السيد حسن نصر الله: من قتل إخواننا لن يأمنوا في أي مكان في العالم … والقصاص آت (كلمة سماحة السيد نصر الله كاملة)
كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الحفل التأبيني في ذكرى استشهاد الشهيد القائد حسان اللقيس في مجمع سيد الشهداء (ع) ـ الرويس يوم الجمعة 20-12-2013
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين، أبي القاسم محمد بن عبدالله وعلى آله الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السادة الحضور، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
يقول الله عز وجل في كتابه المجيد:
بسم الله الرحمن الرحيم: “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يُقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم”.
في البداية أرحب بكم جميعاً وأشكر حضوركم الكريم هذا في حفلنا التكريمي والتأبيني لشهيدٍ وقائدٍ وعزيز، كما أتوجه في البداية إلى عائلته الشريفة كما إليكم جميعاً، بمشاعر المواساة وأيضاً بالتبريك بشهادة هذا القائد العزيز، الأخ حسان اللقيس رحمة الله عليه.
أود في هذه المناسبة أن أتحدث، حيث جعلت الخطاب قسمين، القسم الأول له علاقة بالشهيد وحادثة الإستشهاد، وما يرتبط بهذا الملف بيننا وبين الإسرائيلي.
أتكلم بالنقاط أولاً ثانياً ثالثاً، والشق الثاني ما يرتبط بالشأن السياسي الداخلي اللبناني.
أولاً: هذا النوع من الإخوة الشهداء، قبل شهادتهم هم ليسوا معروفين، إلا في الدائرة العائلية والإجتماعية الخاصة، أصدقائهم وأقاربهم، أو في حدود دائرة العمل المباشر، الإخوة الذين يعملون معهم.
طبيعة المهمة الملقاة على عاتقهم لا تتيح لهم ولا لنا في حياتهم وقبل الشهادة أن نُعرفهم للناس. الآن أعضاء الشورى نعرفهم والنواب والوزراء والمسؤولين السياسيين وبعض المسؤولين الإجرائيين، هذا طبيعي، لكن بالخصوص الإخوة الذين يعملون في المجال الجهادي المباشر، بطبيعة الحال وبطبيعة المهمة وبطبيعة التحديات والظروف لا تسمح بذلك، ولذلك هم مجهولون وغير معروفين قبل شهادتهم. عند الشهادة يرى الناس صورهم، يعرفون أسماءهم، وقد يُفاجأون أحياناً بمكانة هذا الشهيد أو ذاك، وموقعه في هذه المقاومة، ولكن أيضاً بعد شهادتهم لا نستطيع أن نتحدث عنهم، ولا نستطيع أن نُعرفهم للناس، إلا باختصار شديد، والسبب في ذلك، أن حياتهم وأن إنجازاتهم وأن تفاصيل سلوكهم وشخصياتهم ممزوج وذائب وفانٍ في هذه المقاومة وفي هذه المسيرة، يعني خارج حياتهم في المقاومة هم ليس لهم حياة. هؤلاء الإخوة وهذا الصنف من الإخوة من مضى منهم شهيداً، ومن ما زال على قيد الحياة، هؤلاء وهبوا شبابهم لهذه المقاومة، ولذلك قد لا يكون لأغلبهم ـ حتى لا أقول للكل ـ قد لا تكون لهم حياة إجتماعية كما هو متعارف عند الناس، لأن ليلهم ونهارهم وسهرهم ودأبهم وجهدهم كله في خدمة هذا المسار وخدمة هذه المقاومة.
عندما تتحدث عنهم بعد شهادتهم يعني تتحدث عن إنجازاتهم. (ولكننا) لا نستطيع أن نتحدث عن إنجازات، لماذا؟ لأننا ما زلنا في قلب المعركة، إذا كنا ما زلنا في قلب المعركة فأنا لا أستطيع أن أقول ماذا فعل الحاج حسان اللقيس، وماذا أنجز الحاج حسان اللقيس، وماذا كان يفعل، ما هي مهمته وما كانت وظيفته، ما هي نجاحاته؟ لماذا يرتبط بحركة المقاومة؟ وهذا هو الواقع الحال، لكن وهذا جزء أيضاً من التضحية، من تضحية عوائل الشهداء، عوائل الشهداء يفقدون عزيزهم عندما يُستشهد، وأيضاً لا تتوفر لهم فرصة أن يعرف الناس حقيقة إنجازات وحقيقة عظمة شهيدهم بعد الشهادة، وهذه هي مسيرة تضحيات على كل حال، لأننا من خلال الشهادة نطلب النصر لمقاومتنا ولوطننا ولشعبنا ولأمتنا، وهذا جزء من التضحيات التي يجب أن نصبر جميعاً عليها، نحن نأمل أن يأتي اليوم الذي يمكن الحديث فيه عن إنجازات هؤلاء الشهداء، خصوصاً القادة، وعن نجاحاتهم وعن شخصياتهم وعن خصوصياتهم، وأن يتم إنصافهم في هذه الدنيا، وإن كان في كل الأحوال هذه الدنيا فانية وعند الله سبحانه وتعالى الجزاء الأوفى، وهو الذي يوفيهم أجورهم بغير حساب. والذي يواسي أهالي الشهداء وأرواح الشهداء أن إنجازاتهم محفوظة ومصانة، ويتم تطويرها، وأن كل جهدٍ وكل دمعةٍ وكل قطرة دمٍ وكل آهٍ وكل سهرٍ وتعب بذلوه في هذه المقاومة سيثمر ببركة الأحياء الصادقين في العهد والوعد وثابتي القدم، بل راسخي القدم في طريق المقاومة، أن يبقى هؤلاء الشهداء أحياء في مسيرتنا، برمزيتهم كما هم أحياء بانجازاتهم.
ثانياً: فيما يتعلق بالمتاح كلمة عن الأخ القائد الحاج حسان اللقيس، الذي نعرفه ويعرفه إخواننا، من عمل معه ومن كان قريباً منه، أنه الأخ المجاهد والمضحي، والذي أنفق شبابه في هذه المقاومة منذ البدايات، منذ بدايات المقاومة. (هو) العامل المُجد والدؤوب والعاشق للشهادة والمؤدب الخلوق والمحب، حسن العشرة وأيضاً المبدع، أحد العقول المميّزة واللامعة في هذه المقاومة.
العدو دائماً، وخلال كل السنوات الطويلة الماضية، كان يتحدث عن حرب أدمغة بينه وبين المقاومة في لبنان. الحاج حسان اللقيس هو أحد هذه الأدمغة بل هو أحد هذه العقول اللامعة في الحقيقة، وكان القائد الذي يتحمل المسؤولية، يعمل في الليل وفي النهار، في الحرب موجود في الميدان، وفي المقدمة وتحت النار، وفي السلم يشغله عن الناس كلهم شؤون الجهوزية والإستعداد والتطوير، لأن المعركة مع العدو لم تنتهِ بعد.
طبعاً بالنسبة لي شخصياً، كان يعرف أيضاً الكثيرون، كان أخاً وحبيباً وأنيساً وقريباً وصديقاً منذ أن كنا شباباً صغاراً في مدينة بعلبك.
على كل حال، هو كان طالباً لهذه العاقبة الحسنة، وساعياً إلى هذا الشرف العظيم، وقد حصل عليهما، وقد حصل عليهما بالمضمون وبالزمان أيضاً، بين عاشوراء الحسين في العاشر من محرم وأربعين الحسين في العشرين من صفر.
ثالثاً: بالنسبة لعملية الإغتيال: كل القرائن والمؤشرات والمعطيات التي تجمعت لدينا تؤكد وتدل على اتهامنا الأول الذي وجهناه، وهو الإتهام للعدو الإسرائيلي، وأضفنا إليها محاولات الاغتيال السابقة، لأن الحاج حسان تعرض لأكثر من محاولة إغتيال فاشلة، والعدو أيضاً تحدث عن محاولات الاغتيال هذه. أيضاً لو لاحظتم أيها الإخوة والأخوات التعاطي الإعلامي على مدى أيام، إعلام العدو الإسرائيلي وتلفزيوناته وصحفه ومحللوه، أستطيع أن أقول وأنا تابعت كما هي العادة في المتابعة ما قالوا عن الحاج حسان وعن عملية الإغتيال، أستطيع أن أقول إنهم لامسوا التبني الرسمي لعملية الإغتيال.
