السلام مقابل #حلب
تناولت صحيفة “كوميرسانت” العملية الإنسانية التي تقوم بها روسيا في ثاني أكبر مدن سوريا، مشيرة إلى أن الغرب ينظر اليها بعين الشك.
جاء في مقال الصحيفة:
إن نجاح العمليات العسكرية للقوات السورية، التي تكللت بمحاصرة الإرهابيين في حلب، قد تصبح ليس فقط نقطة تحول في الحرب، بل وستغير دور اللاعبين الخارجيين ومن ضمنهم روسيا تغييرا جذريا. فاستعادة القوات السورية سيطرتها على ثاني أكبر مدن سوريا هو أكبر نصر للرئيس بشار الأسد في ساحات القتال؛ ولكن هذا السيناريو في الوقت نفسه قد يجعل مفاوضات السلام أمرا من دون معنى لدمشق؛ حيث سيصبح من الممكن إجراء هذه المفاوضات فقط على استسلام معارضي النظام.
وقد يثير استمرار المعارك أزمة جديدة في العلاقات بين روسيا والغرب. فقد حذر وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري من أنه إذا جرى اقتحام المدينة بعد العملية الإنسانية، فإن هذا “الاقتحام سيقوض تماما مستوى التعاون”، الذي توصلت إليه موسكو وواشنطن.
وإذا كان حلفاء واشنطن قلقون أيضا من هذه العملية، فإن رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية جون برينان ذهب أبعد من ذلك، وشكك في إمكان أن تتجنب الدولة السورية التفكك.
وقد بدأت العملية الإنسانية، التي أعلن عن بدئها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الأسبوع الماضي، تؤتي ثمارها؛ حيث أعلنت مصادر في الحكومة السورية عن خروج المدنيين من المنطقة الشرقية للمدينة، التي تحاصرها القوات السورية، وخاصة النساء اللاتي تبلغ أعمارهن في المتوسط 40 سنة. كما يلاحظ الانقسام في صفوف المعارضة. فقد أعلن وزير المصالحة علي حيدر أن بعض فصائل المعارضة مستعدة لرمي السلاح والخروج عبر الممر المخصص لها والاستسلام، في حين أن فصائل أخرى مصرة على الاستمرار في خوض المعارك ضد السلطة.
وأضاف الوزير السوري أن هؤلاء بدأوا فعلا بالخروج من المنطقة المحاصرة، وهم يستسلمون إلى السلطات؛ ولكن أعدادهم محدودة ولا تشكل مجموعات كبيرة.
أما بسام كودماني، عضو اللجنة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة المعتدلة، فقد أعلن معارضته للعملية الإنسانية، وقال: “يجب على العالم ألا يسمح لروسيا باقتحام المدينة تحت غطاء “الممرات الإنسانية”. لأن هذه الممرات لم تنظم لتقديم المساعدات بل لتخيير السكان المدنيين بين الخروج والجوع”.
من جانبه، فند الجانب الروسي جميع الاتهامات بأن هذه العملية الإنسانية هي تمهيد لاقتحام حلب. فقد أعلن دميتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس بوتين أنه لا يجوز اعتبار العملية الإنسانية “تحضيرا لاقتحام المدينة”. ولكن اللاعبين الخارجيين الرئيسين المشاركين في العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية، يعربون عن شكوكهم في أن يكون الهدف الرئيس للعملية منع وقوع كارثة إنسانية في المدينة، التي يوجد فيها إلى جانب 10 آلاف مسلح من المعارضة 200 – 300 ألف مدني.
وعلى الرغم من أن إدارة أوباما لم تحدد موقفها رسميا من هذه العملية الإنسانية، فإن واشنطن لا تخفي قلقها مما تقوم به موسكو.
وكان وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري قد زار باريس، وناقش هذه المسألة مع نظيره الفرنسي جان-مارك إيرولت؛ حيث أعلنا أن العملية الروسية قد تثير مشكلات، وتعوق استئناف المفاوضات برعاية الأمم المتحدة بين نظام الأسد والمعارضة. وقد حذر الوزير الفرنسي في رسالته إلى سيرغي لافروف وجون كيري، قائلا: “نحن ندعم تماما هدفكم في محاربة المجموعات الإرهابية في سوريا. ومع ذلك، يجب ألا تكون هذه المحاربة ذريعة لتوجيه ضربات إلى المدنيين والقضاء على كل من يعارض بشار الأسد”. وبحسب رأيه، “سينال المجتمع الدولي خلال الأسابيع المقبلة فرصة للبرهنة على كفاءة وفعالية العملية السياسية التي بدأت في فيينا قبل نحو سنة”. وإضافة إلى ذلك، تشير باريس إلى أنه بينما “يستمر تعنت النظام، فإن المعارضة قدمت مقترحات بناءة”.
من هذا يتضح أن عملية فرض الجيش السورية سيطرته على حلب، ستكون لها عواقب بعيدة المدى ليس فقط على النزاع السوري، بل وأيضا على العلاقات بين اللاعبين الأساسيين المشاركين في عملية التسوية.
ومن المحتمل أن يصبح دحر القوة المسلحة الرئيسة المعارضة المحاصرة في حلب نقطة انعطاف في الحرب، ويعني الانتصار النهائي لبشار الأسد.
ولكن هذا السيناريو، الذي سيؤكد الدور الرئيس لموسكو في تسوية الأزمة السورية، قد تكون له عواقب دولية تهدد بنشوب أزمة جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب. فمن الواضح أنه ليس الـ 10 آلاف مسلح المحاصرين في حلب جميعا من الإرهابيين. وفي حال رفضهم رمي السلاح والاستمرار في القتال، فستواجه روسيا مشكلة غير سهلة: وهي الشرح للشركاء الغربيين كيفية الربط بين العمليات القتالية وبين اتفاقية فبراير/شباط لوقف إطلاق النار، التي توصل إليها الرئيسان بوتين وأوباما. وفي حال “انهيار مستوى التعاون الحالي” بين الولايات المتحدة وروسيا كما هددت واشنطن، فإن الجانب الأمريكي يمكن أن يقدم الدعم للمعارضة السورية المسلحة في شمال سوريا (ما يسمى فيدرالية شمال سوريا المحاذية لتركيا). ولكن هذا عمليا يعني تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ ونهايتها كدولة موحدة.
وهذا ما حذر منه رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية جون برينان نهاية الأسبوع المنصرم، عندما قال في كلمته في “منتدى آسبن الأمني” في ولاية كولورادو: “أنا لا أعلم هل سنتمكن من توحيد سوريا من جديد؟”.
المصدر: روسيا اليوم