السوريون في تركيا.. لماذا العداء التركي للعرب!
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
يتهم الشعب التركي السلطات الرسمية بتجاهل السلوك الخطير لبعض اللاجئين، في الوقت الذي تقدم السلطات كل التسهيلات والمساعدات إلى اللاجئين السوريين والأفغان وغيرهم.
تشهد تركيا منذ فترة نقاشاً واسعاً مثيراً بعد أن تحول هذا النقاش إلى شعور معادٍ للاجئين عموماً، والسوريين بصورة خاصة، بحيث اكتسب هذا الشعور طابع العداء تارة للعرب، وتارة أخرى للمسلمين والإسلام.
وانتشر هذا الشعور قبيل الحملة الانتخابية الأخيرة، بحيث شن عدد من أحزاب المعارضة وقواها، ومنها حزب النصر بزعامة أوميت أوزداغ، حملة عنيفة ضد اللاجئين، وحمّل إردوغان مسؤولية أزمتهم التي باتت تنعكس على الحياة اليومية للأتراك. واستغلّ البعض من أوساط اللاجئين السوريين حملة أوزداغ هذه، فتبنّت بدورها حملة مناهضة ضد الأتراك القوميين، إن كانوا من العلمانيين أو العنصريين، بعد أن أعلنت مجموعة من أوساط المهاجرين دعمها للرئيس إردوغان في الانتخابات عبر عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف من الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي، بصفته “زعيم الإسلام والمسلمين” في العالم.
وزاد في الطين بلة سلوك بعض اللاجئين السوريين المعادي للأتراك وتركيا، وتشكيل بعض العصابات الشبابية “للدفاع عن النفس” ضد “الاستفزازات التركية العنصرية”. ولم يُخفِ الشعب التركي رد فعله العنيف على سلوك البعض من الشبّان الأفغان، بحيث كانوا يصورون عبر هواتفهم النقالة النساء في الشواطئ أو الشوارع أو المحال التجارية.
ويتهم الشعب التركي السلطات الرسمية بتجاهل هذا السلوك الخطير في الوقت الذي تقدم السلطات كل التسهيلات والمساعدات إلى اللاجئين السوريين والأفغان (جاء منهم نحو 500 ألف بعد سقوط كابول في يد “طالبان”) وغيرهم، بحيث أعفت الحكومة اللاجئين من كل أنواع الضرائب، وقدّمت إليهم كل الخدمات الصحية مجاناً، في الوقت الذي يعاني المواطنون الأتراك مشاكل صحية عويصة بسبب الازدحام في المستشفيات الحكومية، والمصاريف الباهظة في المستشفيات الخاصة.
ولم يؤثّر التوتر بين اللاجئين، من جهةٍ، وأغلبية الشعب التركي، من جهة أخرى، في موقف الرئيس إردوغان، ويبدو أنه لن يتخلى عن ورقة اللاجئين في مساوماته، ليس فقط مع دمشق المدعومة من موسكو وطهران، بل أيضاً مع العواصم الأوروبية التي تهددها أنقرة تارةً بترحيل اللاجئين إليها، وتارة أخرى بالاتفاق مع دمشق على إعادة اللاجئين إلى بلادهم، وهو ما تعرقله العواصم الغربية بتحريض من واشنطن، كما هي الحال في لبنان والأردن.
وعودةً إلى الشعور المعادي للعرب في أوساط واسعة من الشعب التركي، فلقد نجحت “تل أبيب”، عبر لوبياتها، في الدخول على خط هذا العداء واستغلاله واستفزازه ضد العرب عموماً، على الرغم من أن الأغلبية الساحقة من اللاجئين هم من السوريين (البعض من المغرب وتونس وليبيا والعراق)، وأن عدد اللاجئين الأفغان والباكستانيين ليس أقل من مليون، يضاف إليهم نحو 7-8 ملايين من الأجانب الوافدين والمقيمين بتركيا، وفق الإحصاءات الرسمية، التي قدّرت عدد الأجانب في البلاد بنحو 17 مليوناً، وهو ما يعادل نحو 20% من سكان تركيا.