في كل الأحوال، التحقيق سوف يستمر، لكن ما وصلنا إليه من خلال ما تجمع لدينا من معطيات وقرائن تؤكد هذا الإتهام، وهذا ليس إتهاماً سياسياً، وإنما يستند إلى المعطيات والقرائن.
كل ما قيل بعد إستشهاد الحاج حسان ـ والآن مطلق شخص ينزل على التويتر وعلى وسائل التواصل الإجتماعي الذي يريد ويتبنَّى ـ جزء مما قيل هو كلام عبثي، وجزء مما قيل هو للتحريض المذهبي وخصوصاً عندما يتم إدخال العنوان السنّي مثلاً.
جزء مما قيل هو للتحريض المذهبي، عندما يتم إدخال عنوان السنّة في عملية الاغتيال، وجزء مما قيل قد يكون للتضليل الذي قد يعتمده الاسرائيلي لإبعاد الشبهة عنه، ولحرف الصراع في اتجاه آخر.
كل هذا الذي قيل ـ بالنسبة إلينا ـ لا قيمة له على الإطلاق. قاتلنا معروف وعدونا معروف وخصمنا معروف، وتعرفون أننا نحن في هذه الموضوعات لا نجامل “مش كل شي بدنا نقول الاسرائيلي وليس كل شيء ليس الاسرائيلي”. “في مكان لما مش الاسرائيلي نطلع نقول ليس الاسرائيلي”، لكننا، عندما يكون الاسرائيلي، والمعطيات تؤشر اليه، نتهمه هو.
رابعاً: نحن من خلال هذا الاستشهاد نعبر عن وضعية حالة نعيشها منذ سنوات طويلة، أنا أسميها دفع الثمن، وعلى الإخوة والأخوات وجمهور المقاومة وعلى الإخوة جميعاً أن نعرف بأننا على هذه الوضعية منذ سنوات طويلة، وسنبقى في هذه الوضعية، حتى تحسم هذه المعركة في يوم من الأيام.
ماذا يعني؟
أولاً: نحن ندفع ثمن انتصاراتنا السابقة على العدو الإسرائيلي. هذه المقاومة صنعت انتصاراً تاريخياً في العام ألفين، فرضت على العدو أن ينسحب بلا قيد وبلا شرط، مهزوماً مذلولاً مدحوراً. هناك الكثير من الناس في العالم يهمهم أن يصبح هذا الحكي منسياً، أصلا لا يذكر، لا يستعاد، يصبح جزءاً من الماضي المنسي. لكن يجب دائماً أن يعاد، أن يذكّر به، لأنه نتيجة تضحيات جسام وكم هائل من دماء الشهداء وآلام عوائل الشهداء وجراحات الجرحى وآهات المعتقلين والأسرى في السجون من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين كانوا شركاء في صنع انتصار الألفين، هذا الانتصارالذي غيّر الكثير من المعادلات في المنطقة وفتح أبواب الأمل وأطلق الانتفاضة في فلسطين المحتلة، وصولاً إلى انتصار ألفين وستة الذي أسقط مشروع المحافظين الجدد في المنطقة وهو الشرق الأوسط الجديد، وليس على مستوى لبنان أو جنوب لبنان، وإنما على مستوى المنطقة بأكملها. هل يتصور أحد أن يسقط مشاريع هؤلاء الكبار وأن يلحق بهم الهزيمة المذلة وليس فقط الهزيمة، ثم بعد ذلك يصفقون له أو يقولون له أحسنت أو “الله يعطيك العافية”؟ أو أنهم سيثأرون منه؟ وينتقمون منه ويجعلونه يدفع ثمناً غالياً لأنه تجرأ أن يقف في وجههم وملك إرادة أن يقاومهم، وبقي في ساحة المقاومة حتى النفس الأخير وقاتلهم وجعل قتالهم أولوية حياته، وانتصر عليهم في هذه الأولوية، طبيعي جداً أن يعمل من أجل أن يقتلك وأن يغتالك، وأن يطاردك. يريد أن يثأر منك، فنحن أولاً ندفع ثمن انتصارات المقاومة التي لا ندّعيها لأنفسنا، وإنما نقول إننا كنا جزءاً مشاركاً فيها، لكن جزءاً فاعلاً، جزءاً أساسياً، ونحترم ونقدّر ونعترف بكل جهود المقاومين الآخرين من الإخوة الأعزاء
ثانياً: ندفع ثمن التزامنا الدائم المستمر بقضية المقاومة وبقائنا في موقع المقاومة وعملنا للجهوزية الحقيقية التي تردع العدو.
الناس مشغولون، كل واحد له أولوية، له شأنه. ولكن أنا ذكرت سابقاً، في حزب الله هناك عدد كبير من الإخوة، من النخب، من العقول، من الكوادر، من القياديين، من الشباب، من الإخوة والأخوات، أيضاً الذين يعملون، ليس لهم شأن في كل ما يجري هنا وهناك، وموضوعهم الأساسي كيف تكون هذه المقاومة في أفضل جهوزية ممكنة لمواجهة العدو في يوم تفرض عليها وعلى لبنان وعلى المنطقة حرب من قبل هذا العدو، وهذا همّهم في الليل والنهار، يدرسون ويناقشون ويخططون ويبرمجون ويعملون ويجهدون و”يعتّلون”، واحد منهم كان الحاج حسان اللقيس. ومن كبارهم كان الحاج عماد مغنية وآخرون لا تعلمونهم الله يعلمهم.
حسناً، العدو يعرف هذا، قد يكون الكثير من الناس لا يعرفون، هناك بعض الناس في لبنان يظنون أن حزب الله “قاعد كل شغلته وعملته” 14 آذار. أنا أقول لكم هناك جزء كبير من حزب الله آخر همّه 14 آذار، ليس استهانة بأحد، إنما له علاقة بتنظيم الأولوية. هناك جزء كبير من حزب الله أول همه وآخر همه وكلّ همه هذا العدو ومواجهة هذا العدو والدفاع عن هذا البلد وكرامة هذا البلد وسيادة هذا البلد وخيرات هذا البلد وشعب ودماء وأعراض هذا الشعب في هذا البلد، هذا أيضاً ندفع ثمنه. اغتيال الحاج حسان يأتي في إطار الثأر للانتصارات السابقة، ويأتي في إطار ضرب مفاصل وأركان وأساسيات في قدرة المقاومة الحالية وجهوزية المقاومة الحالية على التطور.
وفي هذا السياق أيضاً كانت شهادة القائد العزيز الحاج عماد مغنية، كانت شهادة قادة آخرين، الشهيد غالب عوالي، الشهيد علي صالح، الشهيد أبو حسن ديب، الذين تم اغتيالهم في المراحل السابقة.
مشتبه من يتصور أن هؤلاء القادة الأعزاء قُتلوا على هامش المعركة أو خارج المعركة، وأن الذين يُقتلون في المعركة هم الذين يُقتلون في العمليات أو في الحرب. لا، هؤلاء قُتلوا في قلب المعركة، المعركة قائمة بأشكال متنوعة ومختلفة. هؤلاء قتلوا في قلب المعركة القائمة بيننا وبينهم. طبعاً، عندما نتحدث عن دفع الأثمان، فهذا بعض دفع الأثمان، في كوادرنا، في قياديينا، في دمائنا، في أرواحنا.
هناك أثمان اخرى يتم تدفيعنا إياها بطبيعة الحال، لأنه عندما نتحدث عن الانتصارات والهزائم السابقة، وعندما نتحدث عن قدرة وجهوزية المقاومة، هذا يخلق مشكلة مع قوى كبرى، مع اسرائيل، مع حكومات موجودة في المنطقة، مع ناس نظّروا لعشرات السنين للهزيمة ليستسلموا ونظّروا لعشرات السنين للضعف ليبيعوا فلسطين وبيت المقدس وكنيسة القيامة، وجاءت انتصارات المقاومة لتحرجهم ولتفتح آفاقاً مختلفة.
في كل الأحوال، دفع الثمن ليس فقط في أرواح ودماء الشهداء، بل دفع الثمن أيضاً في مكانة هذه المقاومة، قدسيتها لدى الناس، ثقة الناس فيها، معنوياتها، معنويات مجاهديها، معنويات جمهورها.
من خلال هذه الحرب الإعلامية الشرسة التي تنفق فيها مليارات الدولارات، هذه ليست مبالغة.
“قبل كم سنة فقط”، لنعاود تذكره، “فيلتمان” يقول، نحن دفعنا، هذه “من كم سنة” – وقتها خلصوا – 500 مليون دولار فقط لتشويه صورة حزب الله ولصرف الشباب اللبناني عن الإنتماء إلى حزب الله أو الإحترام لحزب الله.
