“السيد” الأب في قلوب أهل العشق
موقع العهد الإخباري-
ليلى عماشا:
قليلة نسبيًا هي المناسبات التي تحضر فيها شخصيّة الأب كموضوع احتفالية وجدانية يسعى كلّ مشارك فيها إلى إظهار عاطفته تجاه أبيه. قد لا يشكّل الأمر فارقًا في طبيعة العلاقات الأسرية، فمن يبرّ أباه لا ينتظر عيد الأب كي يغدق عليه الحبّ والحنان، واقعًا وافتراضًا، ومن يبخل على والده بقلبه لن يحرّك العيد بداخله نبضة عطف.
بعيدًا عن أي جدال حول الطبيعة الاستعراضية للأعياد والمناسبات على منصات التواصل، وبغض النظر عن الفروق الشاسعة أحيانًا ما بين الواقع والافتراض، وبين ما تستره جدران البيوت وما تحفل به جدران مواقع التواصل، فرضت مناسبة عيد الأب سيلًا جميلًا من الصور والكتابات التي تؤدي للأب تحيات الحب والامتنان. ولذلك يمكن استغلال المناسبة لتكون سببًا للحديث عن الجانب الأبوي في صلتنا بسماحته، أبينا الذي هو عاطفة وإيثار وسند..
ارتبطت صورة السيد نصر الله في أذهاننا بصورة الأب ذي العاطفة التي اتسعت لتغمر الجميع بكساءٍ دافىء ومتين. وما العلوّ الوجداني لصلته بالناس، بأشرف الناس، إلا انعكاس نقيّ لحقيقته الأبوية الأطهر في تعاطيه معهم. فالسيّد الذي يسكن قلوب أحبّته ككبير بيوتهم، له في أرواحهم مرتبة الأب الحامي والحنون والمتفهّم والمساند والصارم والداعم والمعلّم، والذي يهب بكل حبّ ثمار تعبه إلى بنيه.
لم يكن السيّد نصر الله يومًا زعيمًا أو قائدًا بالمعنى التقليدي أو المتعارف عليه. هو الأقرب دائمًا إلى كونه الأب ولذلك ليس غريبًا أن يناديه أطفالنا في بداية تعلّمهم للكلام بـ”جدو” ما إن يروا صورة له أو يستمعوا معنا إلى خطاب له. بشكل أو بآخر، يقرأ الأطفال بفطرتهم النقية نبض آبائهم وأمهاتهم في محضر أبيهم، فينطقون بما قرأوا في الصلة.
حسنًا، يطول الكلام أو يقصر، ولا يتسع لتفسير ما معنى أن يكون قائدك أبًا لك، أو أن يهبك، ممّا يهبك، السكينة التي وحده الأب يستطيع أن يهبك إياها بهذا القدر من الكثافة والصدق. بشكل أو بآخر، لا يمكن للكلمات أن تترجم بدقة الفرح والسكون الذي يرافق الروح حين تتمتم “يا أبانا” في حضرة النموذج الأبوي الذي فاض إيثارًا وتضحية تذهلان العالم في كلّ يوم، وليس استشهاد “السيّد هادي حسن نصرالله” في مقدمة صفوف الجبهة إلا قطرة من نهر يلفّ قلوب كلّ المستضعفين في الأرض ويجري بين ضفاف أرواح الطيّبين من اليمن إلى فلسطين ومن العراق إلى سوريا، وما بعد بعد الجمهورية الاسلامية العظمى في إيران.
بصوت الطفل السوريّ يوم حرّر رجال الله قريته: “قولوا للسيد نصر الله إنّي بحبو”، بصوت المقاتلين الأعزّة في اليمن وهم يوجهون رسالتهم للسيد “بأمثالكم تنتصر الأمة”، وبصوت السيدة الفلسطينية التي بكلّ عزّة وغضب ذكّرت الجندي الصهيوني بأن السيد آتٍ لمعاقبتهم، وبصوت شباب الضفة وهم يهتفون “هذا وعد الله، قالها نصر الله”، وبصوت كلّ الجدات الطيبات في عاملة حين زيّنّ زغاريد التحرير بالدعاء للسيّد حسن.. بكلّ هذه الأصوات مجتمعة يخاطب القلب سيدنا الأمين، والذي، وهو الأب الذي ذهب في يقينه حدّ دخول المجمع المقدّس لعوائل الشهداء، باسمًا متماسكًا حامدًا مقدّمًا النموذج القيادي الأرقى برتبة أب الشهيد، لم يبخل بأبوّته على كل فرد منّا، بكلّ ما في الأبوّة من قيم عليا. لذلك لم يكن مفاجئًا الحديث عن متابعته اليومية والتفصيلية لكلّ ما يجري على أبنائه، وعن مساعيه المتواصلة لصناعة الحلول التي ترفع المعاناة عن كلّ من يعاني، وعن اهتمامه المباشر بكلّ ما يصله من رسائل وبكلّ ما يرد إليه من مشكلات، فالسيّد هو النموذج الأعلى للأبوّة ومن طبيعة الآباء أنّهم يدققون ويتابعون أحوال أولادهم مهما كبروا.
إذًا، لك يا أبانا الجليل الجميل في قلوبنا حبّ أهل البرّ بأهلهم، وندري أن لنا في قلبك حبّ الوالد الأحنّ ولهفة الأب الحامي القويّ.. ولك في أرواحنا فيض من عاطفة نقيّة تحاكي نقاءك، ومن ولاء يوقن أن لولاك لم نكن..