السيد نصر الله يطل شخصياً ويتحدث عن القضايا اللبنانية والإقليمية ـ النص الكامل للكلمة
حضر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله شخصيا الى مجمع سيد الشهداء لاحياء ليلة العاشر من محرم.
وألقى السيد نصر الله كلمة تناول فيها التطورات اللبنانية والإقليمية.. وهذا نص الكلمة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وشفيع ذنوبنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله الحسين، يا ابن رسول الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليكم مني جميعا سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
السادة العلماء، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
أولاً، نشكر الله سبحانه وتعالى المنعم المنّان الرحمن الحافظ الذي حفظكم جميعاً، وحفظ إخوانكم وأخواتكم على امتداد الوطن، في هذه الليالي والأيام التي كنتم تحيون فيها ذكرى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام في محيط من الخطر والتهديد، وحتى الآن الحمد لله انقضت هذه الأيام وهذه الليالي بلطفه ورحمته على خير وسلام وسلامة وعافية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمم علينا إحياءنا الليلة ويوم غد وبقية الأيام لهذه الذكرى الخالدة والعزيزة والغالية بلطفه ومنّه وأمانه.
كما يجب في البداية أن نتوجه بالشكر إلى كل الذين تعبوا وجهدوا وسهروا خلال الأيام والليالي الماضية تحت المطر وتحت الشمس ليؤمنوا الحماية الأمنية لكل هذه المجالس ولكل هذه الأماكن، ويجب أن نخص بالذكر في البداية الجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية وجميع الإخوة والأخوات في حزب الله وفي حركة أمل وفي كل الجهات التي رعت وأدارت وحمت وتحمّلت المسؤولية في إحياء هذه الليالي وهذه المناسبة.
طبعاً كما تحدثنا سابقاً، الليلة سنتحدث قليلاً بالوضع السياسي ويحتاج إلى إصغاء وسأقدم الوضع المحلي وسأتحدث بفكرة عن الصراع في المنطقة، وهناك بعض الأمور نتركها إن شاء الله إلى يوم الغد، موضوع التهديدات الإسرائيلية الأخيرة وما يتعرض له المسجد الأقصى، وبعض الملفات الأخرى نتحدث فيها غداً ان شاء الله في يوم العاشر.
الليلة سنتحدث قليلاً بالوضع السياسي المحلي ونختم بفكرة حول الصراع في المنطقة وفي النهاية تجديد العهد والميثاق في هذه الليلة، ليلة العاشر مع الحسين عليه السلام.
بالوضع السياسي هناك عدد من النقاط:
النقطة الأولى، فيما يتعلق بالمجلس النيابي وسأتحدث عن المجلس النيابي والانتخابات الرئاسية، وأحداث الشمال والجيش وعن الحوار مع تيار المستقبل وعن الوضع في المنطقة فكرة عامة.
هناك تفاصيل تحت العناوين نصل إليها إن شاء الله.
في ملف المجلس النيابي: المجلس النيابي الحالي تنتهي ولايته قريباً. المهل لإجراء الانتخابات تضيق. ما الحل إذا لم تحصل انتخابات ولم يحصل التمديد هناك مؤسسة أُلغيت، خرجت من دائرة العمل أو دائرة الحضور بالحد الأدنى.
هناك ثلاث نتائج أو ثلاثة خيارات: إما نهبّ إلى الانتخابات وإما نسير نحو التمديد وإما نتجه نحو الفراغ. صحيح، نحن لسنا أمام خيارين إما التمديد أو الفراغ. هناك انتخابات، أو تمديد، أو فراغ، إذا اتجهنا نحو الانتخابات لدينا مشكلة ميثاقية، لأن هناك قوى أساسية في المكوّن السني لا تريد انتخابات لأسبابها، وإذا سرنا نحو التمديد أيضاً عندنا مشكلة ميثاقية لأن هناك قوى أساسية بالمكوّن المسيحي ترفض التمديد أو لن تساعد على تغطية التمديد. ماذا نفعل؟ لسنا قادرين على إجراء انتخابات ولا أن نمدد، نتجه نحو الفراغ.
بالنسبة لنا، من اليوم الأول طرح هذا النوع من النقاشات بالنسبة لحزب الله بالتحديد، نحن أبلغنا كل أصدقائنا وحلفائنا وكل من تواصل معنا، لأن هذا لم نتداوله كثيرا بالإعلام. قلنا إن أجريت انتخابات نحن جاهزون لاجراء الانتخابات ومستعدون لإقامتها، وإن كنتم تودون الإتجاه نحو التمديد، نتيجة الظروف الأمنية والاستثنائية في البلد نحن ليس لدينا مانع بالتمديد.
الطبيعي أن نجري انتخابات، الأصل إجراء انتخابات، لكن لدينا هذه المشكلة، لكن موقفنا هو: تريدون انتخابات نحن مرتاحون، تريدون انتخابات نحن جاهزون، وإن كنتم تريدون تمديداً فنحن جاهزون، والذي لا يمكن أن نكون جاهزين له نهائيا هو أن يتجه أحد عن قصد أو غير قصد بالبلد إلى الفراغ، مع العلم أنه للأسف الشديد الاتهام بأخذ البلد إلى الفراغ دائما موجه لنا، نحن البريئين من هذه التهمة، ساعة نريد الفراغ لأن مصلحتنا به وتارة نريد الفراغ لأننا نريد عقد مؤتمر تأسيسي، ومن هذه الخيالات.
نحن ما نرفضه هو الاتجاه إلى الفراغ، هذا محسوم بالنسبة لنا وأي شيئ يمنع الذهاب إلى الفراغ يجب أن نقوم به سياسياً ونيابياً وحكومياً إلخ.
لكن الآن فعلا هذه الأيام توجد هذه المعضلة، أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة حساسة جداً يتوقف عليها مصير مؤسسة المجلس النيابي. هذا يبدو سيتطلب الكثير من حكمة وتدبير وشطارة دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري، ونحن جميعاً، الكتل السياسية، الكتل النيابية، رؤساء الكتل، معنيون أن نقدم له المساعدة لإخراج البلد من مأزق كبير، لأن الاتجاه إلى الفراغ بالمجلس النيابي هذا يشكل ضربة كبيرة جدا إذا أضفناها إلى الفراغ الرئاسي.
هذا أول العنوان.
العنوان الثاني: ـ أنا سأختصر بالعناوين حتى ألحق بكل الموضوعات ولا نتجاوز الوقت ـ
العنوان الثاني: الانتخابات الرئاسية: طبعاً بالبلد كل طرف يتهم الطرف الآخر بالمسؤولية عن تعطيل الانتخابات الرئاسية. أنا لا أود الدخول في هذا السجال العقيم فهو ليس له فائدة، لكن أنا أعترف وهذا ما تحدثنا به من اليوم الأول، نحن منصفون، والليلة هناك اكثر من موضوع سأكون منصفاً، كما يجب أن نكون دائماً وكما كنا دائماً.