ما هو المال الذي ينفق على وسائل الإعلام التي تضخ يومياً هذا الكم الهائل من الإشاعات ومن الأكاذيب ومن الإتهامات ومن الأضاليل للمسّ بجمهورنا، بإرادتنا، بمعنوياتنا، هو جزء منه موضوع سوريا. يعني عندما يأتي شخص كل يوم، يعني معقول إذا كل يوم يا أخوان يسقط لنا 200 شهيد، 300 شهيد في سوريا، يعني كم هو عديد حزب الله، لم ينتهِ بعد؟
ماذا يعني كل يوم بعض وسائل الإعلام اللبنانية والعربية ـ ويضعون ذلك تحت في الشريط (الإخباري) ـ أنه لا تنسى يا أخونا، يعني كذب على مدار الساعة.
إذا كان يحكيها في نشرة الأخبار، في النهاية كذبة ومرّت، يعود ويعيدها في النشرة الثانية ، كذبة ومرّت، لكن أن يضعها على مدار الساعة فهذا يعني كذب مستمر.
حسناً، كل يوم 50 شهيد، 70 شهيد، 200 شهيد، 500 شهيد، فقط في الأسابيع الثلاثة التي مضت، عندما حصلت مواجهة الغوطة الشرقية وكانت طبعاً مؤامرة ضخمة جداً وفشلت، فبعض وسائل الإعلام تكلمت ـ لبنانية طبعاً ـ ووضعوها في الشريط وكتبوا عليها مقالات، تحليلات، أن شهداء حزب الله وصلوا إلى 500 وهم يسيرون بسرعة إلى الألف، “على أساس أننا نلعب غُلل”، أنه 500 شهيد خلال أسبوعين ويسير بسرعة إلى الألف!
لا تتصوروا، أيها الإخوة والأخوات، أن هؤلاء لا يعرفون أنهم يكذبون، هم يعرفون أنهم يكذبون، وهم يتعمدون الكذب، ولكن هذا جزء من الحرب النفسية الموكلة إليهم، أنه عندما نأتي ونقول لجمهور حزب الله وللشعب اللبناني ولمحبي المقاومة، أنه “في “اليومين ثلاثة”، الجمعة الماضية يوجد 500 شهيد لحزب الله في الغوطة الشرقية”. طبعاً، يوجد أناس يتألمون، “أناس ينوهلون”، أناس يصدقون. المطلوب المسّ بالإرادة وبالمعنويات، أو القول لكم بأن تكلفة موقفكم غالٍ جداً جداً جداً، وعليكم أن تعيدوا النظر في هذا الموقف، لكن هم يعرفون أنهم يكذبون.
لبنان ضيعة مفتوحة على بعضها، الناس كلهم يعرفون عن بعضهم، إذا مات أحد أو استشهد أو قتل أو خطف أو غاب عن بيته، هل يخفى ذلك عن الناس أو وسائل الإعلام؟ ما هذا الحزب العظيم الذي يستطيع أن يخفي آلاف الشهداء عن أهاليهم وعن قراهم وعن مجتمعاتهم، هذا مثل.
هذه الحرب الشعواء التي تشاهدونها الآن وفي الماضي، هذه ليس لها علاقة بالخلاف على الحكومة، هذه ليس لها علاقة بالخلاف على الشأن السياسي اللبناني ـ حتى لا يشتبه أحد ـ هذه ليس لها علاقة بأنه اتفقنا على رئيس حكومة أو اختلفنا على رئيس حكومة، أو اتفقنا على قانون انتخابات أو اختلقنا على قانون انتخابات، هذا ظاهر القضية. الموضوع أعمق من هذا بكثير، الموضوع له صلة بالمقاومة وإرادة المقاومة ومشروع المقاومة وتسقيط المقاومة، تسقيطها معنوياً، ثقافياً، نفسياً عند أهلها، عند شعبها، عند جمهورها، هؤلاء يخوضون معركة تسقيط منذ سنوات، وأنتم تعرفون على كل حال أن بعض هذا الفريق في لبنان والعالم العربي، هو كان يناصب المقاومة العداء منذ أيامها الأولى، وهذا ليس جديداً، ولكن في كل مرحلة هو يبحث عن شعار، عن “آرمة”، عن “يافطة”، ليهاجم من خلالها المقاومة، لأنه لا يستطيع في بعض المراحل أن يهاجم المقاومة كمقاومة فيذهب إلى العناوين والشعارات الأخرى.
لذلك نحن نعتبر أننا ندفع هذا الثمن وأن هذه الأثمان هي جزء من المعركة، نحن نتفهم ذلك، نعتبرها جزءاً من المعركة. كما أننا في هذه المعركة نفترض في العمليات العسكرية أو في الحرب – كما حصل في 2006، أو في عناقيد الغضب 96 أو تصفية الحساب – كما يسمونها هم – في تموز93 ـ أنه سيسقط شهداء أيضاً على امتداد الطريق، عندما نكون نجهّز سيسقط شهداء، عندما نكون مصرّين على هذا الخط سيسقط شهداء، عندما نكون نتدّرب سيسقط شهداء. لذلك أحياناً يسقط شهيد في التدريب، نحن لسنا معنيين كلما سقط شهيد أن نقول أين ولماذا وكيف. نقول ذلك لأهله، هذا حقهم علينا. ونحن في هذا الأمر لا يمكن أن نبدل حرفاً واحداً من الوقائع مع عائلة الشهيد. أما في الإعلام، نحن لسنا معنيين أن نفصّل، طبعاً، حتى في الإعلام لا نكذب، لكن لسنا معنيين أن نقول شيئاً، نكتفي (بالقول إنه استشهد) أثناء واجبه الجهادي، لذلك يظهر أناس، هذا يقول استشهد في القلمون، وهذا يقول في التدريب، وهذا يقول في حادث سير… قولوا ما شئتم، لكن بالنسبة إلينا هذا الطريق الذي نسلكه ما زال طريق الشهادة، لأنه طريق المقاومة. مقاومتنا هي مقاومة الميدان، وليست مقاومة الصالونات والحياة المترفة والمرفهة، وإنما المقاومة التي قدمت الشهداء جاهزة دائماً لتقديم الشهداء من أجل تحقيق هذه الأهداف العظيمة والنبيلة.
ولذلك نحن نتحمل هذه الأثمان ونصبر عليها ونعتز بها ونعتبرها تضحيات ونقدمها قرابين لله عز وجل وهذه مشاعر عوائل شهدائنا. أنتم تزورون عوائل الشهداء، سواء من استشهدوا أو قتلوا في مواجهة اسرائيل، أو من استشهدوا أو قتلوا في مواجهة الجماعات الإرهابية في سوريا، أو من قتلوا واستشهدوا في السيارات المفخخة في لبنان، اذهبوا إلى عوائل الشهداء، لن تسمعوا إلا كلام واحداً “اللهم تقبل منا هذا القربان”، أليس هذا هو منطق عوائل الشهداء؟
أما كل ما يحاول ـ من أصحاب الحرب النفسية تلك ـ أن يتحدث عن توتر في جمهور المقاومة، عن تحسس، عن تشكيك، عن حالة غضب في داخل عوائل الشهداء، فهم يحاولوا أن يصنعوا (ذلك)، هذا من أكاذيبهم، هذه خيالاتهم، هذه أمانيهم، هم لم يروا شيئاً حتى الآن – أنا سأختم في موضوع سوريا – لكن أنا أحب أن أقول لكم الآن، هم عندما يتكلمون عن هذه الأعداد من الشهداء، كم هي أعداد المقاتلين أصلاً حتى تتكلموا بهذه الأعداد من الشهداء.
لكن في كل الأحوال من يحاول أن يشكك في تصميم وإرادة وعزم جمهور المقاومة وعوائل المقاومين ورجال المقاومة، أنا أقول لهم حتى هذه اللحظة، نحن ما زلنا نشارك في دائرة متواضعة ومحدودة ومسيرة ولم نصل إلى مرحلة، لا أن أعقد أنا إجتماعاً داخلياً أو أي من أخواني ليشجع المجاهدين على الإلتحاق في ساحة القتال التي نطلبها منهم، ولم أصل إلى مرحلة أن أخرج في خطاب جماهيري لأعلن تعبئة عامة، لم نصل إلى هذه المرحلة حتى الآن. وأنا أؤكد حسب معطيات المنطقة الميدانية والوقائع الميدانية وتحولات المنطقة الإقليمية والسياسية والدولية يبدو – حتى لا أجزم – أننا لن نحتاج إلى شيء من هذا في المستقبل.
