الشراكة الإستراتيجيّة الأميركيّة الأوكرانيّة.. العقد القديم المتجدّد
موقع قناة الميادين-
محمد فرج:
المحاولة الأميركية لتحويل أوكرانيا إلى خاصرة رخوة تظهّرت بشكل واضح عندما زرعت 400 منظمة “غير حكومية” مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
في العاشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الحالي، نشرت وزارة الخارجية الأميركية عقد الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية وأوكرانيا، والذي وقَّع عليه وزيرا خارجية البلدين؛ أنتوني بلينكن وديميترو كوليبا. يأتي هذا التوقيع كناسخ (overwrite) للاتفاق السابق الموقع في العام 2008م.
في قراءة بنود الاتفاق، ثمة جديد تفرضه التطورات على الأرض ليس أكثر. أما في الجوهر، فليس ثمة فرق يذكر في سياسة الولايات المتحدة، لجهة زراعة الخواصر الرخوة لخصومها، فكما أوكرانيا في الحالة الروسية، ما زالت المحاولات مستمرة مع الهند واليابان ودول “آسيان” في الحالة الصينية.
إنّ عامل الوحدة بين روسيا وأوكرانيا يثير القلق الأميركي، وبصيغة القديم المتجدد، فتاريخ هذه الوحدة أقدم من عمر الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وهي لا تعود إلى الحقبة السوفياتية فقط، وإنما أيضاً إلى اتحاد كييف – روس في القرن العاشر.
المحاولة الأميركية لتحويل أوكرانيا إلى خاصرة رخوة تظهّرت بشكل واضح عندما زرعت 400 منظمة “غير حكومية” مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. كان الهدف من ذلك هو منع أيّ حالة اتحادية قد ترى النور حتى بعد الانهيار، فأوكرانيا وروسيا حالة خاصة جداً داخل الاتحاد الكبير. العمالة المهاجرة الأوكرانية تقصد الوجهة الروسية عادة، نظراً إلى عوامل اللغة والبيئة وأنماط العمل. وما الحديث الأوروبي عن توجهها غرباً إلا نتيجة لتدمير بنية الاقتصاد الأوكراني الذي لا يستطيع الفرار من قدره الروسي.
بالعودة إلى نص الاتفاقية، تبدو اللغة التي خطّها بايدن في مشروع الأمن القومي حاضرة، فالتركيز على عنوان الديمقراطية في مواجهة الديكتاتورية كواحدة من المفردات الموروثة من الحرب الباردة حاضرة بقوة. ولا غرابة في أن ترد كلمة الديمقراطية أو الديمقراطي في الاتفاقية المختصرة 14 مرة. يشكل ذلك جزءاً أساسياً من نهج الولايات المتحدة الاضطراري ما بعد ترامب: “التمويه القيمي”، وهو العنوان “الفعال” في مواجهة روسيا والصين وإيران.
كما تشدّد الاتفاقية في أكثر من مناسبة على تطلعات أوكرانيا إلى العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. وفي هذا انسجام كامل مع المشروع نفسه في جزئية ترميم العلاقة الأميركية مع أوروبا، بعد الأضرار التي أحدثتها الإدارة السابقة. هذا الترميم ينطوي بالضرورة على تكليف أوروبا بمهمات أكثر، وبأعباء أعلى داخل إطار الناتو، وهو الأمر الذي ما زال يضع أوروبا أمام خيارات صعبة.
إنّ استراتيجية إعادة توزيع الجهود العسكرية الأميركية باتجاه روسيا والصين تظهر بشكل جليّ في الاتفاقية، ولا سيما مع تخصيص بند عن التعاون الأمني ومواجهة ما أسمته “العدوانية الروسية”. هنا، تختلف الدعاية الأميركية شكلياً عن سابقتها في الحرب الباردة، فعندما كانت الدعاية خلال تلك الحرب تتمثل بالدعوة إلى الانسحاب من أيديولوجيا إلى أخرى، تقوم الدعوة اليوم على أساس تعزيز السيادة والتحضير لمواجهة “التغول الروسي”.
بعد 7 أعوام من استعاد روسيا شبه جزيرة القرم، تتكثّف الدعوة إلى عدم الاعتراف بالخطوة، ودعم جهود أوكرانيا لأيِّ تحرك هناك، وطمأنتها بتنصيب أنظمة دفاعية، ودعمها للتحرك بحرية في البحر الأسود، وكذلك مساعدتها بأنظمة الحماية السيبرانية.
قبل 5 أعوام، لام فلاديمير بوتين ميخائيل غورباتشوف على توسع الناتو شرقاً وجنوباً. وتبدو حالة الاضطراب اليوم تعبيراً عن انحسار هذا التوسع الذي انطلق مع مؤتمر براغ في العام 1992م.
في الشقّ الثقافي، تشجّع الاتفاقية على نبش المشاهد المنفرة لمبدأ التقارب الروسي الأوكراني، فهي تشجع على إقامة فعاليات للتذكير بأحداث هولومودور (المجاعة خلال العام 1932 – 1933م)، على اعتبار أن الوحدة مع روسيا في إطار الاتحاد السوفياتي كانت المسبّب لها، وأنّ أيّ عودة إلى صيغة مماثلة مع الروس ستجلب معها الجوع للأوكرانيين. وفي الحزمة الثقافية نفسها، تشجّع على مواجهة “معاداة السامية”.
في الاقتصاد، تطرح الورقة المشروع الأميركي المعتاد في خصخصة المؤسسات الحكومية، وتوسيع مظلّة الاستثمارات والسوق الحرة، وهي دعوةٌ لسانُ حالها الأميركي: “نريد مكاناً للفوضى يشغل بال روسيا، وليذهب الأوكرانيون إلى الجحيم”.