الإنصاف يقول: نحن قناعتنا انه لا أحد في البلد يريد الفراغ في رئاسة الجمهورية، وأن هناك من يخطط ليكون هناك فراغ حتى يصل إلى لا أعرف أين، كما يتهم البعض. نحن لا نتهم أحداً. أكيد ليس هناك أحد في فريقنا يفكر بهه الطريقة ولا نتهم أحداً في الفريق الآخر بأنه يفكر بهذه الطريقة.
إذاً كلنا نريد في أسرع وقت ممكن أن يكون هناك رئيس جمهورية في قصر بعبدا، دائماً نحن نحتاج أن نقدم مقاربة في هذا الأمر. خلال المدة الأخيرة كنا نسمع أن هذا الملف خرج من يد القوى اللبنانية وأصبح ملفاً إقليمياً بيد القوى الإقليمية.
أنا الليلة أدعو القوى السياسية في لبنان إلى العمل لاستعادة الملف من القوى الاقليمية. فلنسترده لبنانياً ونعمل به لبنانياً كما هو معتاد.
أنا أحب أن أكون صريحاً وأقول الأشياء بأسمائها، عندما نأتي ونقول إقليمياً، يعني مَن المقصود فعلياً؟ هناك عدد من الدول الإقليمية شاءت أم أبت يُنسب إليها الاهتمام بالملف الرئاسي اللبناني. هناك بعض الدول الإقليمية هم أصدقاؤنا وحلفاؤنا، وهناك بعض الدول الإقليمية أصدقاء وحلفاء الفريق الآخر، فلنفكك هذا الملف ونرَ هل نستطيع أن نستعيد الملف ونجعله من جديد ملفاً وطنياً بمعزل عن المشاكل والتداعيات والتحديات الإقليمية أم لا.
نحن من جهتنا، أنا أود أن أقول بكل صراحة الليلة إن هذا الموضوع من جهتنا محلول، لا علاقة للدول الاقليمية بالتعقيد القائم من جهتنا. يعني نحن مَن لدينا؟ ايران وسوريا.
سوريا، رغم أنها مشغولة بأحداثها الداخلية، لكن من أول يوم أعلنت القيادة السورية أنه في لبنان ما يقبل به حلفاؤها وما يطمئن المقاومة هي تقبل به. إذاً القصة عندنا عادت محلية، سوريا قالت أنا بالنسبة لي كدولة جارة إذا سألني أحد عن رأيي أنا ما يقبل به حلفائي في لبنان وما يطمئن المقاومة ويرضي المقاومة أنا أوافق. هذا انتهى.
نأتي إلى إيران. كثير من القوى والشخصيات السياسية في لبنان تواصلت مع سعادة السفير الإيراني في بيروت، وهناك أناس زاروا طهران والتقوا مع المسؤولين الايرانيين، وهناك أناس وسّطوا دول أوروبية مثل فرنسا للتوسط مع الإيرانيين، الإخوة الإيرانيون قالوا للجميع هذا شأن لبناني داخلي، ونحن لا نتدخل في هذا الشأن.
وفي نهاية المطاف الجمهورية الاسلامية يعنيها أن يتحقق هذا الاستحقاق وأن تكون المقاومة مطمئنة وواثقة، يعني الموضوع عندنا، اذاً نحن كفريق سياسي بالبلد ـ بالنسبة للجانب الإقليمي ـ مرتاح.
لا سوريا ولا إيران تطلب من أحد في هذا العالم شيئا مقابل تسهيل وإجراء الاستحقاق الرئاسي. البعض حاول، أن يأتي بالنسبة لإيران، أن يقول إن إيران تربط هذا الملف بالملف النووي. هؤلاء لا يعرفون شيئاً عن مفاوضات الملف النووي. أصلاً إيران ترفض أن يناقش إلى جانب ملفها النووي أي شأن آخر، لا رئاسة في لبنان، ولا عراق، ولا بحرين، ولا يمن، ولا سوريا، ولا أفغانستان، ولا أذربيجان ولا شيء. هي تركز نقاشها وحوارها ومن موضع الحكمة ومن موقع القوة على هذا الملف وترفض أن يتم ابتزازها على حساب أصدقائها وحلفائها وشعوب المنطقة من أجل تسهيل الملف النووي الإيراني، هذا خالص.
يبقى أنتم، تفضلوا وحلّوا مشكلتكم، أنتم لديكم مشكلة اسمها أنه في المحور الإقليمي الذي تحالفونه عادة تأتون وتقولون إنه ليس لدينا مشكلة بفلان أو بفلان ولكن مثلاً إخواننا في السعودية ليسوا موافقين، “طيّب عال حلّوها”.
أنا اليوم أقول الليلة: نحن فريقنا يملك القرار الداخلي الوطني، وبمعزل عن أي توصيف نحن لدينا تفويض إقليمي، هل تملكون هذا القرار؟ هل تملكون تفويضاً إقليمياً؟ وهل تأخذون قراراً دون أن يضع لكم أحد فيتو من هنا أو هنا أو هنا. هذا ما يجب أن ينجز في هذه المرحلة. إذا كانت القوى المحلية تريد إجراء حوار وطني فيما بينها حول رئاسة الجمهورية، فالمقدمة الطبيعية لنجاح هذا الحوار أن تكون هذه القوى قد تحللت من الفيتوات الاقليمية، ومن الإرادات الإقليمية حتى نتمكن أن نصل إلى نتيجة شيء أخرى في سياق الموضوع الرئاسي، أنه بالنسبة لنا، نحن نعم ندعم ترشيحاً معيناً محدداً، وكل العالم تعرفه وليس مخبأ، ضمناً وعلناً، ومعروف هذا الأمر، وهذا الترشيح يتمتع بأفضل تمثيل مسيحي وأفضل تمثيل وطني ضمن دائرة الترشيحات الحالية والممكنة. حسناً، البعض يقول لك: كي تسهّل انتخابات الرئاسة يجب أن تتخلى عن هذا الترشيح أو عن دعم هذا الترشيح. هذا غير منصف وغير طبيعي. انظروا، نحن لدينا مشكلة في لبنان اسمها: إذا أتينا لننسجم مع المزاج العام المسيحي ونأخذ أفضل تمثيل مسيحي لرئاسة الجمهورية الذي هو موقع وطني أولاً وموقع مسيحي ثانياً نتهم بالتعطيل، ونطالب بالتخلي عن هذا الخيار الطبيعي والمنطقي والاخلاقي والسياسي، واذا تخلينا واتفقنا كمسلمين وككتل نيابية مسلمة على رئيس جمهورية مسيحي لا يرى فيه المسيحيون تمثيلاً حقيقياً، ماذا نكون فعلنا؟ نكون ألغينا المكوّن المسيحي، ونرجع لقصة الإحباط المسيحي وحذف الوجود المسيحي والتآمرعلى الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، إذاً يوجد مشكلة ومأزق كيف يُعالج؟ يُعالج بالحوار وبالتواصل وليس بإدارة الظهر ولا بالرهان على متغيرات إقليمية ودولية، وأنا أقول للبنانيين والقوى السياسية اللبنانية: إذا كنتم تنتظرون متغيرات إقليمية ودولية فستنتظرون طويلاً، لأن المنطقة دخلت في صراعات الكل يقول إنها ستستمر لسنوات، هل تريدون أن يبقى الموقع الرئاسي اللبناني خالياً لسنوات؟ إذا كنتم لا تريدون ذلك اذاً فليحصل هناك مسعى وطني داخلي جدي والحوار الاساسي نحن كلنا جاهزون أن نكون جزءاً من الحوار، لكن يجب أن يكون الحوار الأساسي مع المرشح الطبيعي الذي يتبناه فريقنا والذي نعرفه جميعاً والحرف الأول من اسمه العماد ميشال عون .