خامساً: في الشق الأول:
اغتيال الحاج حسان اللقيس، هذه ليست حادثة عابرة بيننا وبين الإسرائيلي. لا يتوهم أحد، لا العدو ولا الصديق، ليست حادثة عابرة أنهم قتلوا واحداً من قادتنا وقُضي الأمر، وشيّعنا الشهيد، اللهّم تقبل منا هذا القربان. لا، نحن يوجد حساب مفتوح بيننا وبين الإسرائيلي، وهذا الحساب ما يزال مفتوحاً، وهناك حساب قديم وحساب جديد وهنا حساب يتجدد. وإذا كان الإسرائيلي يظن في موضوع التوقيت أنه هو اختار الوقت الذي يتصور فيه أن حزب الله مشغول و”معجوق” والوضع في لبنان لا معالم له والوضع في المنطقة “لا أعرف كيف”، وهذا يجعل الاسرائيلي خارج الحساب. أنا اليوم في حفل تكريم الشهيد القائد الحاج حسان اللقيس أقول لكم: أنتم مخطئون، هذا الحساب مفتوح منذ الشيخ راغب، منذ السيد عباس، إلى الحاج عماد مغنية إلى حسان اللقيس، وسيبقى مفتوحاً. القتلة سيُعاقبون، إن عاجلاً أم آجلاً، ودماء شهدائنا ـ كبيرهم وصغيرهم ـ لن تذهب هدراً في يوم من الأيام. الذين قتلوا إخواننا لن يأمنوا في أي مكان من العالم، لن يأمنوا، والقصاص آت، القصاص آت. عندما يكون هناك إرادة ويكون هناك قرار وتكون هناك الشجاعة المطلوبة يأتي زمانه الذي نحدده نحن، لأننا نحن وعوائل الشهداء أولياء الدم الذين نقتص من القتلة الحقيقيين، وليس من أولاد عمهم، نقتص من الحقيقيين وأنا اقول لكم: سنقتص من القتلة الحقيقيين.
في الشان السياسي، في الشأن اللبناني، وبعد ذلك أعود لأختم مع الحاج حسان رحمة الله عليه.
أولاً: نلاحظ في الآونة الأخيرة ـ على كل حال في المدة الأخيرة كان الوضع متشابهاً ـ لكن في الأسابيع، في الأشهر، في الأيام الأخيرة هناك تصعيد لهجة غير مسبوق باعتقادي من قبل الفريق الآخر، فريق 14 اذار.
المؤشر لهذا الأمر: نحن في العادة أنا وإخواني أن فلان وهو يخطب وقال (شيئاً)، عادة في الخطابات نحن وهم في النهاية كلنا بشر عندما يكون الشخص في موقع يخطب فيه، وخصوصاً حين يكون يرتجل، فيتأثر بالمحيط، بالبيئة والمجلس الذي يخطب فيه، ويمكن أن تأخذه العاطفة والحماسة والإنفعال وقد يشد في الموقف قليلاً. هذا الأمر يستطيع أي شخص أن يحسب له حساباً في مكان ما، لكن حين يكون هناك نص مكتوب ويُقرأ ومطبوع أيضاً، وليس مكتوباً فقط، والعالم بأكملها مجتمعة وموافقة على هذا النص، ذلك يعني أن هناك أمراً، شيئاً، توجهاً يمكن أن يُبنى عليه.
الذي حصل في إعلان طرابلس قبل أيام من قوى 14 اذار، هناك شي خطير جداً قيل، وأنا في رأيي هذا أمر غير مسبوق وجديد، وأنا لا أعرف ـ وفي حمقة الاحداث ـ كم تم التدقيق في هذه النقطة. أنا أقول جملتين، ومن ثم أعود للتعقيب عليهما، كي أقول كم أن هذا التوجه خطر ويجب أن يكون هناك التفات له. حين يتم الكلام عن ظاهرة التكفيريين والتطرف والتعصب والغلو من أي جهة (يقولون) “رفضنا ورفضنا..”، ثم يقولون “كما نرفض التطرف وشطط بعض غلاة الشيعة القادم من طهران عبر سياسة ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية، هذه السياسة التي أقصت وكفّرت وفجّرت وقتلت”.
لا أريد أن أناقش المضمون إن كان هذا صحيح أم خطأً، لأن هذا الكلام فارغ. لكن الاتهام ـ وأنت حين تقصد من تقصد؟ نحن. “يعني الحرف الأول من اسمه..” مفهوم من المقصود، نحن. حسناً حين تأتي أنت بنص مكتوب وهناك حشد من شخصيات وتعلن هذا النص، أنت ماذا تقول؟ أنت تصف خصمك السياسي بأنه (كذا)، أنتم وصفتمونا أننا تكفيريون وأننا إقصائيون وأننا مفجرون وأننا قَتَلة. هذا الكلام ما المقصود منه؟
هناك فرضيتان
الفرضية الأولى “يعني خلص” أنتم تبنون مع فريقنا، أو معنا نحن، حتى لا أعمم، فلنتحدث عن حزب الله بالتحديد، أنتم بالنسبة لكم، لا بعد في خيالكم ولا بتصوركم أنه في يوم من الأيام نحن وأنتم نجلس على طاولة حوار واحدة أو نشارك في حكومة واحدة، ضمن أي صيغة من الصيغ 9 ـ 9 ـ 6 أو غيرها. علينا أن نفترض، وهذه واحدة من الفرضيات، أن هذا الخطاب خلفيته إقصائية، خلفيته تكفيرية، خلفيته إلغائية، وبالتالي المقصود من هذا الخطاب هو إعلان حرب. حسناً، قولوا لنا ذلك حتى لا نضيّع وقتنا.
إذا كان هذا الخطاب مقصود فيه أنه “خلص، خط رجعة ما فيه”، وبالتالي تم “تصنيف” هذه الجهة، الجهة المهمة في لبنان، الجهة الكبيرة في لبنان ـ أنا بالشخصي أتواضع لكن أنا لا يحق لي أن اتواضع عن المقاومة وعن هذه المسيرة وعن هؤلاء الشهداء وعن هؤلاء الناس، لا ـ إذا هؤلاء “خلص” شطبوا من الحسابات اللبنانية، وبالتالي القرار هو إقصاؤهم، إلغاؤهم، وبالتالي صدرت فتوى بتحليل دمهم باعتبارهم قَتَلة وباعتبارهم تكفيريين، باعتبارهم غلاة، باعتبارهم تفجيريين “دعونا نفهم هذا الموضوع”. إذا كان هناك إعلان حرب قولوا لنا، إن كان هناك إعلان حرب، نحن “ترى ما بدنا نعمل حرب معكم” و”نحن مش فاضيين لكم” ونحن معركتنا مع الإسرائيلي لكن “ما حدا يلعب معنا”، لكن نحن “ما حدا يلعب معنا”، شو خلفية هذه الكلام، نحب أن نفهم؟
الفرضية الثانية: أنه لا، المقصود أن هذا جزء من الحملة والضجيج الإعلامي والضغط الإعلامي والضغط السياسي والضغط النفسي، نأتي لحزب الله ونقول له أنت متطرف وأنت تكفيري وأنت قاتل وأنت وأنت حتى يتراجع و”يزمّ” ويضعف ويتنازل ويسلم لنا بما نريد.
حسناً، إذا كان هذا هو الهدف فاحترموا عقول جمهوركم وعواطفهم وقلوبهم. أنت عندما تخرج أمام كل الناس من جمهورك وتقول: هؤلاء تكفيريون قتلة مفجرون، غلاة، فلان فلان فلان، وفي اليوم الثاني يرونه جالس معنا، “احترم حالك شوي، احترم عقلهم شوي”. طبعاً أنا في هذا السياق، حتى لفريقنا السياسي، أنا ادعو كل الأطراف السياسية في لبنان، إنه مهما كان التصعيد بالخطاب فلتترك الناس مكاناً للصلح، كما يقال “خلّي خط رجعة”.إلا إذا وصلنا إلى مكان كلنا بتنا مقتنعين: “خلص، عيش مشترك ما فيه”، إمكانية تعايش لا يوجد، إمكانية شراكة “ما في إمكانية”، تعايش سلمي “ما فيه إمكانية” بتنا نعمل بحالنا في لبنان كما يحصل في بقية البلدان العربية، فهذا بحث آخر.
