الشبكة الأسرع في لبنان تحتكرها «سوليدير»
لا تزال في لبنان 541 بلدة فيها 79954 مشتركاً متصلين بشبكة الهاتف النحاسية البائدة، بينما تحظى شركة «سوليدير» بامتياز لا يشاركها فيه أحد: شبكة ألياف بصرية متطورة تسمح بتقديم خدمات تحتاج إليها الشركات ورواد الاعمال… بمعنى أوضح، بنية تحتية فريدة ترفع أسعار العقارات وإيجاراتها.
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
فراس أبو مصلح:
أعلنت شركة «سوليدير» في بيان صادر عنها في العشرين من الشهر الجاري عن إطلاق خدمة «يونيبوكس» Unibox المعلوماتية، بالتعاون مع شركتي «بروكوميكس» و«مايكروسوفت»، تستفيد منها الشركات المتواجدة في وسط بيروت حصراً. الخدمة المميزة هذه تتيحها شبكة الألياف البصرية الخاصة بـ«سوليدير»، بعرض نطاق ترددي تصل سرعته إلى 100 ميغابايت في الثانية، «وهي سرعة غير متوافرة في أي مكان آخر في لبنان»!
«إنجازٌ» آخر يتمثل باستئثار «سوليدير» بامتياز حققته على حساب المال العام (الدولة تسدد من اموال الضرائب وعقارات ردم البحر كلفة انشاء البنية التحتية في وسط بيروت)، فالشركة العقارية المتخصصة بالمضاربات، والتي يمتلك اسهمها سياسيون ومستثمرون نافذون، تسخّر القوانين والانظمة واموال الضرائب والاملاك العامة في خدمة رفع قيمة عقاراتها وايجارات مبانيها لتحقق ريوعا سهلة. لن يجد المتابع صعوبة في فهم هذه الحالة: ففي وسط بيروت كل شيء مختلف وخاص وممتاز ولا يوجد له مثيل على ارض الدولة اللبنانية، من شبكة اتصالات فريدة الى محطة كهرباء خاصة (24/24) وشبكة مياه خاصة وشبكة صرف صحي وانظمة سير وامن…
خدمة «يونيبوكس» تأتي في هذا السياق. وبحسب البيان، تتيح لشركات المعلوماتية «حزمة من الحلول التقنية، ما يمكنها من خفض التكاليف التي تتكبدها على مجمل هذه الخدمات، والحد من خطر خسارة المعلومات المخزنة… (و)حماية البيانات الاحتياطية backup… وستكون الشركات الصغيرة والمتوسطة في لبنان قادرة بفضل الخدمة الجديدة، على الاستفادة من التقنيات نفسها التي تستخدمها الشركات الكبيرة في جميع أنحاء العالم؛ الخدمات السحابية التي تقدّمها Unibox تتيح توفير حلول البريد الإلكتروني، والاتصالات، والجداول، وحلول CRM، لإدارة العلاقات مع الزبائن وإدارة الداتا والملفات، والتواصل بشكل فوري، وخدمات النسخ الوهمية وحفظ الداتا، لأي شركة مهما كان حجمها، مع مستوى جودة عالية في الخدمة ضمن منطقة وسط بيروت».
باختصار. ما تتباهى «سوليدير» انها تؤمنه «وحدها» في نطاقها «حصرا» في هذا المجال، هو في الواقع ما يحتاج اليه رواد الاعمال الشباب والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، الذين يطالبون «الدولة» بتوفيره في كل مكان في لبنان لكي يتسنى لهم الانخراط في ما يسمى اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات والاعلام… ولكن مرّة اخرى تترك الدولة هذا «الحق» العام بتصرّف شركة عقارية خاصة تبسط سيادتها على مساحة من الارض، هي وسط بيروت، وتفرض على كل من يريد ان يحظى بحقّه ان يسدد ما متوسطه 1200 دولار كايجار لكل متر مربع من المكاتب سنويا. اي ان شركة صغيرة تحتاج الى مكتب بمساحة 50 مترا فقط، اي 60 الف دولار سنويا، وهو ما يجعل اي شركة صغيرة او متوسطة تضع ارباحها كلها في خزنة اصحاب «سوليدير» او تقفل ابوابها وتهاجر الى «دبي».
هذا ما تروّج له شركة «سوليدير» لجذب المزيد من الشركات اليها وفرض بدلات ايجار باهظة عليها… ولكن هذه الجاذبية تخفي «احتكارا» تغطّيه الدولة. اذ كيف يمكن تفسير ان شركة «سوليدير» وحدها تستطيع اليوم تقديم مثل هذه البنى التحتية وتلك الخدمات التي تحتاج إليها بقوّة شركات معينة تعمل في مجالات، في حين ان مشروع مدّ شبكة «الياف بصرية» يتعرض للعرقلة منذ عام 2010، ويتأجل انجازه سنة بعد سنة بحجّة الفراغ في مجلس الوزراء!
«حِرَفية» ممتهني العلاقات العامة سعت لإلباس الخدمة الحصرية لشركة «سوليدير» لبوساً اجتماعياً، فجاء في البيان أن الهدف من وراء المشروع «مساعدة الشباب اللبنانيين الراغبين في تأسيس شركات صغيرة ومتوسطة الحجم، والمساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد والنمو»! فهل يُخفي اقتباس هذه اللازمة من أدبيات المؤسسات الدولية والجمعيات الطبيعة الحصرية للشركات التي تستطيع تحمل التكلفة الباهظة للإيجارات ورسوم الخدمات في منطقة امتياز سوليدير؟ أم أن المقصود تشكيل نوع من الاحتكار، حيث تكون الشركات التي هي بحاجة إلى هذا المستوى من السرعة في خدمات المعلوماتية مجبرة على العمل في وسط بيروت، ودفع ثمن الامتياز هذا؟ فبحسب أحد الخبراء التقنيين، سيكون لشركات خوادم المواقع الإلكترونية Website Hosting مثلا، التي تنتقل إلى وسط بيروت للإفادة من خدمات «يونيبوكس»، أفضلية فائقة على منافساتها غير القادرة على دخول «جنة» سوليدير وتحمّل أكلافها.
«امتيازات حصرية اعطيت لسوليدير منذ ولادتها. ومنها المرسوم 12992 في عام 1998 الذي يعطي «سوليدير» امتيازاً يمكّنها من احتكار شبكة نقل المعطيات في منطقة وسط بيروت وتبادلها، ورخص المرسوم للشركة «بإقامة وإدارة واستثمار شبكة شرائح واسعة من الألياف البصرية وتوزيع البرامج المصورة مع جميع التجهيزات المتعلقة بها، وذلك لنقل وتبادل جميع المعطيات بالاتجاهين وكل خدمات الاتصالات ذات القيمة المضافة»، وبالتالي حصلت «سوليدير» على حق حصري يتجاوز المشغّل الرسمي، أي وزارة الاتصالات. والاهم انه اعطاها ما لم تقرر الحكومة اعطائه لكل المواطنين الا بعد 12 سنة عندما وافقت على توفير شبكة الالياف البصرية ولكنها لم تنجز كل الاعمال الازمة، وما زلنا بالانتظار لكي تحيا «سوليدير» وتزيد الارباح.