هذا هو الطريق إذاً لا ينبغي أن ننتظر الأحداث والتحولات في المنطقة وفي العالم من حولنا يجب أن نستعيد ملف الانتخابات الرئاسية من القوى الاقليمية ليعود قراراً وطنياً ويجب الدخول في حوار جدي من أجل حسم هذا الاستحقاق .
العنوان الذي بعده الأحداث في الشمال، ومنها أدخل لموضوع الجيش والحوار مع القوى السياسية الداخلية وبعض النقاط المرتبطة به.
لا شك أنه في الأيام القليلة الماضية الله سبحانه وتعالى نجّى لبنان من مصيبة كبيرة جداً ومن محنة خطيرة جداً.
وعلى كل حال، من خلال المعطيات والمعلومات والتحقيقات الموجودة الآن أصبح واضحاً حجم ما كان يحضّر لطرابلس وما كان يحضّر للشمال وضمن أي رؤية وضمن أي خطة وبالاتصال مع من، وهذا لا أريد أن أعيده، كلكم تابعتم. وهذا مع الوقت، مع التحقيقات، مع الاعتقالات، مع الوثائق، ستنكشف هذه الأمور بشكل كامل. والحمد لله، الله سبحانه وتعالى نجّى لبنان ونجّى طرابلس ونجّى الشمال من هذه المصيبة الكبيرة.
لا شك في أن الذي تحمل العبء الأول والجهد الأكبر في هذه المواجهة، في مواجهة هذا الخطر وهذا التحدي كان الجيش اللبناني، بقيادته وضباطه وجنوده وشهدائه وجرحاه، وتحمّل الجيش سواءً في الميدان، في ميدان القتال أو في المستوى الإعلامي والسياسي الكثير من الاتهامات والاساءات من هنا وهناك، ولكنه واصل عمله وتحمل مسؤولياته الوطنية ونجح.
ونحن هنا نؤكد أيضاً ثقتنا وإيماننا وإعتقادنا الذي كنا دائماً نقوله، أن الجيش اللبناني ومعه القوى الأمنية الرسمية، ولكن مؤسسة الجيش أولاً وبالتحديد، تشكل الضمانة الحقيقية للبنان، لبقاء لبنان، لتماسك لبنان، للسلم الأهلي في لبنان، لبقاء الدولة مهما كان وضع هذه الدولة في لبنان وأن لا بديل عن الجيش اللبناني في هذه المسألة، في حفظ الأمن والاستقرار والتماسك الوطني والدفاع عن الدولة.
ونحن أيضاً، دفعاً للشبهة والشبه، لم نقدم المقاومة في يوم من الأيلم ولم نقدم أنفسنا في يوم من الأيام كعنوان أو مسؤول عن الأمن أو الاستقرار والسلم الأهلي من الناحية الأمنية. نعم، من الناحية السياسية، كل اللبنانيين مسؤولون. ولذلك هذا الجيش الذي أثبت جدارته في أكثر من موقعة وفي أكثر من مواجهة وفي أكثر من تحدٍّ خطر، هو قادر على تحمل هذه المسؤولية عندما يتوفر له الدعم السياسي والرسمي والشعبي وعندما تتوفر له الامكانيات المادية ويزوّد بالمزيد من الكادر البشري.
وهنا بالتأكيد دائماً وأبداً، يجب أن نوجه التحية إلى المؤسسة التي تقدم التضحية وتعبر عن الوفاء في الليلة العاشرة من محرم، ليلة الإيثار والوفاء والتضحية.
في هذا السياق، أيضاً الإنصاف يقول، وهنا أتمنى أن تنتبهوا جيداً، الآن هنا سنتكلم خارج الغرائز، نريد أن نحكي العقل والانصاف. الإنصاف يقول إن العامل الآخر والأساسي جداً الذي ساهم في تخطي الشمال، وبالتالي تخطي لبنان، لهذه المصيبة الكبرى هو موقف أهل طرابلس وموقف أهل الشمال عموماً، وبالأخص المرجعيات الدينية والسياسية والقيادات والقوى السياسية والعلماء والشخصيات في الطائفة الاسلامية السنيّة الكريمة في لبنان.
لو لم يكن هذا الموقف الوطني الشريف والواضح والحاسم من كل هذه المرجعيات والقيادات السنية لأخذت الأمور في الشمال وفي طرابلس منحى مختلفاً تماماً، وسواء كانت هذه المرجعيات تنتمي إلى الفريق الآخر أو إلى هذا الفريق. يجب أن نخص بالتأكيد هنا – نحن نتحدث عن تقدير عالٍ لهذا الموقف – أولاً نقول، هذا الموقف كان عاملاً حاسماً في إنقاذ لبنان ممّا كان يحضر له، وأيضاً نقدر عالياً هذا الموقف وهذا السلوك وهذا الأداء. يجب أن نقدر عالياً موقف رئيس مجلس الوزراء، رئيس الحكومة اللبنانية، سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية وكل القيادات السياسية ورؤساء الحكومات السابقين وطبعاً يجب أن نسجل أن الدور الأبرز كان في هذا الموقف هو لتيار المستقبل ولقيادة تيار المستقبل.