لكن طالما هناك قناعة أو ثقافة أو إرادة أو بعض قناعة أو ثقافة أو إرادة أنه لا، في لبنان في نهاية المطاف سنكون سوياً ونجلس إلى طاولة حوار ونشارك معا في الحكومة سوياً وندير البلد سوياً فلنبقِ نحن وغيرنا، وهم فليبقوا مكاناً للصلح احتراماً لعواطف الناس وعقول الناس وإرادة الناس، أيضا إحتراما لكراماتنا، لأنه عندما نوجه لبعضنا هذا المستوى من الصفات الخطيرة والحادة، ما هو المنطق الذي سيجعلنا لاحقاً نجلس مع بعضنا البعض؟.
النقطة الثانية بالشأن اللبناني: أود أن ألفت لموضوع الجيش.
الإعتداءات التي تعرض لها الجيش اللبناني وحواجزه في الآونة الأخيرة لا يستهين بها أحد، ولا يستهيننّ أحد بهذا الموضوع.
أنا اقول لكم بكل صراحة، نحن حزب الله، في اليوم الأول والثاني والثالث لم نصدر بياناً ولم نعلّق حتى لا يقول أحد إننا نستفيد من هذه الحادثة، وتعرفون المناخ المذهبي والطائفي الموجود في البلد، المدينة، مدينة صيدا، طبيعة الشباب الذين سقطوا قتلى، كل هذا نحن نأخذه بعين الإعتبار، ونحن حريصون جداً أن لا يا أخي، نحن في أي مكان من الأماكن لا نود “رش ملح على الجرح”. في أي مكان نستطيع تقطيب الجرح نقطبه، هذه مصلحتنا كلنا سوياً، هذه ليست مصلحة حزبية وطائفية ومناطقية، هذه مصلحة البلد.
لكن من زاوية ثانية لا يجوز أن يقلل أحد من خطورة ما حصل، لأنه بالبعد الفكري ـ والكل يفهم عليّ ما أقصد ـ بالبعد الفكري والبعد العقائدي والبعد المعنوي والبعد الروحي هذا خطير جداً، ما حدث بدلالاته هذا خطير جداً. هذا أخطر من تفجير السفارة الإيرانية أو وضع سيارة مفخخة في البقاع أو بيروت أو في الضاحية أو قصف بالصواريخ على الهرمل، وأمس قالوا بين القاع ورأس بعلبك “لا ادري أين بالتحديد”، هذا أخطر بكثير.
لذلك نحن ندعو أولاً إلى التوقف والتأمل، “ما حدا يأخذها” لا بالعصبية ولا بالخصومة السياسية ولا بالانفعال. لا، نحتاج لوقفة حقيقية وتأمل اللبنانيين جميعاً، القوى السياسية، الشعب اللبناني، بالنهاية الحادثة خطرة، هذه يمكن أن تكون بداية مسار.
ثانياً: نحن ندعو إلى حماية المؤسسة العسكرية، لسبب بسيط ـ هذا ليس طعناً ببقية المؤسسات ـ لأنه كما كنا نقول في السابق المؤسسة التي ما زال عليها اجماع وطني. بقية المؤسسات في النهاية يتم تصنيفها ـ للأسف صح خطأ، هذا موجود في البلد ـ صار يتم تصنيفها طائفياً ومذهبياً. مؤسسة الجيش ما زالت تحظى بالاحترام الوطني وبالإجماع الوطني بنسبة كبيرة جداً.
بأدبياتنا، أنا اقول هي بقية الدولة، يعني إذا لا سمح الله، مؤسسات تعطلت أو انهارت وبقي الجيش، يمكن على هذا الجبل أن نسند ونعيد البناء، لكن إذا هذا تم تمزيقه وتشتيته وتضعيفه وتسقيطه لا يبقى شيء، البلد كله يضيع، والناس كلها تضيع.
كذلك المطلوب هنا حماية هذه المؤسسة، إبعادها عن التهديد وعن الخطر، وأيضاً عدم التشكيك بها، وأنا هنا أود أن اقترح شيئاً على اللبنانيين، على القوى السياسية والمرجعيات الدينية، علينا وعلى غيرنا: أنا لا أقول إننا نحن في السابق لم نوجّه ملاحظات علنية للمؤسسة العسكرية، لا. لكن أنا أقترح من الآن فصاعداً، نتيجة خطورة الوضع الذي نمر به في لبنان والمنطقة، ونتيجة أن الجيش اللبناني هو خشبة الخلاص، بل هو في الحد الأدنى حزام الأمان المتبقي لهذا الوطن وهذا الشعب، لنعمل على حراسته ونحافظ عليه وحتى إن كان لدينا ملاحظات أو لدينا انتقادات نحن أو غيرنا، مثلما نفعل حالياً، يذهب وفد نواب أو مسؤولين، يزور قائد الجيش أو المسؤولين في قيادة الجيش، ويقول له يا أخي نحن لدينا هذه الملاحظات، هنا على الحاجز تقسون على الناس، هنا داهمتم ولم يكن هناك داعٍ للمداهمة، هنا تضعون حاجزاً لا يفتش، لدينا ملاحظات نقولها لكن لا نقولها في الإعلام، لنلتزم بهذا، لنبقِ هذه المؤسسة محفوظة بكرامتها وبمصداقيتها وبثقة الناس بها حتى نستطيع أن نبني عليها للمستقبل.
كلنا نعرف إذا سقطت مصداقية هذه المؤسسة وتمزقت ضاع كل شيء، اليوم بالحد الأدنى ما زال هناك أحد، إذا اختلف حيّان أو تشاجرت عائلتان أو حزبان أو منطقتان، وأطلقوا النار على بعضهم، هناك جهة موثوقة تستطيع أن تقول للعالم “يا أخي انضبوا في بيوتكم”.
أحياناً يُطالب الجيش اللبناني بالحسم العسكري. في بلد مثل لبنان هذا ليس سهلاً، لكن “كتّر خير الجيش اللبناني أنه يقبل ان يلعب هذا الدور الإطفائي”.حسناً، إذا خرّبنا اطفائيتنا، كيف نطفئ النار ونرى المنطقة من حولنا ملتهبة.
ثالثاً: في مسألة الحكومة: ما زلنا نعتقد بلزوم تشكيل حكومة سياسية جامعة، حكومة وحدة وطنية حقيقية.
وحكومة الحياد في رأينا هي حكومة خداع. في لبنان لا يوجد حياديون، لا حياديين.
واحد يختلف معك بالسياسة هو سياسي هو مفكر مثقف فنان ـ مش هيك؟ ـ أي شيء، ويحظى باحترام واسع، ربما قناعته تختلف عن قناعتك، بالموضوع السياسي يختلف معك لكن بالعاطفة الشخصية ربما يحبك، الآن “فيه ناس يحبون ناس” يختلفون معهم بالسياسة، مرة يحبه بسبب شخصيته، سلوكه، تضحياته، الخ.
نحن وصلنا إلى محل في البلد، من يودون إنشاء حكومة حيادية، اذا واحد قال أنا أحب فلاناً “تخرب الدنيا”. أين الحياديون في لبنان؟
“ممنوع حدا يحب، يا إخوان ممنوع حدا يحب حدا”، “ممنوع حدا يحترم حدا”، ليس مقبولاً أن يكون أحد مقبول بالنصف، هذا الوضع في لبنان، “هيك ممنوع”.
ولذلك سريعاً يتم تصنيف الناس وحرق الناس والهجوم على الناس وهتك حرمات الناس، ويقال هناك حياديون، وتودّون تشكيل حكومة حيادية؟ هذا خداع وهذا تضليل.ونحن لا ننصح أحداً بالاقدام على تشكيل حكومة أمر واقع، ونقطة على أول السطر.بديل الفراغ الحكومي هو تشكيل حكومة المصلحة الوطنية، يعني الحكومة السياسية الجامعة، التي لا تقصي أحداً. الشجاع، الجريء، هو الذي يقف في لبنان ويقول: أنا ساشكل حكومة وحدة وطنية، شاء من شاء وأبى من أبى. من يود أن يكون بطلاً “يعمل على الدول الإقليمية بطلاً”، يخرج ويقول للسعودية توقفي عند حدك ولغير السعودية توقفي عند حدك، إذا إيران تود أن تعطل يقول لإيران قفي عند حدك، إذا سورية عطلت يوقفها عند حدها.
