الشركات الغربية تنهب ثروات إفريقيا
موقع الخنادق-
زينب عقيل:
في فرنسا، يضيء واحد من كل ثلاثة مصابيح بفضل اليورانيوم النيجيري. في المقابل يعيش ما يقرب 90% من السكان النيجيريين من دون كهرباء، ومن يعترض يحصل على انقلاب. في السودان، دعمت الولايات المتحدة الانفصال، وحصل مرتزقة بلاك ووتر على نصف موارد النفط والذهب. أما في ليبيا، فقد سوّق الغرب تدخّل الناتو لإسقاط الدولة انتصارًا لما سماه الديموقراطية، لكن على الأرض، استبيح النفط بلا مقابل لصالح شركة توتال. هل هذا هو المشهد فقط؟ بالطبع لا، فأينما وجدت الثروات في إفريقيا، ستجد الشركات الغربية بقرار رئاسي سياسي وحماية من الآلة العسكرية لتأمين عمليات النهب.
لفهم مكانة أفريقيا الحالية في النظام الرأسمالي العالمي، يجب على المرء أن يفهم مأساة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي والاستعمار اللاحق لإفريقيا. لفترة طويلة جدًا كانت أجزاء كبيرة من إفريقيا تحت سيطرة الأوروبيين. وعلى الرغم من الإعلان الرسمي لخروج أوروبا منها عام 1977، إلا أن الواقع يقول إن هؤلاء لم يخرجوا ولكن فقط غيّروا أساليب وجودهم بما يتناسب مع الترند العالمي الجديد (أي التيار السائد) وهو الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. دخل هؤلاء من خلال المنظمات غير الحكومية والشركات العالمية الرسمية على حد سواء، على أن كلاهما عمل على النهب وتسهيل السرقة.
يسرقون الشعوب ويتهمونها
في كتابه ” الإمبريالية والنيوليبرالية والتدافع الجديد من أجل أفريقيا” يقدم لي فينغراف تحليلًا شاملًا لما حدث وما يحدث في القارة الأفريقية – مما يوفر إطارًا نظريًا وتاريخيًا وسياسيًا غنيًا لفهم استغلال أفريقيا ومواردها. يبدأ فينجراف بالرأسمالية المبكرة واستخدامها للعمالة الأفريقية المستعبدة للتراكم البدائي لرأس المال. هذا العمل، إلى جانب استعمار أراضي السكان الأصليين، وضع القوى الأوروبية في ميزة اقتصادية وسياسية كبيرة في العالم. ويشرح فينغراف كيف أحبطت المؤسسات التي أنشأتها القوى الاستعمارية التغيير الحقيقي في العديد من البلدان بعد حصولها على الاستقلال. لقد ابتليت العديد من البلدان الأفريقية بالتبعية المالية والصراعات الطائفية والقبلية منذ الاستقلال الرسمي والنخب الفاسدة التي صعدت بمساعدة المستعمرين. هؤلاء النخب الفاسدة هم من سيطروا على المشهد السياسي الحاكم في هذه الدول وإذا حصل وصعد رجلٌ قومي، وأراد العمل لمصلحة وطنه، يتم الاطاحة به إما عبر اغتيال أو عير انقلاب.
لكن اليوم في أي تحليل معلن لأسباب واقع السياسة والاقتصاد في إفريقيا، يتم إلقاء اللوم على الضحية وتجاهل إرث القمع الاستعماري سواء بصورته القديمة أو الجديدة. ويتم توجيه أصابع الاتهام إلى انتهاكات حقوق الإنسان والفساد كما فعل باراك أوباما، الذي دعم وسعى لتحقيق انفصال جنوب السودان، ثم أصدر قرارًا يعزز دور الشركات الأمريكية هناك.
الرجل الأبيض وتجارة الرقيق
جاء تقسيم القارة الإفريقية بين القوى الاستعمارية، بعد فترة وجيزة من “اكتشاف” كريستوفر كولومبوس للأمريكتيين، عندها أسس الأوروبيون تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. وفي القرون اللاحقة، تم أسر ما لا يقل عن 12 مليون أفريقي واستعبادهم، ثم يتم بيعهم إلى الأوروبيين في موانئ غرب أفريقيا، حيث يتم نقلهم في ظل ظروف وحشية إلى مزارع السكر والقطن في منطقة البحر الكاريبي والبرازيل والجنوب الأمريكي. وفي الوقت نفسه، كان ثمانية ملايين أفريقي آخر مخصصين لتجارة الرقيق عبر الصحراء الكبرى وشرق إفريقيا.