هذا تعبير، أنا الليلة أتحدث إنطلاقاً من أخلاقنا الحسينية، نحن نختلف في كثير من المواقف، في كثير من التحليلات والتقييمات في الشأن الداخلي، في الشأن الإقليمي وأحياناً قد نصل إلى مرحلة الخصومة بل إلى مرحلة العداء، لكن أخلاقنا تقول لنا ـ التي تعلمناها من نبينا وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين وصحابته الكرام رضوان الله عليهم ـ أنه عندما يكون هناك موقف صحيح وشريف ووطني ويخدم المصلحة العامة يجب أن نذكره ويجب أن نشكره ويجب أن نقدره بمعزل عن كل خلافاتنا ونقاشاتنا الأخرى وبمعزل عن كل ما كان يقال عن أحداث طرابلس السابقة، التي يمكن أن تزداد القناعة بها ولا أن تتغير، أنه هنا يا شباب أخطأتم وهنا غطّيتم وهنا سلّحتم وهنا عملتم، دعوا كل ذلك جانباً. في هذه اللحظة الحساسة والمهمة جداً من تاريخ لبنان، عندما يأتي تيار سياسي كبير ومهم في مواجهة موقف صعب ونعرف أن هذا الموقف هو موقف صعب ويأخذ هذا الموقف الوطني – الآن ممكن أن يقول أحد هذه مصلحته، نعم هذا الموقف هو مصلحة أهل طرابلس وأهل الشمال ومصلحة تيار المستقبل ومصلحة الطائفة السنية في لبنان، ولكنه مصلحة كل اللبنانيين ومصلحة الدولة في لبنان ومصلحة المستقبل في لبنان، لا يوجد مشكلة في هذا الموضوع.
في هذا السياق، وُجهت دعوات للحوار في وسائل الإعلام، أنا في الحقيقة لا أريد أن أعلق على ما يُحكى في وسائل الإعلام، لأنه في الصياغات والإلتباسات، حتى إذا كان هناك شخص يريد أن يوجه حواراً إلى الآخرلا يستطيع أن يشتمه وأخيراً يقول له أنا جاهز للتحاور معك، هذا أحد الناس يقول لك أحياناً أنه أنتم توجه إليكم دعوات إلى الحوار في الإعلام ولا تردون عليها وتعطونها الأذن الصماء، إذا كنت تريد أن تأخذ الأذن التي تسمع وليس “الطرشة”، يجب أن تأتي وتقول يا أخي أنا وإياك مختلفون، تتكلم مع الآخر باحترام، الآن نحن مختلفون داخلياً وإقليمياً وبحساباتنا وبخياراتنا وبرهاناتنا وإلى آخره، لكن واضح إذا كنا نريد أن نحمي البلد ونحيّد البلد ونحصّن البلد يجب أن نتكلم مع بعض، تفضلوا نتكلم مع بعض، أقول لك أهلاً وسهلاً، لكن دع الذين في الإعلام في الإعلام، لأنكم تعرفون أن مساحة الإعلام هي مساحة أحياناً لبعض المزايدات، لإقتناص فرص، لصنع زعامات محلية هنا وهناك، نحن في مرحلة حساسة هذا كله يجب أن نتجاوزه.
لكن ما أستطيع أن أقوله لكم وللبنانيين ولكل من يسمع هذه الليلة، أنه نعم نحن خلال الأيام القليلة الماضية هناك جهات حليفة وهناك جهات صديقة تحدثوا معنا، بمعزل عن الإعلام، وقالوا أما آن الآوان ليكون هناك حوار بين حزب الله وبين تيار المستقبل، قلنا لهم نحن ليس لدينا مانع، نحن جاهزون، كل شيئ يحمي البلد، كل شيئ يحصن البلد، كل شيئ يلم البلد نحن جاهزون له، نحن أهل حوار، نحن لدينا منطق ولدينا لغة ولدينا دليل ولدينا قضية ولا نخاف. الضعيف هو الذي يهرب من الحوار ويخاف من الحوار، وأصل الحوار، أصل التلاقي، أصل أن اللبنانيين يجلسون ويتناقشون ويتحاورون هذا بالتأكيد فيه مصلحة وطنية. وأنا الليلة أيضاً أعلن من هذا الموقع أننا نحن مستعدون لهذا الحوار وجاهزون له وتبقى هذه المسألة قيد المتابعة.
نعود للجيش، نحن مع كل دعم يقدم للجيش اللبناني ليتمكن من القيام بمسؤولياته في هذا السياق.
كانت الهبة الإيرانية، الهبة التي قدّمتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. طبعاً خلال كل المدة الماضية كان يقال: “إيران لم تقدم، إيران لم تساعد، إيران تحكي كلام عام، لا يوجد شيء ولا يوجد وثيقة”، الايرانيون قالوا نحن منذ زمن، منذ سنوات ونحن نحكي، وتكلمنا مع رئيس الجمهورية، ومع رئيس الحكومة، ومع وزير الدفاع، ومع المسؤولين الأخرين.
إذا كان المطلوب أن نأتي ونقدم ورقة ووثيقة وإمضاء فنحن جاهزون، جاء وفد إيراني رفيع المستوى وتكلم مع المسؤولين اللبنانيين وقال لهم: “نحن جاهزون لنقدم هبة”.
وطبعاً هذه الهبة هي ستكون بوابة أو بداية لهبات إيرانية مهمة ومستمرة، تفضلوا نحن جاهزون.
والسلاح والعتاد والذخائر التي هي موضع الهبة جاهزة، والآن فليقبل اللبنانيون والحكومة اللبنانية تقبل، وستحملهم الطائرة إلى مطار بيروت.
من بعدها رأينا أن هناك جدلاً في البلد، يوجد أناس قالوا: “كلا، كيف نقبل هبة من إيران؟”، وأخذوا الموضوع من الجانب السياسي، والجانب الإقليمي والحساسيات، مع العلم أنه منذ البداية قال المسؤولون الإيرانيون: “هذه الهبة غير مشروطة، لا يوجد لدينا أي شرط ولا شيء، تعالوا خذوها مثل ما تريدون”. أدخَلوا إلى الموضوع النقاش السياسي، وأخذوه إلى النطاق القانوني والأمم المتحدة والتحريم، هذا كله يوجد فيه نقاش، ليس صحيحاً، هذه حجج واهية.
أنا الليلة أيضاً، على طريقتي، أريد أن أريح (الأجواء)، تكلم معنا بعض المسؤولين اللبنانيين: أنتم تريدون أن تخلقوا إشكالاً في لبنان وفي الحكومة اللبنانية على الهبة الإيرانية للجيش؟
الذي قلناه لهم سأقوله لكم الآن على التلفاز وبالمجمع: “كلا، نحن لا نريد أن نفتعل مشكلة، ولا نريد أن نعمل أزمة ولا شيء”. وأنا أقول رسمياً الآن للحكومة اللبنانية المعنية بأن تجيب: “أتحبون ـ أيتها الحكومة اللبنانية ـ أن تقبلوا هذه الهبة فهذه مصلحة للبنان وللجيش اللبناني، وتفتح باباً على مساعدات حقيقية وجدية؟”، لأنه هنا لا يوجد بيع ولا يوجد شراء ولا يوجد سماسرة ولا يوجد وسطاء ولا فلوس ولا شي، يوجد بضاعة، بضاعة سلاح، قذائف، صواريخ، ذخائر، تعال احمل وامشِ، عملية نظيفة مئة بالمئة.