أمّا الإسلام فتحوّل إلى قاسم مشترك للعداء القومي العنصري التركي للعرب، مع رد الفعل التركي العلماني على سلوك الرئيس إردوغان ذي الطابع الديني. وشجع ذلك رجال الدين والمشايخ والزوايا والتكايا الدينية على مزيد من الاستفزازات ضد العلمانيين، ويذكّر البعض منهم باستفزازات الأوساط “المتصهينة” الشعب التركي بالذكريات السيئة بين الأتراك والعرب خلال الحكم العثماني، الذي استمر 400 عام، وما بعد إعلان الجمهورية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، الذي أكد ضرورة الابتعاد عن الدول العربية وعدم التدخل في خلافاتها فيما بينها والاتجاه غرباً صوب الحضارة الأوروبية، بعد أن ألغى السلطنة العثمانية عام 1922، والخلافة عام 1924، ثم قام بتغيير الأحرف العربية، وكانت تكتب بصورة غريبة، إلى اللاتينية السهلة، في الوقت الذي كانت نسبة الأمية تتجاوز 90%.
ولا يبقى الاستفزاز القومي العنصري ضد العرب والمسلمين في هذا الحد، بحيث لا يُخفي البعض من هذه الأوساط العداء السافر للعرب، الذين “أجبروا الأتراك على اعتناق الإسلام بعد أن قتلوا مئات الآلاف منهم”، على حد قول هذه الأوساط. ويبدو أنها لا تفوّت أي فرصة لاستعداء الشارع التركي ضد العرب عموماً. فهي تتهم العرب عموماً بالتخلف والرجعية والجهل والغباء والكذب وكل الصفات السيئة، على صعيد السلوك الشخصي والسلوك العام.
فالحديث عن مزايا الأنظمة العربية، والاقتتال العربي – العربي والفلسطيني – الفلسطيني، والتآمر الغربي على القضية الفلسطينية، وولاء معظم الحكام العرب لأميركا والغرب، وافتقارهم إلى أبسط معايير الديمقراطية، على الصعيدين الفكري والعملي، بات من أهم فقرات الحملة المعادية للعرب، ومن خلالهم للإسلام، انطلاقاً من أن منشأ هذا الدين هو عربي، وتاريخ بدايته هو تاريخ العرب أيضاً.
لا يعني ذلك أن المؤيدين لبقاء العرب والمسلمين في تركيا في إطار “الإخاء الديني” متعاطفون معهم عقائدياً وقومياً، ما داموا متأثرين بمقولات الرئيس إردوغان وسياساته تارة مع العرب، وتارة أخرى مع المسلمين، حتى إنه قال عنهم إنهم “أبناء الملًة الواحدة”. وهو ما يتناقض مع سياسات الرئيس إردوغان منذ ما يسمى “الربيع العربي”، بحيث تدخلت تركيا مباشرةً في البلدان العربية، وفي مقدمتها سوريا وليبيا والعراق والصومال ودول أخرى، تارة عبر مقولات دينية طائفية، وتارةً أخرى عبر مقولات قومية تذكّر الأتراك ومعهم من بايع إردوغان من العرب بأمجاد الخلافة والسلطنة العثمانيتين.
هذا بالطبع إذا تجاهلنا عداء إردوغان الشخصي لحكام مصر والامارات والسعودية، وهم من السنة، وقبل ذلك الأسد، بحجة أنه “علوي” ومدعوم من إيران “الشيعية الفارسية”. ولم يمنع كل ذلك الرئيس إردوغان “زعيم الإسلام والمسلمين” من التراجع عن مجمل عداواته هذه، والسعي لمصالحة هؤلاء الحكام باستثناء الأسد، ما دامت علاقاته به معقدة، واللاجئون من أهم أسباب هذا التعقيد، حتى إذا تجاهلنا دعم إردوغان لما يسمى “الجيش الوطني السوري”، الذي تأسس في أنقرة صيف عام 2019، ويقاتل ضد الدولة السورية بدعم من الجيش التركي المدعوم بأموال “المسلم العربي” الشيخ تميم، الذي تبنى ولا يزال يتبنى جميع حركات الإسلام السياسي، التي تحالفت مع القوى الإمبريالية والاستعمارية والصهيونية ضد كل العرب والمسلمين، منذ ما يسمى “الربيع العربي”، وكان سلاحه في ذلك هو الإرهابيين من مختلف الأعراق والأجناس، بمن فيهم العرب والأتراك وغيرهم.