وعلى الرغم من أن تجارة الرقيق تضاءلت تدريجيًا مع إلغاء العبودية في أوروبا في أوائل ومنتصف القرن التاسع عشر، إلا أن هؤلاء لم ينتهوا من الإفريقيين بعد، في غانا وساحل العاج يعمل أكثر من مليون قاصر لما يتراوح بين 80 إلى 100 ساعة أسبوعيًا لجني محاصيل الكاكاو وتحويلها إلى مصانع كبريات شركات الشوكولاتة الأوروبية. في المقابل يحصل الطفل على أجرة زهيدة لا تتجاوز الدولار يوميًا، ويستقدم الأطفال من الدول المجاورة للعمل في ظروف غير إنسانية. وفي الكونغو يعمل المنقبون بمعمل الكوبالت لصالح عمالقة التكنولوجيا آبل وديل ومايكروسوفت وغوغل وتسلا. ورغم العائدات الضخمة لهذه الشركات الأمريكية طوي ملف 63 شخصًا عام 2019 بينهم أطفال قتلوا بانهيار منجم. استغلوا في عمليات التنقيب ولم تتلق عائلاتهم تعويضًا.
التضليل بشأن التنمية والمساعدات وحقوق الإنسان
في كتابه الاستعمار الجديد: المرحلة الأخيرة من الإمبريالية، والذي صدر عام 1965، يقول الأب المؤسس لغانا والمنظر الماركسي كوامي نكروما: “بدلا من الاستعمار، كأداة رئيسية للإمبريالية، لدينا اليوم الاستعمار الجديد، وهي محاولة لتصدير الصراعات الاجتماعية للبلدان الرأسمالية ويضيف أن النتيجة هي”أن رأس المال الأجنبي يستخدم للاستغلال وليس لتنمية الأجزاء الأقل نموًا من العالم”.
الواقع أن الثروات التي تغادر إفريقيا كل عام أكبر بكثير مما يدخلها. تحت عنوان المساعدات الإنسانية، يتم إذلال الشعوب الإفريقية للحصول على سلة الخبز، عام 2007 قرر البنك الدولي مصادرة حق حكومة مالي بالتصرف بثرواتها من الذهب بحجة عدم امتلاك البلاد وسائل التنقيب. بعد 7 سنوات بلغت نسبة صادرات الذهب 70% لكن حكومة باماكو لم تحصل الا على 8% من الناتج المحلي.
وقد بلغت خسائر التهرب الضريبي للشركات العالمية نفسها أكثر من 100 مليار دولار سنويًا لما قُدِّر له أن يحصى. تقول عائشة دودويل وهي ناشطة في منظمة العدالة العالمية: “هناك سرد قوي في المجتمعات الغربية بأن أفريقيا فقيرة وأنها بحاجة إلى مساعدتنا. يظهر هذا البحث أن ما تحتاجه البلدان الأفريقية حقًا هو أن تتوقف بقية العالم عن نهبها بشكل منهجي. في حين أن شكل النهب الاستعماري ربما تغير بمرور الوقت، إلا أن طبيعته الأساسية لم تتغير”.
ما لم يتم نهبه بعد!
إذن بعدما انحسر عصر العبودية، أصبحت إفريقيا بالنسبة للأوروبيين مصدرًا للمعادن والمواد الخام الحيوية للصناعة الغربية. في تجمعات مثل مؤتمر برلين سيئ السمعة في 1884، قام الأوروبيون بتقسيم القارة غير المستكشفة إلى حد كبير إلى محميات ومستعمرات لإشباع جوعهم للذهب والفضة والمطاط وزيت النخيل والفول السوداني والقطن بعد بداية الحرب العالمية الأولى. لكن القادة الأوروبيون على ما يبدو كانوا في عجلة من أمرهم لتقسيم القارة، لدرجة أنهم لم ينتظروا حتى المستكشفين للإبلاغ عن النتائج التي توصلوا إليها. إذ ثمة ثروات على شكل جبال وأنهار وأحواض أنهار وبحيرات، مثل حوض نهر النيل مثلًا الذي يتشاطأ مع 9 دول إفريقية. وفقًا للورد سالي سبري، رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت (بالتزامن مع مؤتمر برلين): “لقد انخرطنا في رسم خطوط على الخرائط حيث لم تطأ أقدام رجل أبيض على الإطلاق. لقد كنا نتخلى عن الجبال والأنهار والبحيرات لبعضنا البعض، ولا يعوقنا سوى العائق الصغير الذي لم نعرفه أبدا بالضبط أين كانت الجبال والأنهار والبحيرات “.
إذن لم ينتهِ الأمر بعد، ففي عصر الاحتباس الحراري والتغير المناخي، يبدو أننا سنشهد الكثير من الصراعات على هذه المقدرات، خاصة أن أوروبا هي المتضرر الأول من الاحتباس الحراري. وأحداث السودان التي تملك ثروة من الأراضي الزراعية الهائلة تحصل الآن. سابقًا تم تقسيم السود إلى دولة السودان ودولة جنوب السودان ليحصل الأمريكيون من دون أي مشاكل على النفط، واليوم يقدّر الاستراتيجيون أن الصراع بين البرهان وحميدتي لن ينتهي إلا بالتقسيم، وبعدها سيضع اللاعبون الدوليون أيديهم على الحصص من دون مشاكل.