أتحبون أن نذهب إلى عملية نظيفة تدعم الجيش اللبناني؟ تفضلوا. ترون أنفسكم محرجين داخلياً مع بعض القوى السياسية، إقليمياً مع بعض الدول الإقليمية، محرجين مع الأميركيين مثلاً، مع أي أحد، نحن لا نريد أن نحرجكم،
وإيران بالمناسبة هي لا تضغط بشيء، تصور بأن أحدهم قدم هبة، وبعد قليل سيضغط عليك لتقبل الهبة، أين حصل ذلك بالتاريخ؟ إيران هي تريد أن تساعد، هي لا تريد أي حرج للبنان، وأيضاً نحن كفريق لبناني موجود في الحكومة وفي الحياة السياسية نقول لهم: “نحن لا نريد أن نحرج أحداً”، خذوا راحتكم، “أريحوا أعصابكم على الآخر”، ناقشوا مثل ما تريدون، تحبون أن تقبلوا هذه الهبة قولوا لهم قبلناها، لا تريدونها أنتم أحرار ولكن أنتم الخاسرون. لا يوجد مشكلة، هذه هي الهبة الإيرانية.
النقطة التي بعدها بنفس السياق الخاص بالجيش، المخطوفون العسكريون، هذه القضية وإن كنا لا نتحدث عنها في وسائل الإعلام، لأنه من اليوم الأول نحن قلنا: “هذه مسؤولية الحكومة، ونحن كحزب الله لخصوصيتنا ووجودنا في سوريا ومشاركتنا في القتال هناك، وحساسية الجماعات المسلحة منا، نفضّل أن لا نقارب هذا الموضوع إعلامياً حتى لا يُستغل على حساب مصلحة قضية المخطوفين.” وإلا أنا أود أن أؤكد للبنانيين وخصوصاُ لعائلات العسكريين المخطوفين من قبل الجماعات الارهابية، أن هذه القضية في عقلنا وفي قلبنا وفي عقل وقلب كل لبناني، وأنا أعلم أن الحكومة اللبنانية تتابع بجد هذه المسألة. وهي مسألة معقدة. البعض يحاول أن يبسّط الأمور. كلا، الموضوع معقد، خصوصاً إذا كان الطرف الآخر التي هي الجماعات المسلحة لا تلتزم بأبسط شروط نجاح التفاوض، أبسط شروط نجاح التفاوض هو السرية، هو بقاء المفاوضات طي الكتمان. عندما تخرج الجماعات المسلحة وتخرج كل شيء على وسائل الاعلام، وكل المفاوضات على وسائل الاعلام، هذا يجعلنا نشك بأن هل هم حقيقةً يريدون أن يصلوا الى نتيجة وأن يحلّوا هذه القضية أو لا، هم يريدون أن يستغلوا قضية المخطوفين العسكريين ليبقوا بالاعلام، وليبتزوا بالسياسة، وليحرّضوا بالبلد، هذا يفتح باب للتساؤل.
لكن بكل الأحوال، الحكومة تتابع بجدية ونحن نعلم ذلك، وأنا أدعو أهالي العسكريين المخطوفين إلى مزيد من الصبر، إلى مزيد من التحمل، إلى مزيد من التماسك، وإلى المزيد من الدعم للحكومة اللبنانية، لأنه في موضوع معقد من هذا النوع المسألة بحاجة إلى تكاتف وإلى تعاون لنصل بالمسألة إلى الخواتيم المطلوبة.
يبقى نقطة بالموضوع المحلي وأنتقل إلى النقطة الإقليمية. في هذه الليلة دعوة الحكومة اللبنانية ـ المشغولة طبعاً بالملف الأمني، بملف المخطوفين العسكريين، بملف النازحين، بكل الملفات الضاغطة والطارئة ـ أن لا تغفل الملفات الحياتية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية للناس. بالنهاية هناك جزء كبير من الشعب اللبناني يرزح تحت وطأة ضغوط تحتاج إلى تحمل وإلى طاقة تحمّل هائلة، والجهة الوحيدة القادرة والمعنية، والجهة الوحيدة المعنية والقادرة لمعالجة هذه الملفات هي فقط وفقط الدولة، وفقط وفقط الحكومة. أما القوى السياسية أو الجمعيات أو التيارات مهما حاولت أن تملأ فراغاً أو أن تقدّم مساعدة أو أن تبذل جهداً، يبقى جهدها متواضعاً جداً أمام حجم الأزمات المعيشية والاجماعية والحياتية التي يعاني منها الكثير من اللبنانيين. لا يجب على الحكومة أن تتعاطى بأنها حكومة تصريف أعمال، ولا كهيئة طوارئ فقط، وإنما يجب أن تكون حكومة كاملة الصلاحيات، كاملة تحمّل المسؤولية لنستطيع أن نستمر في هذا البلد في مواجهة كل هذه الصعاب.
النقطة الاقليمية قبل الختام، بالموضوع المتعلق بالمنطقة أريد أن أتكلم بفكرة والباقي أدعه للغد.
دائماً نسمع ـ في لبنان نسمع، وفي المنطقة نسمع أيضاً ـ الاميركيين وبعض مراكز الدراسات الغربية والأوروبية والإعلام الغربي يحاول أيضاً أن يركز هذه الفكرة، ما هي؟ إنه يوجد صراعات كبيرة وخطيرة في هذه المنطقة، صراعات عسكرية وأمنية وسياسية وتحديات وأخطار، ويوجد بلدان تُدمر، ماذا يقولون عن هذا الصراع؟ كيف يوصفونه؟ كيف يفهمونه؟ يأتون ويقولون: هذا صراع سني ـ شيعي، وأن الصراع الموجود في المنطقة هذا صراع سني ـ شيعي، والصراع الموجود في لبنان هو سني ـ شيعي، وبالتالي ممكن بعض القيادات أو الجهات الذين هم لا سنة ولا شيعة أن يعتبروا أنفسهم بأنهم غير معنيين بهذا الصراع، ويجب أن يكون لديهم موقف مختلف، هذا خطأ كبير يرتكب بحق المنطقة، وشعوب المنطقة، وحقيقة ما يجري في المنطقة.
انظروا يا إخواني ويا أخواتي، عادةً عندما تأتي وعندك أحد لديه مرض، وتريد أن تعالج له هذا المرض، ألا يجب أن تعرف ما هو؟ أن هذا ما الذي يوجعه؟ تأخذه إلى طبيب طب عام، فيعمل لك تشخيص عام، ولكن إذا كانت المشكلة بالمعدة يجب أن تذهب إلى طبيب متخصص بالمعدة، إذا مشكلة عيون تذهب إلى طبيب العيون، إذا مشكلة أعصاب تذهب إلى طبيب أعصاب.
الخطأ في تشخيص المرض يضيّع العلاج، قد يضيّع العلاج ويطول، وفيما بعد، أي بعد 20 سنة يكتشف أنه هو يظنّ أن المشكلة هنا طلعت هنا.
كذلك في الأزمات السياسية، عندما نتكلم عن صراع، الخطأ في فهم حقيقة الصراع، الخطأ في تشخيص وفهم ومعرفة ماهية الصراع، هذا يعطّل المعالجة ويطيلها.