(يقول) “أنا من موقع صلاحياتي الدستورية أرى بأن خلاص لبنان في هذه المرحلة الخطرة هو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وسأشكل حكومة وحدة وطنية”، هذه المسؤولية الدستورية، هذه المسؤولية الوطنية، هذه الشجاعة، هذه الجرأة، هذه الرجولة، وليس الهروب إلى حكومة حيادية تحت أي عنوان من العناوين.
يكفي البحث في الحكومة.
رابعاً في استحقاق الرئاسة:
طبعاً هناك استحقاق مهم جداً للبنان، وليس هناك من داع لشرح كم هو مهم: الاستحقاق الرئاسي، كم هو مهم أنه في 25 أيار المقبل أن يكون لدينا رئيس جمهورية جديد، وأثّر هذا الأمر على تشكيل حكومة وعلى قانون انتخابات جديد وقانون انتخابات نيابية مقبلة وملء الفراغ في إدارات الدولة واستنقاذ البلد وووو…إلخ.
هذا من البديهيات التي يعرفها كل لبناني، لكن للأسف الشديد، بدل أن تذهب القوة السياسية من الآن للعمل الجاد لإنجاز هذا الاستحقاق، نقوم باتهام بعضنا من الآن بالفراغ، هذا يريد الفراغ وذاك يريده وذاك… يا أخي لم نصل إليه بعد ! أنا شخصياً لا أعتقد أن أحدنا في لبنان يريد الفراغ في الرئاسة، لا أحد، حتى المتشددين من قوى 14 آذار، ولا يوجد أحد من قوى 8 آذار أو من بقية الحلفاء يريد الفراغ في الرئاسة، لا أريد ذلك ولا أعتقد ذلك، ومصلحتنا جميعاً أن يكون هناك رئيس جمهورية، هذا أولاً.
ثانياً، يكون من الطبيعي أن كل فريق سياسي يسعى، يطمح، يأمل أن يكون الرئيس المقبل من فريقه، يحقق طموحاته وأهدافه وتطلعاته التي يرى فيها مصلحة لبنان، هذا أمر طبيعي، لا يمكن لأحد أن يسلب من الآخر هذا الحق، هم لديهم الحق كما نحن نفكر بهذه الطريقة، هذا حق طبيعي.
ثالثاً، اللبنانيون اليوم أمام فرصة تاريخية، فرصة اللبنانيين اليوم هي التالية:
إما أنهم قادرون بالكامل و 100 % وبإرادة لبنانية داخلية وطنية 100 % أن ينتخبوا رئيسهم، يعني هذه الفرصة متاحة، أو اذا لم نقل بهذا المقدار ولم نبالغ، فبالتأكيد اللبنانيون يملكون اليوم هامشاً من حرية القرار الداخلي كبير جداً لم يسبق له مثيل في الماضي بسبب الوضع الإقليمي والوضع الدولي. حسنا، هذا الأمر يضع القوى السياسية والقيادات السياسية في لبنان أمام استحقاق كبير، ان هذه القوى السياسية وهذا الشعب اللبناني وهذه القيادات جديرة بأن تدير البلد بدون وصايات خارجية، بدون رعاية إقليمية ودولية.
يعني “على طول” نحن نخوض مع بعضنا أحياناً معركة سيادة، هذا يوصّف نفسه بانه سيادي وذاك يقول عن نفسه بأنه سيادي. يعني ـ بين هلالين ـ مثلاً من يومين عندما كان السفير الفرنسي في بيروت يقول إن فرنسا إذ خيّرت بين الفراغ والتمديد فهي مع التمديد لرئيس الجمهورية “ما حدا من السياديين فتح فمه، شو خصّ فرنسا”! لا زال اللبنانيون يتناقشون بالموضوع، لماذا أنت في عجلة من أمرك؟ هو يظن أن فرنسا ما زالت الأم الحنون، هي من تمدّد وتجلس وتعدد وتعيّن وتنتخب، والناس تقف في الصف.
لا نريد أن نعتب، ولكن.. على كلّ.. حسناً..
معركة السيادة ليست شعارات، السيادة الحقيقية بالاستحقاق الرئاسي أننا نحن اللبنانيين جديا ننتخب رئيساً دون أن نتلقى كلمة سر من أي دولة في العالم، لا صديقة ولا إقليمية ولا دولية، حسناً، هل أنتم جاهزون لذلك؟ هل أنتم جاهزون بأن نقوم نحن بهذا كلبنانيين؟
هذا إسمه استحقاق جدارة (السيادة) وجدارة الاستقلال، اذا لم تكونوا جاهزين هذا يعني ان هذه كلها شعارات فارغة. هذا امتحان كبير، إذا استطعنا أن نتحول “نحن لدينا تحالفات وصداقات وعلاقات” لكن اذا استطعنا نحن في هذا الاستحقاق أن يكون لنا قرارنا الداخلي الذاتي ونمارس قناعتنا دون أن نتعرض لأي ضغط، ودون أن نقبل أي ضغط، إذا تصرفت القوى السياسية في لبنان بهذه الطريقة يكون هذا تأسيس حقيقي لحياة سياسية جديدة. أستطيع أن أقول بأنه في حال نجحنا في هذا في 25 أيار 2014 حينئذ سيكون 25 أيار 2014 ليس فقط عيداً للمقاومة والتحرير بل عيد لتأسيس السيادة وعيد حقيقي للاستقلال، ولكن هذا يتطلب جدارة.
حسناً، في الآخر بالاستحقاق الرئاسي، بدل التلهي بالاتهامات، وكل واحد يتهم الآخر بأنه يريد الفراغ ـ لا أحد يريد الفراغ ـ تفضلوا نعمل، أو فليعمل كل واحد اتصالات، ونضع خارطة طريق جيدة توصل إلى إنجاز هذا الاستحقاق، لا نضحك على بعضنا البعض و”ندفشّ بالأمور”، هل نحن نريد أن نقوم بالاستحقاق جدياً؟ هل نريد أن ننتخب رئيساً جدياً؟
كيف يمكننا أن ننجز هذا؟ بالأخذ بعين الاعتبار كل الظروف التي توجد في البلد. نحن في حزب الله نرفض الفراغ بشكل قاطع ونرى أن بديله الوحيد هو انتخاب رئيس جديد في الموعد المحدد وسنبذل كل جهدنا ومع حلفائنا لتحقيق ذلك، ومن الطبيعي أن يكون للفريق السياسي الذي ننتمي إليه، أن يكون له مرشح قوي ومناسب وملائم لهذه المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة بل والعالم.
خامساً: في مسألة التواجد بسورية أريد أن أتكلم عن الموضوع بكلمتين ونختم مع الشهيد القائد.
سابقا أنا وإخواني شرحنا بما فيه الكفاية سبب وجودنا في سورية، ولماذا ذهبنا ومتى ذهبنا ومن ذهب قبلنا ونحن آخر من ذهب وما هي طبيعة المعركة هناك، وكيف تغيرت المعطيات وماذا كانت القصة في البداية في سورية، ولاحقاً كيف تدحرجت. حتى أهل الانتفاضة أو الثورة أو المعارضة، سمّوها ما شئتم، هم يتحدثون أنها سرقت.
يعني نريد أن نناقش من البداية. حسنا بالبداية نناقش أنه صحيح أو خطأ، فلندع ذلك “على جنب”، لاننا الأن نحن أبناء الساعة، الآن ما هو موجود في سورية، ما هو؟ ما هو تقييمكم للموجود في سورية؟
لا يتكلمنّ أحد “إنشاء عربي”، فلنتكلم على الأرض، ولنحكِ الواقع، ولا يتكلم أحد بالأوهام، دعونا نحكِ حقائق ميدانية ومعطيات ميدانية وحقيقية، فأتمنى أنه عندما نريد أن نتكلم بالمسألة السورية، أن لا نعود إلى الأول.
أخي العزيز، أقصى شيء يمكن أن يقوم به الشخص في تقييمه بأن يقول هذا خطأ، حسناً، نحن “سنسلم أننا مخطئون”، ولكن راهناً ما هو الوضع؟ أقول لك إنك أنت مخطئ، حسناً، أنت في البداية كان الحق معك وأنا مخطئ، أما الآن فأنا معي الحق وأنت مخطئ، ولكن الآن فلنتكلم بما هو موجود الآن. من يحاسبنا على الأول، يحاسبنا أو يحاسبكم بالذي يكون فيه مخطئ، في الدنيا وفي الآخرة، الله يحاسب الجميع ولكن باللحظة الحالية بالمعطيات الداخلية الحالية في سورية، المعطيات الأمنية الحالية في سورية، بعناوين الحرب التي باتت مكشوفة في سورية، بالهويات التي باتت معلنة في سورية، بالأهداف التي ليست بحاجة إلى دليل، بالأداء، بالسلوكيات، التهديدات، التي يمثّلها الوضع في داخل سورية.
