السهم الروسي المضاد إنطلق.. فما الذي سيليه حتماً؟
موقع إنباء الإخباري ـ
حسن شقير*:
لم يكن الرابع عشر من تموز/ يوليو الماضي موعداً فقط لإعلان التفاهم النووي الإيراني مع دول الخمسة زائد واحد في فيينا، إنما كان أيضاً – وذلك بحسب ما كتبنا في حينه – تاريخاً، أرّخ لبدء الساعة الفعلية لمحور الممانعة، والدول الداعمة له في العالم، لمحاسبة الإرهاب الضارب في المنطقة، وفي سوريا على وجه التحديد..
لم تكد تمضي فترةٌ وجيزة من الزمن حتى بدأ هذا المحور بنصب سلالم النجاة لمن يرغب في تحالف أمريكا الزاعم محاربة الإرهاب أيضاً، من أجل نزولهم عن شجرة أحلامهم الضاربة في السماء، وذلك في استثمارهم المكشوف في استخدام الإرهاب والحرب عليه، كرافعة لمشاريعهم المتقاطعة في سوريا والمنطقة بشكل عام…
لم يكن لدى أولئك قرار بالنزول على تلك السلالم، ولكلّ أسبابه ومبرراته ومصالحه، والتي لا مجال للتفصيل فيها، فما لبثت روسيا أن دقت جرس الإنذار لهم ، والذي ترافق مع رسائل عسكرية روسية منظورة لأولئك بالقرار الروسي – الإيراني المبرم بضرورة الخلاص من الإرهاب ومن آثاره وتداعياته عليهما بالتحديد، والتي – أي هذه الرسائل – صاحبها مبادرات سياسية شتى، لم تلقَ أيضاً أية أصداء لدى أمريكا ودول التحالف معها… الأمر الذي حتّم على روسيا – وحفاظاً على مصداقيتها وهيبتها الصاعدة في العالم – بأن تطلق ـ على أعقاب عدم الإنصات لذاك الجرس ـ ما أسميته سابقاً، بالسهم الذهبي المضاد في سوريا، وذلك ضمن ما أسماه بوتين بالأمس “بالحرب الإستباقية على الإرهاب” والتي أرّخ لها يوم الثلاثين من أيلول/ سبتمبر للعام ٢٠١٥.
لم يكن اختيار الطائرات الروسية لأهدافها في محافظة حمص السورية ، أمراً عبثياً منقطعاً عن الدلالات والموجبات الإستراتيجية… فهذه المحافظة هي أكبر المحافظات السورية مساحة، والتي تتحادد مع ثلاث دول، لها تأثيرها المباشر في الحرب على سوريا (لبنان ، العراق والأردن)، بحيث أنها تقع في وسط سوريا، والذي يشكل المدى الحيوي لكل من القلب السوري (دمشق)، وللشريان المركزي للدولة السورية (الساحل)، وبالتالي فإن الموقع الجغرافي لتلك المحافظة، واختيارها المحطة الأولى للسهم الروسي، يقطع الشك باليقين حول الأهداف الروسية في سوريا، ويدحض كلام البعض حول تأمين الجغرافيا السورية في الساحل فقط، إنما الهدف يتخطى ذلك إلى ما دأبت روسيا بترداده، في ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة السورية… وقطع الطريق على مشاريع مستثمري الإرهاب في تفتيت الدولة السورية إلى دويلات متعددة…
لا تقل أهمية اختيار حمص كمقدمة لإنطلاق السهم الروسي عن أولئك المشمولين بالقصف من المحسوبين على “المعتدلين”، بحيث أن روسيا بدأت بترجمة ما قاله بوتين قبل أيام، بأن “.. روسيا لا تعترف إلا بجيش وحيد في سوريا، ألا وهو الذي يخضع للدولة السورية، ولإمرة الرئيس الأسد..”، الأمر الذي يعني بأن روسيا قررت قطع الطريق على الاستثمار بهؤلاء، عسكرياً وسياسياً على حد سواء.. وخصوصاً أن ذلك تزامن مع الإعتراف الأمريكي المتأخر بفشل برنامج التدريب العسكري لمن يُطلق عليهم بأبناء سوريا الجديدة، والذي أعلن البنتاغون بالأمس عن تعليقه.. والذي كانت تأمل أمريكا من خلاله بأن يكون أولئك “المعتدلون” نواةً لجيش سوريا الجديدة، وبوصلة جاذبة لمن يرغب من “معتدلي” الإرهابيين باللحاق بهم، وذلك لمسك الجغرافيا التي ينزاح عنها الدواعش، رغبة ً أو حتى رهبة ً ..