سوف أضرب مثلاً على طريقتي بالتفصيل، لدينا في لبنان قرية فيها مسلمون ومسيحيون ويوجد فيها عائلات، يوجد أولاد من هذه العائلات وأولاد من هذه العائلات، وهؤلاء يعيشون مع بعضهم منذ مئات السنين، وهؤلاء المسلمون ينتمون إلى تنظيم سياسي معين وهؤلاء المسيحيون ينتمون إلى تنظيم سياسي معين. في يوم من الأيام وقع اشكال بين شباب مسيحيين مع شباب مسلمين في القرية، حادث فردي، تعرفون المشاكل في الضيع كيف تحصل “واحد بدو يمر قبل الآخر على سبيل المثال”، حسناً، هؤلاء الشبان تشاجروا مع بعضهم البعض، وقعت مشكلة في القرية، أتينا لكي نشخص المشكلة، هل هي مشكلة فردية بين هؤلاء الاشخاص “الشباب الذين تشاجروا لأسباب تافهة” أو هي مشكلة عائلية بخلفيتها أن هؤلاء من العائلتين وشاءت الصدف أن تكون واحدة مسيحية والأخرى مسلمة، يوجد مشاكل قديمة فيما بينهم والشباب أخذوها حجة وضربوا بعضهم، عندها تصبح المشكلة عائلية، أو أن هذه المشكلة طائفية، لأن هؤلاء مسلمون وهؤلاء مسيحيون ضربوا بعضهم، أو أن هذه المشكلة سياسية لأن هذا ينتمي إلى فريق سياسي وذاك ينتمي إلى آخر، وهؤلاء الفريقان متخاصمان فانعكس المشكل في القرية.
هناك فرق كبير بين أن يكون المشكل فردياً عن إذا كان المشكل عائلياً عن اذا كان المشكل سياسياً عن إذا كان المشكل طائفياً. كيف نشخص طبيعة المشكل يأخذنا إلى الحل. لا نضيّع الوقت، فنقول مثلاً إنه مشكل فردي فنُدخل فيه القيادات السياسية الأساسية بالبلد، مع العلم أنه أمر تافه، مشكل فردي، لأننا ظننا أنه مشكل سياسي، فلتجلسوا مع بعضكم ولتشكلوا لجنة مركزية…
الذي يحصل الآن في المنطقة هو هذا، كل الشعوب ـ وأنا لا اتكلم عن هذا الموضوع لأملأ وقتاً ـ أنتم وكل الذين يسمعون وكل شعوب المنطقة، هذا مصيرنا، لا أحد يستطيع أن يقول إن ما يجري في المنطقة أنا لست معنياً فيه، أو أنت لست معنياً فيه أو هو أو هي ليس معنياً فيه، لأن ما يجري في المنطقة سيرسم مصير ومستقبل شعوب هذه المنطقة وأولادنا وأحفادنا وأجيالنا، حسناً، هناك خطر كبير الآن في المنطقة وصراعات ضخمة في المنطقة. ألا يستحق الأمر أن نأتي ونرى ما هي حقيقة هذا الصراع؟
أسهل أمر أن نأتي ونقول إن هذا صراع سني شيعي، هذا خطأ كبير، أيضاً لو قمنا بجولة أفق سريعة لنرى إن كان هذا صحيحاً، يعني مثلا إذا مثلا اثنان في قرية كلها شيعة تشاجرا مع بعضهما البعض، الاثنان من عائلتين، هل يمكنك أن تأتي لتقول إن هذا الصراع هو صراع طائفي ومذهبي؟ لا، هذا صراع شخصي وعائلي. نعم، إذا القرية يوجد فيها من أكثر من طائفة يمكن أن تأتي هذه الشبهة.
حسنا، لنقم بجولة أفق، هل حقيقة الصراع الذي يسيطر الان على المنطقة هو صراع سني شيعي؟
سوف نأخذ أمثلة سريعة، فلنذهب إلى ليبيا، في ليبيا يوجد جبهتان داخليتان تتقاتلان وإحداهما بالحد الادنى تقصف الأخرى بالطيران وتقصفان بعضهما بالصواريخ ويقومون بعمليات انتحارية، ومئات الضحايا والجرحى، وبيوت تدمر والحرب في أكثر من مدينة ليبية، وكل جهة من هاتين الجهتين الليبيتين يدعمها محور اقليمي في المنطقة. أين الشيعة في الموضوع؟ أين الصراع السني الشعي في الموضوع؟ هل الصراع بين هذين المحورين الاقليميين في ليبيا “يعني طالما نتحدث عن الأمور مثل ما هي ولمرة واحدة” يعني يوجد محور تركي قطري يدعم جبهة في ليبيا ويوجد محور سعودي اماراتي ومعه آخرون يدعمون جبهة أخرى في ليبيا، حسنا، فلتقولوا لي أين الصراع السني الشيعي بين هذين المحورين في ليبيا؟ أين الشيعة في ليبيا الذين هم جزء من الصراع السني الشيعي؟ حسناً، هذا بلد مهم وشعب عزيز، وعانى كثيراً في زمان القذافي وكان ينتظر النجاة والخلاص والحياة السعيدة والكريمة، فيرى لديه هذه المصيبة، هل توصف هذا بالصراع السني الشيعي؟ ما العلاقة؟! هذا أولا.
ثانياً، وعندما تكثر الأمثلة يظهر ان التسمية خاطئة، تأتي لتقول إن مشكلة هذه العائلة انهم كلهم طويلو القامة، فتأتي إليها لتجد أن الأول قصير القامة والثاني أيضاً والثالث والرابع، ولكن ليس صحيحاً أن المشكلة انهم كلهم طويلو القامة، نذهب إلى مصر، يوجد مشكل كبير في مصر على مستوى البلد ككل، بالسياسية وبالانتخابات والمظاهرات وهناك قتال في سيناء، بين الجيش المصري وبين الجماعات المسلحة. طبعاً أنا بكل هذا الاستعراض لا أريد أن آخذ موقفاً، لا أريد أن أقول إن الحق مع فلان أو مع فلان، أنا أوصّف، أنا أشرح ما أراه في المنطقة، ماذا يحصل، حسناً، هذه مصر، ما دخل الشيعة في الموضوع؟ أين الصراع السني الشيعي في الموضوع؟ يوجد قوى سياسية متصارعة سياسياً، كلهم من إخواننا أهل السنة. والقتال في سيناء، هذا الجيش المصري وهذه الجماعات المسلحة، أين الصراع السني الشيعي؟ في الوقت الذي يجري في مصر هو مهم وخطير جدا ليس لمصر فقط وإنما على مستوى كل المنطقة، يعني في مرة من المرات أتكلم عن صراع سياسي وعن صراع دامٍ في بلد معزول وبعيد، وفي مرة أخرى أتكلم عن صراع في بلد يشكل نصف العرب، في قلب الشرق الأوسط. حسناً، اذا هذا الصراع الذي ليس سنياً شيعياً وهو من أهم أشكال الصراعات في المنطقة، انتم لا تأخذونه بعين الاعتبار في التوصيف.