يوجد شيء في الأدبيات الموجودة في لبنان خاطىء، عندما يُحكى عن تهديد الأقليات، كلا، هذ الاتجاه التكفيري ليس تهديداً للأقليات، هذا تهديد لكل من سواه، وانتبه هنا جيداً، ليس لكل من سواه فكرياً، يعني ممكن شخص آخر يكون لديه نفس الفكر وتكفيري مثله وقاعدة مثله ولكن تنظيم آخر. ألا تسمعون عن القتال بين داعش وجبهة النصرة، وكلاهما تكفيري قاعدي يبايع أميرا واحداً وهو أيمن الظواهري، وينتمي إلى مدرسة واحدة وإلى مؤسس واحد ويتبنى أدبيات واحدة ويطرح أهدافاً واحدة، “هلأ جبهة النصرة أمس قاموا بتعديل الخطاب قليلاً”، هذا لديه علاقة بجنيف 2 إلخ.
حسناً، ألا تسمعون، ألا ترون ماذا يفعل هؤلاء بهؤلاء؟ كيف يقتل بعضهم بعضاً، ويسبون نساء بعضهم البعض، ويسفكون دماء بعضهم البعض، وينهبون أموال وممتلكات بعضهم البعض.
أنا لا أتحدث هنا عن أقليات، أنا لا أتحدث هنا عن بقية السنّة الذين هم البدن الاساسي في هذه الامة، أتحدث عن من ينتمون إلى فكر واحد وأمير واحد ومدرسة واحدة وبيعة واحدة، حسب أدبياتهم، مشروع واحد وأهداف واحدة، هكذا يفعلون، هل هذا بحاجة إلى دليل ؟ هذا ليس بحاجة إلى دليل. ننزل لكم على الإنترنت، وهل أنت رأيتهم؟ كلا لم أرهم بل أتوا بهم على التلفزيون، هل هناك دليل أكثر من ذلك؟
على ضوء المعطى الحالي، من الواضح أنّ ما يجري في سوريا يشكل تهديداً للشعب السوري ولأغلبية الشعب في سوريا ـ وهذا الذي يقول لك: تقتلون الشعب وتحاربونه، (أقول له) من الذي يقتل الشعب ومن الذي يحاربه؟ ـ ويشكل تهديداً لكل لبنان ولكل المنطقة وللقضية الفلسطينية، ويشكل تهديداً للسنّة كما يشكل تهديداً لكل الطوائف والأقليات والمذاهب الدينية.
قرية عدرا العمالية، ظهر في الإعلام أنهم قتلوا علويين وقتلوا مسيحيين، لكنهم قتلوا سنّة أيضاً، الذي يجري في سوريا قتل طائفي؟ كلا، الجزء الأكبرمن الجيش السوري الذي يقاتل والذي يُستشهد والذي يقتل ويُقتَل ويُقطَع رأسه ويُفتَح صدره هو من الطائفة السنية الكريمة، فالموضوع ليس طائفيّاً ومذهبيّاً، هناك عقل تكفيري يستهدف كلّ من سواه، لا يلتبس عليه أحد هذا الموقف و”يغلط” بالتقييم، لذلك الشرح وافٍ بهذا الموضوع.إنّ وجودنا في سوريا، بمعزل عن حجمه والمبالغات فيه ـ وقد شرحت هذا الموضوع فلا أعيد ـ لكن صار هذا الموضوع الآن نقطة الخطاب الإعلامي السياسي ومركز التحريض اليومي والساعاتي.
فيكل خطاب يظهر أنّ كل ما يجري في لبنان سببه الحضور في سوريا، هذا في المنطق (يقال له) : ما ليس بعلّة علّة، ما ليس بسبب سبباً، كل ما يحصل الآن في لبنان سببه الوجود في سوريا، لماذا لا يوجد حكومة؟ لأنّ حزب الله طلع إلى سوريا، لماذا لا يوجد قانون انتخابات؟ (لأنّ) حزب الله في سوريا، لماذا الوضع الإقتصادي هكذا؟ (لأنّ) حزب الله في سوريا، لماذا نفق طريق المطار أصبح بحيرة عائمة؟ لأنّ حزب الله في سوريا، هذا طبعاً غير منطقي والدليل أنّه قبل أن يصعد حزب الله إلى سوريا هل كان لدينا حكومة؟ هل كان كان لدينا قانون انتخابات وأجرينا انتخابات نيابية والأمن مستتب والتعايش في لبنان، ما شاء الله، والحوار الحضاري قائم ولا أحد يهجم على أحد ولا أحد يقتل أحداً، ولا يوجد تكفيريون ولا يوجد سيارات مفخخة ولا يوجد قتل للجيش اللبناني، كل لبنان كان “ولا أحلى من هيك” قبل أن يصعد حزب الله إلى سوريا، وبعد أن صعد حزب الله إلى سوريا صار كل الذي صار! هذا تدجيل. الآن يرجع حزب الله من سوريا إلى لبنان فكل الأمور تُحل. من يقول هذا، هذا غير صحيح.
من الواضح أنّ الهدف من هذا الضغط كله إيجاد حالة (بلبلة) لدى حزب الله، أنّه يا شباب..
(أقول لهم): تضيّعون وقتكم على الفاضي، وتصرفون مالاً على الفاضي وتتعبون أعصاب جماعتكم على الفاضي وتستنزفون أنفسكم على الفاضي، فلا فائدة.
نحن عندما كنّا في المقاومة ثلاثة أرباع العالم كان يسبّنا في الخارج، نحن إرهاب ومنظمة إرهابية، وموضوعون على لوائح الإرهاب، ومحارَبون ومصادَرون، ومن يتصل بنا يزج في الحبس، هذا لم يغير شيء من موقفنا وقناعتنا.
والآن أنا أقول لهم: ما ستقولونه وما قلتم وما ضغطتم، هذا لن يغيّر من موقفنا في موضوع سوريا، لأنّ موضوع سوريا في نظرنا هو معركة وجود، وليس معركة امتيازات مثل ما يقولون: ليس شرط كمال، هو شرط وجود، وهو ليس معركة وجود لنا ووجود لحزب الله، بل هو معركة وجود للبنان ولسوريا ولفلسطين وللقضية الفلسطينية ولكل مشروع المقاومة في المنطقة.
ولذلك هذه القناعة وهذه الإرادة لا تهتز، لأنّ هناك أناساً من الصباح إلى المساء، كل يوم، يسبوننا باستمرار.
وأنا دائماً أقول لبعض الإخوان: لماذا تستمعون لهم، إذا هناك أمر جديد (عندهم) نقرأه ونسمع له، وهل هناك على أحد تكليف شرعي أن يسمع يوميا مسبّتهم ليل نهار!
هذا لن يجدي نفعاً، قرارنا نهائي وحاسم وقاطع، ولا يقدم به شيء ولا يؤخر به شيء.
ذهبوا أمس ليركّبوا قصّة الألف شهيد، وقد قلت أنا لا يوجد هكذا أعداد، وأنا غير ملزم ولا أحد في حزب الله ملزم أن يقدم كشف حساب لأحد، والذي يريد العد فليذهب وليعد، ونحن غير ملزمين بالعد.
ذهبوا ليثبتوا أنّ هناك هذا العدد وعملوا حملة الألف شهيد، أتوا بالأحياء ووضعوا صورهم ولا يزالون أحياء يرزقون، وهناك أناس استشهدوا في المعركة مع إسرائيل وضعوا صورهم، والآن الحملة توقفت لأنّهم من أين سيجدون الألفّ! لا يوجد، لكن انظروا إلى قدر الإساءة الكبيرة، قد يجوز أن تختلف مع شخص وتقولون الكلام ويهجم عليك وتهجم عليه وتصفه ويصفك ويمكن أن تسبه ويسبّك، لكن أن يدق بالعرض ـ ونحن عموم المشرقيين والعرب مسلمين ومسيحيين ننظر إلى الأمر بهذا الشكل ـ فما دخل العرض؟ نحن شهداؤنا عرضنا، مفهوم؟ الذي يسيء لهم يسيء لعرضنا، لا أحد يلعب هذه اللعبة، واتركوا الشهداء على جنب.
