السلاح النووي الإسرائيلي والدعوة لإبادة شعب فلسطين
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
من الواضح أن عدوان الكيان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وأشكاله الوحشية غير المسبوقة في تاريخ العالم كله، أصبح من المستحيل على أي كان تجاوز ما حملته جرائمه المستمرة من دون حساب وموقف فوري ومباشر وبكل ما يتطلبه من استحقاق، وقد لاحظ الجميع مراحل التصعيد المتزايدة في ساحة الميدان العسكري وفي ساحة التصريحات الإسرائيلية الرسمية الداعية بلغة لا لبس فيها إلى إبادة الشعب كله في قطاع غزة، وهي سابقة أكدها ثلاثة مسؤولين من الكيان أولهم البروفيسور آفي ديسكين أحد المسؤولين في مركز أبحاث السياسات الإستراتيجية – الإسرائيلية ومركزه هيرتسيليا، ففي 23 تشرين الأول بعد أكثر من أسبوعين على معركة طوفان الأقصى أدار أوري ميلشتاين أهم الصحفيين الإسرائيليين ندوة بالعبرية حول الوضع الإسرائيلي وجدول عمله المقبل بمشاركة عدد من الجنرالات المتقاعدين وبثه في قناة اليوتيوب التي أنشأها ميليشتاين، قال ديسكين الذي شارك في هذه الندوة: «أصبح المطلوب الآن استخدام سلاح الإبادة الشاملة للقطاع ولا شيء غيره»، وفي الخامس من تشرين الثاني الجاري تشجع الوزير إسرائيلي عميحاي إلياهو وطلب بصفته وزيراً في حكومة بنيامين نتنياهو استخدام السلاح النووي ضد الشعب في قطاع غزة، وبعد انتشار هذا التصريح التف نتنياهو على ردود الأفعال العالمية وأعلن أنه اتخذ قراراً بتجميد عمل هذا الوزير أي منعه من إطلاق التصريحات، لكن نتنياهو لم يتطرق بأي شكل إلى نفي وجود سلاح نووي واكتفى بتوجيه الانتقاد للوزير، وفي 19 تشرين الثاني الجاري نشرت مجلة مركز «ليبيريتاريان» الأميركية أن نائب رئيس الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، نيسيم فاتوري وهو من قادة حزب الليكود، طالب الحكومة بإجراء تدمير شامل لكل القطاع وسكانه وقال: «نحن نتصرف بإنسانية هائلة فلنحرق غزة الآن فوراً»، وكرر مطالبته «بمنع وصول الوقود إلى غزة ومنع وصول المياه» وقال وزير المالية الإسرائيلي باتسليئيل سموتريتش إن «السماح بوصول الوقود إلى القطاع خطأ فادح» ودعا إلى التوقف عن هذا القرار، فقال له رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تسحيا هانيغبي: «إن الضرورة تدفعنا إلى السماح بالوقود من أجل استمرار عمليات جنودنا الحربية في القطاع وإذا لم نسمح بالوقود فسوف ينتشر وباء واسع فنضطر إلى إيقاف الحرب».
ويستعمل الوقود لأغراض ضرورية في توليد الكهرباء وأجهزة طبية، وأيضاً لتشغيل شبكات المجاري والتعقيـم والتطهيـر لأماكن كثيرة في القطاع، وهذا ما يقصده هانيغبــي فهو يخشى على الجنود من الوباء وليس على الفلسطينيين، وبعد كل هذه التصريحات يبدو أن قادة الكيان الإسرائيلي لم يكتفوا بمحاولة زيادة درجة قدرة الردع التي استمدوها من إرسال الولايات المتحدة لحاملتي طائرات وآلاف الجنود الأميركيين لأول مرة بهدف حماية الكيان بشكل ميداني مباشر، بل أرادوا من هــذه التصريحات العلنية لإبادة الشعب الفلسطيني الإطباق والسيطرة الصهيونية ومشروعها التوسعي على كامل المنطقة، فالكيان الاستيطاني الإسرائيلي الذي صنعته بريطانيا للأوروبيين اليهود في قلب العالم العربي والإسلامي، هو الكيان الوحيد الذي زودته مع فرنسا بالقوة النووية حين صنعت كيانات مماثلة في إفريقيا مثل جنوب إفريقيا وناميبيا وزيمبابوي وزامبيا التي تحررت واستعادت أراضيها وأوطانها من البيض الأوروبيين، وبريطانيا والولايات المتحدة زودتا حكومة جنوب إفريقيا العنصرية البيضاء بكل مســتلزمات صناعة السـلاح النووي وتـم إنتاجه في الثمانينيات إلى أن تمكن المؤتمر الوطنــي الإفريقــي قائــد الثـورة ضد الاستعمار من تجنيــد العالم كلــه معه لنــزع هذا الســلاح عام 1989 ولــم توافق لندن وواشنطن على هذا القرار إلا بعد إدراكها بأن فرصة هزيمة العنصريـين البيــض أصبحــت وشــيكة، وخافــت من وقوع السلاح النووي بأيدي قادة التحرير الأفارقة، ففي ذلك الوقت كانت جميع الشعوب الإفريقية ومعظم قادتها قد وقفوا صفاً واحداً ضــد بريطانيا وحمايتهــا للكيــان الاســتيطاني الإفريقي ومالت كفة ميزان القوى لمصلحة كل دول إفريقيا والعالم لإجبار الحكومة العنصرية في جنوب إفريقيا على الاستسلام لأصحاب الأرض، فسلم العنصريون البيض السلاح النووي لبريطانيا.
ولا شك أن الكيان الاستعماري الاستيطاني الأوروبي في فلسطين سيواجه المصير نفسه، ومن الواضح أن هذا السلاح النووي الذي زودته لندن وباريس وواشنطن لإسرائيل، لم يكن من أجل ردع قطاع غزة أو الضفة الغربية بل من أجل فرض السيطرة والهيمنة الإسرائيلية – الأميركية على دول أكبر بكثير من القطاع في هذه المنطقة، ولولا المقاومة التاريخية للشعب الفلسطيني وسورية والمقاومة اللبنانية والعراق ودعم طهران بعد إخراج مصر من دائرة الصراع عام 1979، لتمكنت إسرائيل من إحضار أكثر من 12 مليوناً من اليهود إلى هذا الكيان، في حين لا يوجد حتى الآن فيها بسبب المقاومة، سوى ستة ملايين وهذا العدد قابل للنقصان كثيراً بعد عملية «طوفان الأقصى».
وفي النهاية سلاح تل أبيب النووي لا يهدد الفلسطينيين بقدر ما يهدد كل شعوب وحكومات المنطقة ومستقبلها.