حسناً، لكي نقترب من المكان الحساس، نأتي إلى سورية، يمكن أن ياتي أحد ليقارب الموضوع ويقول إن الصراع مع النظام هو صراع طائفي، وهذا غير صحيح. لكن، هل القتال بين داعش والنصرة، القتال الطويل والدامي والذي سقط فيه آلاف القتلى والجرحى هو صراع سني شيعي؟ هل صراع جبهة النصرة مع بقية فصائل المعارضة السورية المسلحة وآخرها في منطقة إدلب وجبل الزاوية واقتحامات وعمليات انتحارية بين جبهة النصرة وما يسمى جبهة ثوار سورية، هل هذا صراع سني شيعي؟ هل المعركة في عين العرب كوباني التي شغلت المنطقة والعالم والتحالف الدولي ـ الآن تستيقظ صباحا وتنام مساء (لتسمع أن) التحالف الدولي يقصف في كوباني ـ هل الصراع في عين العرب كوباني هو صراع سني شيعي؟ الأكراد وداعش، إذا أردنا أن نأتي بالتوصيف المذهبي، لا يوجد شيعة على حد علمي.
هل استهداف المسيحيين في العراق وفي سورية إلى حد الإبادة له علاقة بالصراع السني الشيعي؟ ما هي العلاقة؟ ما هي علاقة المسيحيين بالصراع السني الشيعي؟ هل إبادة الإيزديين له علاقة بالصراع السني الشيعي؟ هل استهداف بقية الأقليات الدينية له علاقة بالصراع السني الشيعي؟ في العراق، هل هجوم داعش على الأكراد باتجاه اربيل، هل له علاقة بالصراع السني الشيعي؟ أغلب الأكراد في العراق من أهل السنة، حسناً، عندما قامت الدينا ولم تقعد وأتت بالتحالف الدولي، لماذا؟ لأن داعش هددت الأردن والسعودية والكويت، وهذه دول بحسب التصنيف المذهبي هي دول سنية، ما علاقة هذا بالصراع السني الشيعي؟
حسنا، عندما نأتي ونجد أن الصراع الأكبر الموجود في المنطقة، طبعا وصولاً إلى صراع الدول الاقليمية فيما بينها، مصر والسعودية الامارات وقطر وتركيا، وصل الامر أن يسيئوا لبعضهم في منابر الأمم المتحدة، وكلنا تابعنا هذا الموضوع، ما علاقة هذا بالصراع السني الشيعي؟
إنني أكرر العبارة لكي أؤكد الفكرة، أن هذا التشخيص هو تشخيص خاطىء وليس صحيحاً. ما يجري في المنطقة هو صراع سياسي بامتياز، هناك دول وهناك قوى سياسية وقوى شعبية لديها رؤية لها علاقة بمستقبل بلدها، بمستقبل دولتها، بمستقبل منطقتها، تقاتل أو تناضل أو تعمل لتحقيق هذا المشروع، سواء كان حقاً أو كان باطلاً. الصراع ليس مذهبياً على الإطلاق. حسناً، الآن تصادف انه في مكان ما الجهتان من الطائفة السنية، وفي مكان آخر يكون هناك جهة ينتسبون إلى السنة وجهة أخرى مختلطة ولكن يوجد فيها شيعية، هل هذا يجعل الصراع سنياً شيعياً؟ أبداً، المحور الذي ننتمي إليه نحن والذي تقاتل فيه والذي نساعد على صموده وعلى حمل رايته، هل هو محور شيعي بحت؟ أبداً، بل هو محور سياسي يوجد فيه انتماءات دينية وطائفية ومذهبية وفكرية متنوعة ومتعددة، هذه هي الحقيقة.
نعم، قد تأتي بعض الجهات وتتحرك بخلفية عقائدية وكما حكيت قبل ليالٍ، هذا لا يعني أنه صراع مذهبي. التكفريون يتحركون بهذه الخلفية لكن صراعهم ليس مذهبياً، عداؤهم ليس للشيعة فقط، للشيعة للسنة للمسيحيين للدروز ولكل الطوائف الموجودة ولكل من عاداهم ولكل من سواهم. هو عقليته هكذا، لكن حقيقة الصراع ليست كذلك . أنا الذي سأقوله أحببت أن أقول هذا العرض لآخذ نتيجة، أولاً أن نفهم وأن نعرف وأن نستوعب جميعاً وهذا يتطلب جهداً فكرياً وثقافياً وسياسياً وإعلامياً وتبليغياً وترويجياً أنه لا، حقيقة أن الصراع ليس صراعاً مذهبياً.
ثانياً: نحن أطراف الصراع المعنيون أن لا نقبل أن يتحول الصراع إلى صراع مذهبي. يعني كلمة للشيعة سريعة، كلمة للسنة وكلمة للمسيحين ولبقية المسلمين أيضاً:
نحن الشيعة لا ينبغي أن نقبل أن نتعاطى مع الصراع القائم الآن في المنطقة على أنه صراع مذهبي. معركتنا في المنطقة إذا كنا من الشيعة ليست مع أهل السنة معركتنا هي مع الهيمنة الأميركية، هي مع المشروع الإسرائيلي، هي مع التكفيريين الذين يريدون سحق الجميع، والمعركة ليست معركة مذهبية أو طائفية بالنسبة إلينا، يجب أن لا نقبل بهذا ويجب أن لا نتصرف على هذا الاساس، على أن هذا صراع مذهبي. لا لا.. نحن كلنا هكذا.
سأضرب مثلاً.. في العراق عندما كان صدام حسين يحكم العراق وصدام حسين “إذا بدنا نحكي بالتصنيف” مصنف حاله سني، في العراق قتل صدام الشعب العراقي شيعةً وأكراداً وسنة، لكن الذي دفع الثمن الأغلى هم الشيعة. حتى الآن المقابر الجماعية يتم اكتشافها، مئات الآلاف من الشيعة قتلهم صدام حسين ـ بغض النظر عن الحرب الإيرانية العراقية ـ نحكي بالداخل، خيرة علمائنا ومراجعنا قتلهم صدام حسين، مفخرة الحوزة العلمية والفكر الإسلامي والفقه الإسلامي والعقل العربي والإسلامي الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، أعدمه صدام حسين، حطّم حوزاتنا، قصف مقام أمير المؤمنين في النجف بالمدفعية وبالطيران، قصف مقام الإمام الحسين (ع) وأبي الفضل العباس في كربلاء بالمدفعية وبالطيران، هل أحد من الشيعة، من علماء الشيعة، من مراجع الشيعة، من أحزاب الشيعة، ليقول السنّة قتلونا، السنّة قصفوا عتباتنا ومقاماتنا والسنّة قتلوا الشهيد الصدر والسنّة قتلوا مئات آلاف الشيعة العراقيين، أبدا هذا لم يحصل.