ويعي معظم الأتراك، من المعادين للاجئين والمتعاطفين معهم، هذه الحقيقة، التي يبدو أنها لا تؤثر في قناعاتهم ما داموا متأثرين، سلباً كان أو إيجاباً، بالمقولات والسياسات للرئيس إردوغان، الذي تناقض مع نفسه عندما توسل إلى رئيس الكيان الصهيوني هرتسوغ لزيارة أنقرة في الـ9 من آذار/مارس الماضي، ثم التقى رئيس وزرائه (السابق) لابيد في نيويورك بعد اجتماعه بزعامات المنظمات اليهودية الأميركية. هذا بالطبع بعد أن سمح في أيار/مايو 2016 للكيان الصهيوني بالانضمام إلى الحلف الأطلسي بصفة مراقب، وإلى منظمة التنمية الاقتصادية OECD، ثم أسقط كل الدعاوى المرفوعة ضد القيادات العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن مقتل عشرة من الأتراك على متن سفينة مرمرة، نهاية أيار/مايو 2010.
ومن دون أن يذكًر أحد الرئيس إردوغان، بصفته “زعيم الإسلام والمسلمين”، بأن “إسرائيل” تقتل الشعب الفلسطيني وتعتدي على الأقصى يومياً، وتقصف الشعب السوري العربي والمسلم، وترى في القدس قبلة المسلمين الأولى العاصمة التاريخية والأبدية للدولة العبرية، التي يريد لها آل صهيون أن تمتد من النيل إلى الفرات، أي نصف أرض الأناضول.
وكان من المقرر لنتنياهو أن يزوره في الـ 28 من الشهر الماضي بدعوة ملحّة من إردوغان، الذي لم يعترض على شارون الذي استقبله في أيار/مايو 2005، ليقول له “أهلاً بك في القدس عاصمة إسرائيل ويهود العالم إلى الأبد”. كما هو لم يعترض على تدخل الكيان الصهيوني في الحرب في سوريا إلى جانب العصابات المسلحة التي كانت تقاتل سوريا العربية المسلمة، عبر مقولات وشهادات إسلامية، وهو ما كان كافياً لتدخل “الجيش” الإسرائيلي لتقديم كل أنواع الدعم إلى هذه العصابات ونقل جرحاها إلى المستشفيات الإسرائيلية، كما هي نقلت ما تبقى من مجموعات “الخوذ البيضاء” من الجنوب السوري إلى “إسرائيل”، ثم الأردن، ثم إلى لندن، لتسلمهم إلى الاستخبارات البريطانية، التي أسست هذه المجموعة وتم تدريب عناصرها في تركيا، حالها حال عدد من عناصر المجموعات المسلحة، التي قاتلت وما زالت تقاتل ضد الدولة السورية.
ويعرف الجميع أن السبب الرئيس في أزمتها وأزمة اللاجئين السوريين في تركيا هو الرئيس إردوغان وسائر الأنظمة العربية والمسلمة، التي تدعي أن ما قامت وتقوم به إنما هو “باسم الإسلام ومن أجله”، وهو ما قاله زعيم “داعش” البغدادي. وهذه هي الحال بالنسبة إلى الأتباع والأنصار للرئيس إردوغان، المعروف بتناقضاته الخارجية والداخلية، وآخرها دعوة رئيس الشؤون الدينية، وهو بمثابة وزير الأوقاف للشعب التركي، كي يخاطبوا باسم البعض “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”. وبدلاً من ‘غون آيدين”، أي صباحكم منور، وهي عادة من عادات العصر الجاهلي”، على حد قوله.
ويبدو واضحاً أنه – ومن معه – يريد من خلال هذه المغالطات الدينية والتاريخية أن يلهي الشعب التركي حتى لا يفكر في مشاكله اليومية الخطيرة، والتي تقول المعارضة إنها باتت “تهدد مستقبل تركيا بصورة مباشرة، أو من خلال اللاجئين الموجودين، وخطرهم على تركيا أكبر كثيراً من أي أزمة أخرى، ما دام استغلالها، دينياً وطائفياً وعرقياً وتاريخياً، سهلاً جداً”!