«الشرق الأوسط الإسلاميّ» مركز ثقل العالم بين بكين وطهران…
جريدة البناء اللبنانيّة-
محمد صادق الحسيني:
كلّ المؤشرات والقرائن والوقائع الميدانيّة على أكثر من صعيد إقليمي ودولي باتت تؤكد انعدام الرؤية الاستراتيجية لدى الدولة التي كانت يوماً الأعظم في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية…!
بايدن يطلب اللقاء مع بوتين على عجل لوقف تدهور العلاقات بين بلديهما، وإجراء تهدئة تمنع تقدم الحليفين الاستراتيجيبن الصين وروسيا على حساب الدولة التي تهشّمت صورتها في أكثر من ساحة دولية رغم ظاهرها المخادع كدولة عظمى!
محاولة بايدن هذه لا تحمل أيّ معالم صفقة او اتفاقيات بين البلدين، بل تهدف اساساً الى منع موسكو من توظيف كل من الصين والهند وايران كمجال حيوي لتنشيط المقدرات الروسية الهائلة في هذه البلدان بديلاً عن أوروبا التي تحاول واشنطن إغلاقها بوجه موسكو قدر الإمكان…
وفي سياق مثل هذه الأولوية الاستراتيجية فقط يمكن فهم محاولات واشنطن المتعثرة لكنها المصرّة على وقف تهوّرات حليفيها التاريخيين جنوب وغرب إيران، ايّ الكيانين السعودي و»الإسرائيلي»!
وقف حرب اليمن حتى على سبيل الخدعة والمناورة تحتاج اليها واشنطن حتى تتمكن من وقف التمدّد الإيراني الذي يزداد اندفاعه مع كلّ يوم يمرّ على تخبّط إدارة محمد بن سلمان الغارقة في مستنقع حرب اليمن الآسن والذي لم يعد يجلب للرياض سوى سرعة أفول القبيلة السعودية الحاكمة، وإنْ على مراحل…
هكذا تفهم أيضاً خطوات حكومة بايدن التي تتخلّى شيئاً فشيئاً عن تهوّرات نتن ياهو وتحاول استبداله بالثنائي بينيت – ليبيد الأميركيّي النزعة والجنسية الثانية…
ثمّة رعب خفي يحكم كلّ تصرفات إدارة بايدن من أمر تعتبره ربما نهاية التاريخ الأميركي الحقيقية وليست نهاية تاريخ فوكوياما الشهيرة.
فمركز ثقل العالم يُسرع في الانتقال من الغرب الى الشرق وكلّ العلائم في المعلوماتية والتقنيات وحروب الجيل الخامس والاقتصاد والثقافة والفنون وعالم ما بعد الدولار تفيد بأنّ الغرب لم يعد مركز العالم ولا حتى النموذج المحبّب أو الجاذب لغالبية سكان الكرة الأرضية كما كان في القرن الماضي.
إنّ القرن الذي أنهينا عشريّتين منه بات قرن الصين وروسيا وإيران بامتياز، وكلّ قوى الحرية والتمرّد على الهيمنة الغربية في العالم لا سيما الهيمنة الأميركية منها باتت ترنو لرؤية عالم ما بعد أميركا.
حتى ربيبة أميركا الصهيونية في حرب الـ 11 يوماً الأخيرة على فلسطين – سيف القدس – لم تتمكّن من تحقيق ولو صورة نصر بل على العكس تماماً، 4 أيام متتالية تقوم نحو 200 طائرة عسكرية إسرائيلية (ايّ نحو ثلثي الطيران الحربي) بقصف شريط لا يتجاوز نحو 30 كلم من البحر غرباً حتى الشجاعية شرقاً، ولا نتيجة تذكر سوى تهديم أبنية وقتل أطفال ونساء وفشل عسكري تامّ، وانقلاب الصورة لدى الرأي العام حتى الغربي ضدّ تل أبيب ووضعها في صورة قاتلة المدنيين ولا غير…
كلّ هذا من علامات جغرافيا آخر الزمان وانحطاط القوة الغربية وضياع الرؤية لدى الأميركي الذي ظنّ يوماً انه سيد العالم، فإذا به يكتشف انه بات محاطاً بقوى تفوقه بكلّ شيء تقريباً إلا القتل والمخاتلة والخديعة طبعاً!
حتى الاتفاق النووي وليالي الأنس في فيبنا باتت سراباً في سراب بالنسبة للأميركي فلا هو قادر على إعادة إحياء الاتفاق كما يريد ولا هو قادر على إعادة إيران الى المربع الذي يرغب…
إيران الجديدة القادمة بسرعة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لم تعد أصلاً بحاجة الى إحياء الاتفاق النووي، بعد أن دخل في دور المحاق داخلياً في زمن انتخابات مصيرية ستنقل إيران مباشرة الى نادي الدول العظمى من دون حتى رفع العقوبات…
تذكروا ماذا قال الإمام السيد علي الخامنئي في أكثر من خطاب:
إنّ مفتاح اقتصاد إيران ليس في لوزان ولا جنيف ولا نيويورك… إنه في داخل إيران…
جاء الوقت لتتمّ ترجمة هذا الشعار على يد الرباعي (رئيسي – جليلي – زاكاني – قاضي زاده هاشمي)، في إطار حكومة شبابية ثورية مبدئية هي أيضاً جزء من تحالف «شرق أوسطي إسلامي» يقف خلفه سور الصين العظيم وسيف القيصر الروسي.
ووجهته القدس دائماً وأبداً…
في مثل هذه الأجواء والفضاءات يمكن فهم ما تفضّل به القائد التاريخيّ المشرقيّ الشجاع سماحة السيد حسن نصر الله في ثلاثينية المنار لتحرير فلسطين عندما قال :
استيراد البنزين والمازوت والفيول من الجمهورية الإسلامية في إيران من قبل حزب الله مباشرة أو شركات خاصة تابعة هو خيار سياسي واقتصادي واجتماعي للأكثرية اللبنانية التي تعاني المذلة لأنّ بعض السياسيين يؤثرون رضى الأميركي على مصلحة المواطنين، والشروع بهذا الخيار سيؤدّي إلى جهود أميركية علنية لمنع وصول البواخر، وبالتالي سيفضح كلّ الدعاية السخيفة والكاذبة التي تقول إنّ أميركا تقف إلى جانب الشعب اللبناني، ولذلك قد يؤدي التهديد وحده إلى حلّ المشكلة ولو بشكل جزئي…
ولكن يبقى خيار الاتجاه الفعلي إلى الشرق هو الحلّ الجذري لكلّ مشكلات دول وقوى التحرر العربية والإسلامية من جبال الأطلس الكبير غرباً الى سور الصين العظيم شرقاً…
قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها.
بعدنا طيّبين قولوا الله…