يزيد على 20 عاماً.
كما اعتقل الراضي بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول 2012 لنحو 24 ساعة إثر مشاركته في مسيرة شعبية في مدينة العمران نصرة للرسول الأعظم محمد (ص) وتنديداً بالإساءة له بعد نشر موقع “يوتيوب” فيلماً مسيئاً وكذلك نشر صحيفة شارلي أبيدو الفرنسية رسوماً مسيئة للنبي للنبي محمد (ص)، وكان الشيخ الراضي حمّل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني كامل المسؤولية في إنتاج ونشر الفيلم المسيء للرسول (ص) وطالب بتقديم منتجي الفيلم للمحاكمة الدولية، كما شارك الشيخ الراضي آنذاك سبعين آخرين من علماء الدين والوجهاء في منطقتي القطيف والأحساء شرق السعودية في إصدار بيان موجه إلى صناع القرار في العالم الإسلامي يطالبونهم بإتخاذ موقف واضح من الفيلم المسيئ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وظلّ الشيخ الراضي يتعرض للاستدعاءات المتكررة والإهانات المختلفة طوال السنوات التي أعقبت الإفراج عنه بعد اعتقاله العام 1996م.
الشيخ حسين الراضي
انتهاكات واضطرابات طائفية:
بحسب الرصد الميداني والتواصل مع مصادر مقربة من الشيخ الراضي والتي رفضت التعليق على الموضوع بشكل مباشر خوفاً من تعرضها إلى اجراءات عقابية انتقامية ـ يبدو من الواضح تزايد حالة الاحتقان الشعبي وعلى مستوى النخب الدينية الشيعية من السياسة الداخلية والخارجية التي تقودها العائلة المالكة ضد حركات التحرر وحق تقرير المصير للشعوب العربية، والتي باتت تنشر حالة من الكراهية والطائفية وتتسبب في تردي الأحوال السياسية والحقوقية للطائفة الشيعية من خلال انتهاج سياسة العقاب الجماعي ضد أبناء الطائفة على خلفية أي تحركات مطلبية أو حقوقية.
وفي سياق خنق الحريات والتضييق على الشيعة في ممارسة شعائرهم الدينية عمدت السلطات السعودية في اليوم التالي لاعتقال الشيخ الراضي إلى قطع التيار الكهربائي عن جامع الرسول الأعظم (ص)، وأعقبه تصريح وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية على لسان مدير إدارة الأوقاف والدعوة في الأحساء أحمد الهاشم بأن الجامع غير مسجل بالوزارة، علماً أن كافة المساجد والأوقاف الشيعية غير مسجلة لدى وزارة الأوقاف وتتبع إلى دائرتي الأوقاف والمواريث الشيعيتين في القطيف والأحساء.
وفي يوم الخميس 24 مارس/آذار استدعت الأجهزة الأمنية الشيخ جواد الراضي ابن الرمز الشيعي المعتقل الشيخ حسين الراضي وأخضعته للتحقيق ثم انتزعت منه تعهداً بعدم إقامة الصلاة في الجامع المذكور.
سجين رأي:
مركز أمان لمراقبة حقوق الانسان يعتبر الشيخ الراضي سجين رأي اعتقل بناء على ممارسته لحرية التعبير, ما يُلزم السلطات السعودية بالإفراج الفوري عنه وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية التي اتخذتها ضده، وضمان تمتعه بكامل حقوقه ومنحه الحرية والأمان ليمارس دوره الديني ويُعلن عن آرائه دون خشية العقاب والتعرض للاعتقال والتعذيب.
كما يطالب المركز السلطات السعودية بمراعاة ظروف عمر الشيخ الطاعن في السن والذي يعاني مرض القلب ويحتاج إلى الرعاية الصحية الدقيقة والمستمرة, وضمان عدم تعرّضه للإيذاء الجسدي أو النفسي ما يشكل خطراً حقيقياً يتهدد سلامته وحياته.
ويؤكد المركز وبناء على متابعة دقيقة لخطب الشيخ الراضي وكتاباته أنه مارس حرية التعبير عن آرائه بكل مسؤولية وشجاعة، والتزم الأطر والأساليب السلمية وأنكر منطق العنف والقوة وأدان الإرهاب بكل أشكاله، كما قدم أفكاره للآخرين ومنهم “الحكومة السعودية” منطلقاً من واجباته الدينية والإنسانية وحقوقه كمواطن، وهو حق أصيل ثابت تدعمه المواثيق الدولية كما في الميثاق العربي لحقوق الإنسان المادة 1/32 والتي تنص “يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية”.
احترام الحقوق الدينية:
ويرى مركز “أمان” أن المنع عن إقامة الشعائر الدينية كصلوات الجمعة والجماعة وإغلاق المساجد مخالف لأبسط حقوق الإنسان ومصادرة صارخة للحريات والحقوق المدنية والدينية.
ويندرج إغلاق جامع الرسول الأعظم (ص) ضمن سياسة العقاب الجماعي الفوري وتثبيت لمعادلة الترهيب وإرساء نهج تكميم الأفواه وتجريم التعبير عن الرأي وبالخصوص لأتباع المذهب الشيعي في مناطق الأحساء والقطيف وأتباع المذهب الاسماعيلي في الخبر ونجران، حيث تكررت حالات إغلاق المساجد والمصليات الشيعية في العقود الأربعة الأخيرة بحسب ظروف ومعطيات سياسية مختلفة، ضمن السعي الحثيث للنظام السعودي باتجاه قمع الأصوات المعارضة له أو المختلفة مع سياساته ومواقفه من القضايا المحلية والدولية.
ويدعو مركز “أمان” الهيئات والمنظمات الحقوقية ومنظمة التعاون الإسلامي لممارسة دورها في الضغط على النظام السعودي باحترام وصيانة الحريات الدينية وحرية التعبير، ودعوتها للإفراج الفوري عن الرمز الشيعي الشيخ حسين الراضي، وإعادة فتح جامع الرسول الأعظم وتمكينه من ممارسة حياته وأدواره بحسب وظيفته ومكانته الدينية والاجتماعية.