هل أحد قام وقال إن اهل السنة (يقتلوننا) أبداً.. أبداً..شاهدوا، هذا الإعلام وهذا التاريخ وكل هذا الواقع، هذا ما صار، نحن نعتبر صدام حسين وإعوانه قتلونا، لا نعتبر أن أهل السنّة قتلونا، عندما حصل تفجير مرقد العسكريين (ع) في سامراء، نحن اعتبرنا أن التكفيريين فجروا مراقد أئمتنا، ليسوا أهل السنة وتظاهرنا هنا سنّة وشيعة وعلماء السنة، لبسوا معنا الأكفان ومشينا في الشوارع. إذاً هذا المنهج هو منهج صحيح، نحن اليوم إذا كان هناك أحد يظلم يطغى يقتل او نختلف معه في السياسة ومصادف هو سني، هذا لا يعني أن مشكلتنا مع السنّة، هذا من جهة الشيعة.
أتمنى على السنة، يا أهلنا السنة أيضاً، نريد وعياً وحذراً في بعض الدول من أجل أهدافها تقدم الصراع على أنه صراع سني شيعي، لتستقطب كل السنة إلى معركتها وإلى مشروعها الذي لا دخل له، يعني مثلاً عندما يفتعل صراعاً مع إيران لماذا ؟ يقول لأن إيران شيعية، حسناً أريد أن أسأل سؤالاً: الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان قبل الإمام الخميني هذا الشاه، أهو سني كان أو كان شيعياُ بمذهبه؟ بالعكس كان يحرص كل سنة أن يذهب لعند الإمام الرضا للزيارة ويرسل عائلته إلى النجف و.. إذاً لماذا ايران الشاه الشيعي كنتم اصحاب معه وحلفاء وأحباء مع العلم إنه كان مع اسرائيل ،ولماذا إيران الامام الخميني الشيعي الذي كان مع فلسطين وشعب فلسطين ومع العرب ومع المسلمين أنتم ضده وتحولون الصراع السياسي معه إلى صراع سني شيعي. أليست هذه مغالطة؟ أليس هذا خداعاً وتضليلا.
أنا ما أدعو إليه، لأن المرحلة خطيرة جداً، كلنا يمكننا أن نذهب بالعصبيات وكلنا يمكننا أن نخطب وكلنا يمكننا أن نقول شعارات، وكلنا نعرف كيف نلهب الجماهير. هذه المرحلة تتطلب وعياً وحكمة ومستوى عالياً من المسؤولية. يجب أن ننتبه إلى أين يأخذنا هؤلاء، إلى أي معركة.
أيضا للمسيحيين، إذا كان المسيحيون يقولون إننا ليس لنا علاقة، ونحن على الحياد ونحن خارج المشكل، وهم ـ الشيعة والسنة ـ يوجد مشاكل بينهم وماذا نعمل لاجلهم ونساعدهم، فهم مشتبهون. الكل في دائرة الاستهداف، بقية طوائف المسلمين في دائرة الاستهداف، ما يجري في المنطقة الكل مستهدف به، وعلى الكل أن يتصرف بوعي وأن يتحمل المسؤولية، على الكل أن “يأخذ شوية نفس ويطلع على راس الجبل ويفكر شوي ويتأمل شوي، ما في مشكلة نحكي مع بعض ونتناقش مع بعض ونتحاور مع بعض بدل أن نسب بعضنا في الجرائد”.
يمكن أن نقسو على بعضنا في الجلسات الداخلية عسى أن نصل إلى مكان، هذه حقيقة الصراع، ولذلك يجب أن نكون في هذا الصراع أهل المعرفة وأهل الوعي وأهل التشخيص الصحيح والأداء الصحيح لننجح وننتصر وإلا كلنا نخسر المعركة والمنطقة “تروح على الكل”.
غداً يوم الفداء والإيثار والعطاء بلا حدود والإخلاص والوفاء والثبات والعزم والعشق والشوق
غداً يوم اللهفة، يوم الدم المسفوح، يوم الدمعة الساكبة والغصة الدائمة، ولكنه أيضاً يوم الحماس ويوم الملحمة ويوم الإلهام ويوم القدوة والنموذج.
غداً يطل أبو عبد الله الحسين عليه السلام على العالم من جديد وهو يخوض معركة الدفاع عن إسلام جده محمد صلى الله عليه وآله وعن الأمة ووجودها وكرامتها ومقدساتها، ليطلق نداءه الخالد الذي ما كان يخاطب به الشهداء ولا جيش ابن سعد الأموات، وإنما كان يخاطب رجالاً ونساء في أرحام النساء وأصلاب الرجال على مدى الأجيال إلى قيام الساعة: هل من ناصر ينصرني؟
هذه الصرخة التي تعبّر عن التزامكم بقيم كربلاء، بمعاني كربلاء، بأخلاق كربلاء، بروح وإخلاص كربلاء، هذه الصرخة التي تعبّر كما عبرت خلال كل السنوات الماضية، وأنا الليلة للدنيا والآخرة في الدنيا والآخرة أشهد أننا عندما نراكم في كل التحديات في كل الأخطار في كل مواجهة مع عدوان إسرائيلي أو غير إسرائيلي، لا نرى منكم ولا في وجوهكم إلا الوفاء الحسيني والثبات الحسيني والإخلاص الحسيني. هذا ما نراه في كل الأيام وعلى مدار الساعة في وجوه عوائل الشهداء وفي وجوه الجرحى وفي وجوه المجاهدين الصابرين المرابطين المتواجدين في كل الساحات، ونراه في عائلاتنا التي تقدّم الأولاد والأنفس والأموال والأعزة وهي تثبت بحق أن صرختها بـ “لبيك يا حسين” هي صرخة صادقة.
غداً نسمع صوت الحسين عليه السلام المنطلق يوم عاشوراء في سنة 61 للهجرة نسمعه بآذاننا في كل الميادين التي نجتمع فيها لنجدد للحسين عهدنا وميثاقنا والتزامنا بأننا معه ولن نتخلى عنه ولن نتركه ولو قطعنا وحرّقنا ولو حصل ما حصل.
غداً سنثبت للعالم، غدا سنثبت للحسين عليه السلام في عليائه وسنثبت للعالم، للصديق وللعدو، للمحب والمتربص، أننا فوق التهديد وأننا فوق الأخطار وأننا فوق التحدي وأننا رجال ونساء الميدان الذي يبقى يصرخ ويصرخ يا حسين.
غداً إن شاء الله نختم كل هذه الأحياءات التي وفق الله تعالى لها، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منكم جميعاً وأن يوفقكم جميعاً وان يحرسكم جميعا وأن ينصركم جميعاً.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله الحسين يا ابن رسول الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني جميعا سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين، والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.