أنتم موجودون ونحن موجودون، ولكم لسان يتكلم ولنا لسان يتكلم، اتركوا الشهداء “على جنب” فهم لهم كرامتهم واحترامهم. الغريب أنهم يطالبوننا باحترام شهدائهم، ونحن نحترمهم، لكن هم غير جاهزين أن يحترموا شهداءنا ولا مشاعر عوائل شهدائنا.
على كل الأحوال، أنا أقول إنّ هذا الأمر لا يقدّم أو يؤخر ـ وهناك أمر أحب أنّ أعقب عليه وإن كنت لا أعتبره كلاماً جديّاً ـ لكن من أجل إذا كان أحد يفكر به في مكان من الأمكنة ـ سمعت من عدة أيام أحد نواب 14 آذار يقول أن: فلينسحب حزب الله من سوريا وليشكّل الحكومة التي يريد، وأنا رأيت العنوان ولم أقرأ النص، وهل يضع شروطاً زائدة في النص لا أدري، لكن لفتني العنوان، يعني هل هذا هو مقدار قصة وجودنا في سوريا وأنتم مهتمون بهذا الموضوع، حسناً إذا نحن يقتل لنا مئتان وخمسمئة وألف وألفان وثلاثة (آلاف شهيد) “ليش أنتم زعلانين؟”، “عن جد قلبكم محروق علينا؟”، أم أنتم شامتون بنا عندما تقولون مئتين وثلاثمئة وخمسمئة ويسير سريعاً نحو الألف، تضعونها لثلاثة أيام في شريط الأخبار، هذه شماتة أو حرقة قلب علينا؟
إذا حرقة قلب علينا فنحن ممنونون، وإذا شماتة فلا داع لهذا الموضوع.
بكل الأحوال، يقول لك فلينسحب حزب الله من سوريا وليشكّل الحكومة التي يريد، أنتم مشتبهون، الموضوع في سوريا بالنسبة لنا ليس موضوع سلطة في لبنان، ولا موضوع حكومة في لبنان، ولا موضوع امتيازات، الموضوع أكبر من ذلك وأعمق من ذلك وأهم من ذلك وأخطر من ذلك، وهذه لعبة السلطة أذكّر كبارهم وقد لا يعلم صغارهم وقد يفاجأ صغارهم، أنّه عام 2005 عرضت علينا كل السلطة على أن نساوم على المقاومة وما ساومنا لأنّه في المكان الذي توجد فيه قضية كبيرة تصبح السلطة تفصيلاً. و”نحن ولا يوم كنّا طلاب سلطة”، ولا تعني لنا السلطة شيئاً، ولذلك عندما يكون هناك معركة وجود ومعركة مصير أمّة ومصير منطقة ومصير مقدسات لا يلعب أحد معنا لعبة صغار اسمها سلطة ووزارات وحكومة.
مسألة وجودنا في سوريا هذا سياقها، سياقها الإستراتيجي الكبير، هذه ليست قضية خصومات داخلية، يعني أنا أقاتل في سوريا لأجل أن لا تتغلبوا عليّ في لبنان، كلا.
أنا أقاتل في سوريا لأنه يوجد مصير سوريا ولبنان وفلسطين وكل المنطقة، يوجد مصير مقدسات هذه الأمة.
نحن جاهزون لمناقشة هذا المنطق، ولم نقل كلا، عندما قيل على طاولة الحوار إن هذا الموضوع من موضوعات النقاش بمبادرة دولة الرئيس نبيه بري قبلنا، لاننا جاهزون لنناقش، تعالوا لنقيّم ما الذي يحصل في سوريا، وما هو الملف الصحيح، لذلك انا اتمنى أن يتم إزاحة هذه الشماعة قليلاً، ويتم وضعها على جانب، لديكم الكثير من الأمور للتحدث بها.
لديكم سلاح المقاومة ـ ماشاء الله تظلون تتحدثون به باستمرار ـ ولكن هذا الموضوع أنا أقول إنه لن يوصل إلى نتيجة ولا يؤدي الى نتيجة، هذا الجو الذي يحصل في البلد، هذا التحريض، هذا الخطاب العالي المرتفع الذي لا يترك فرصة..
أنا يؤسفني أن أقول لكم عبر الشاشة ـ وكل اللبنانيين يسمعون ـ انا سوف أتحدث قليلاً بقلق: يبدو أن هناك في مكان ما ـ ليس من العالم ـ بل من الإقليم، من وصل إلى مرحلة، نتيجة غضبه وحقده وفشله وانسداد الآفاق في وجهه، يريد أن يأخذ البلد إلى التفجير. يقلقني أن أقول هذا، يؤسفني أن أقول للبنانيين هذا، لذلك يجب الحذر، لذلك قلت بموضوع الجيش أنه يحتاج إلى وقفة تأمل كبيرة.
يجب أن ننتبه من أن يكون هناك شيء جديد في المنطقة اسمه “أحد لم يعد يرى أمامه”، كان ما يزال يرى قليلا أمامه لانه يتأمل بالنصر في سوريا، إذن حيّدوا لبنان، طوّلوا بالكم في لبنان، ضعوا الجيش اللبناني جانباً، تريدون أن تفلتوا؟ افلتوا على حزب الله، على بيئة حزب الله..
لكن القلق والخشية أن يكون هناك أحد ما (هل أقول لكم الحرف الأول من اسمه؟!)، أن يكون هناك أحد ما قد أُغلقت الأمور بوجهه، لا يوجد أفق، لا يوجد نجاح، لا يوجد إمكانية انتصار، لا يوجد أمل ـ طبعاً أمل لديهم، لأن حركة امل موجودة وبعيوننا وبقلبنا ـ فيأخذ الأمور كآخر همه: لبنان؟ وما الفارق؟؟ فليخرب لبنان… فلتخرب كل الدول الأخرى، وليس لديه أي مشكلة، هؤلاء جالسون في قصورهم، يأكلون ويشربون ويتنعمون ويسافرون “ويشمون الهواء” ويسبحون ويبحرون باليخوت، وما الذي يفرق لديهم؟ أن هناك ملايين النازحيين يعيشون بالخيم، وجرفتهم السيول، وماتوا من الجوع، ويموتون من البرد، فما الذي يقدم ويؤخر يعني؟ أنه يوجد بلد يتدمر، أو بلدان أو ثلاثة بلدان، فما المشكلة لديهم؟
أنا هنا أدق ناقوس الخطر وأقول كلا، يوجد شيء جديد يتطلب من المسؤولين اللبنانيين ومن القيادات السياسية وأيضاً من وسائل الإعلام التي تلعب دوراً مهما وكبيراً أن ينتبهوا، هناك شيء جديد، يوجد خطر جديد، يتطلب الدقة منا جميعاً في التعاطي مع المرحلة، يتطلب تحملاً، يتطلب صبراً، يتطلب أن لا نماشي خطط تفجير في حال هناك أحد قادم على خطط تفجير من هذا النوع، وبالتالي يجب أن نحمل كلنا معاً المسؤولية.
في كل الأحوال هذا ما أحببت أن اقوله، شهيدنا القائد الحاج حسان اللقيس كما في حياته (هو) في شهادته، بل بعد شهادته اذا كان مجهول الاسم في العنوان العام، في الإعلام العام، هو بات رمزاً كبيراً من رموز هذه المقاومة، من قادة هذه المقاومة الشهداء، المضحين، المجاهدين، الدؤوبين، الذين كان لهم فضل كبير جداً على الانتصارات الكبرى التي حققتها المقاومة للبنان وللعرب ولفلسطين وللمنطقة، ونحن نعاهد شهيدنا القائد وعائلته الشريفة وكل أصدقائه وأحبائه، وكل إخوانه ورفاق دربه الذين كان يعمل معهم، كما نعاهد قادتنا الشهداء، من السيد عباس إلى الشيخ راغب إلى الحاج عماد إلى كل شهيد من شهدائنا، أن مقاومتكم يا قادتنا وأحباءنا وأعزاءنا موجودة في عقولنا، في ضمائرنا، في قلوبنا، في الدم الذي يجري في عروقنا، في اهدافنا، في مسارنا، في أولوياتنا، أنتم الذين وصلتم ونحن نعاهدكم أن نكمل الدرب ولن نبدل تبديلاً، ولو أطبقت السموات على الأرض، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.