تدرك روسيا تمام الإدراك بأن الضربات الجوية – ومهما كانت دقيقة – لن تحقق لوحدها نصراً على الأرض، وذلك مهما كانت طبيعة الأهداف المستهدفة بالقصف، لأجل ذلك فإنه في القادم من الأيام سيترتب عليها، مجموعة من الأنساق الميدانية المتتالية أو حتى المتكاملة، حيث سيكون للشركاء الآخرين على الأرض السورية الدور المكمل للسهم الروسي من الجو، والذي قد يتمثل بنموذج الزبداني وكفريا والفوعا، أو بنموذج حمص – بابا عمرو، أو نموذج حمص الشهير في خروج المسلحين منها، أو حمص – حي الوعر.. أو حتى تعميم مصالحات بعض بلدات ريف دمشق على مختلف مناطق وبلدات المحافظة الإستراتيجية …
الأكيد بأن روسيا، ومعها إيران وسوريا والمقاومة، لن يرتكبوا خطايا واشنطن في حربها المزعومة على الإرهاب، والتي جعلت من هذا الأخير أوسع انتشاراً، بدلاً من تحجيمه كمقدمة للقضاء عليه..
مؤشرات ميدانية أخرى مهمة يجب رصدها في الميدان السوري ، فشلٌ في الجبهة الجنوبية ، إفراغ الخزان المددي في الزبداني وتحييده… قطع الطريق على سلخ المكوّن الدرزي عن الدولة السورية ومنع إيجاد بدائل جغرافية للمسلحين في القوس الممتد من الحدود الأردنية فالفلسطينية المحتلة، وصولاً إلى اللبنانية …
ربما تشير دلالات استهداف مسلحي ريف حمص عبر السهم الروسي، إلى إنطلاق مرحلة عسكرية جديدة، عنوانها تنظيف القلب (دمشق وريفها)، وتأمين الوسط الحيوي (حمص)، والتي تهدف ضمناً إلى الفرض على مسلحي القلب والوسط للدخول في المصالحات، والتي ربما تجعلها التطورات العسكرية الأخيرة منها، أكثر تسارعاً…
لا نعني بما ذكرناه سابقاً بأن الروس ومعهم الإيرانيون ومحور الممانعة برمته بأنهم قد أوصدوا الأبواب أمام أمريكا وتحالفها لتبريد رؤوسهم الحامية في سوريا، والتخلي عن المكابرة في التكامل الفعلي لمحاربة الإرهابيين فيها، والتي يمكن أن يصاحبها عملية سياسية جريئةٌ في أهدافها ونتائجها في المشهد السياسي السوري… وعليه فإن باب المبادرات السياسية الهجومية من قبل روسيا وأطراف الممانعة لم ولن تتوقف ، ولكن ذلك سيبقى ضمن حدّ سقف الثوابت الروسية في سوريا من جهة، وحدّ الفشل الممنوع للسهم الذهبي المضاد، وما سيليه أيضاً… وخصوصا ً بأن إيران، شأنها شأن روسيا، ستنتقل من سياسة الانغماس المدروس، إلى مرحلة جني الثمرات، والتي قد تتطلب – إذا لزم الأمر – سهماً ذهبياً تكميلياً لذاك الذي افتتحه الروسي بالأمس على وجه التحديد .
خلاصة القول، اذا ما استجابت أمريكا للدعوات الروسية بضرورة الحفاظ على سيادة الدولة السورية في ضرورة التنسيق مع الحكومة السورية في محاربة الإرهاب ، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، أو حتى ربما عبر حشر أوباما في زاوية مطالبته في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بضرورة إعادة الإعتبار لدور هذه الأخيرة في حل النزاعات الدولية، ومنها الأزمة السورية.. فإنه – إذا ما تم ذلك – وعبر تفعيل سياسة تضييق الخيارات أمام واشنطن، تماماً كما فعلت الإستراتيجية الإيرانية في تضييق الخيارات أمام هذه الأمبراطورية في الوصول إلى ما وصلت إليه الجمهورية عبر الإتفاق النووي… فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى عملية تكاملية في سوريا للوصول إلى صيغة رابح – رابح..
أما في حال راهنت أمريكا وتحالفها على فشل استراتيجية روسيا العسكرية في سوريا، وذلك كتنفيذ لما يكرره أوباما هذه الأيام من لازمة “القضاء على داعش مقرونٌ برحيل الأسد”، والذي ربما تترجمه أمريكا إلى إجراءات إعاقية للعملية العسكرية الروسية، وذلك في استغلال لعدم استعداد روسيا في النزول بالسهم المضاد من الجو إلى الأرض… وهذه المسألة لا بد بأن تكون قد تم التباحث بها في اللقاءات السرية للجنرال سليماني في موسكو… ولأن الفشل ممنوع روسياً وإيرانياً، وذلك لأسباب استراتيجية تتخطى سوريا، إلى مشروع النهوض بنظام عالمي جديد، تجهد هاتان الدولتان لجعل سوريا الباب الرئيس للولوج فيه.. إذا ما سارت أمريكا بالأمور – لا سمح الله – وفقاً للمشهدية أعلاه، فإن مرحلة ما بعد السهم الذهبي الروسي المضاد، لهي مقيّدة لا محالة، بسهم إيراني أرضي، يكون أكثر جلاءً ووضوحاً، متمماً ومكمّلاً لذاك الذي سبقه..
*باحث وكاتب سياسي