‘السقوط الحرّ’ لدور قطر السياسي في عهد الشيخ تميم
بعد ان كانت قطر لاعبا اقليميا رئيسيا في السنوات الأخيرة، انحسر دورها السياسي بشكل كبير في الاشهر الثلاثة التي تلت انتقال الحكم فيها، لاسيما مع سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر وتعاظم دور السعودية، بحسب محللين ومصادر متطابقة.
وبموازاة تراجع دور قطر، البلد الصغير جغرافيا والغني بالغاز، تبدو علاقاتها مع جيرانها الخليجيين ايضا مأزومة بحسب المصادر.
ومن مصر الى سوريا، ومن ليبيا الى تونس، فقدت قطر في فترة قصيرة نسبيا اوراقا كثيرة.
وقال المحلل السياسي انطوان بصبوص مدير مرصد الدول العربية في باريس “ان الانهيار في مصر أثبت الدرجة الكبيرة من التهور في الرهان القطري على الإخوان”، فمع سقوط حكم الاخوان “بدأ عد عكسي للنفوذ القطري” كما “بدت سطحية هذا النفوذ”.
وفي خطوة غير مسبوقة، اعلن امير قطر في 24 حزيران/يونيو تخليه عن السلطة لصالح ابنه تميم بعد ان حول بلاده من دولة مجهولة إلى لاعب اقليمي بارز، فيما اوحى الامير الجديد انه سيعطي اولوية للوضع الداخلي.
وبعد ايام فقط، قام الجيش في مصر بعزل الرئيس الاخواني محمد مرسي.
وتعد قطر الداعم الأكبر لتيار الاخوان المسلمين في العالم العربي، لاسيما في مصر، البلد المحوري والأكبر.
وفي الملف السوري، تراجع نفوذ قطر على الائتلاف الوطني المعارض مع تقلص حصة الموالين لها لصالح أصدقاء السعودية.
وقال مصدر من المعارضة السورية “لقد ضعف الدور السياسي لقطر كثيرا داخل المعارضة السورية، وباتت السعودية صاحبة التأثير الأكبر”، خصوصا مع وصول الرئيس الجديد للمجلس احمد الجربا، واختيار رئيس وزراء انتقالي جديد هو احمد طعمة مكان المقرب من قطر غسان هيتو.
والجربا وطعمة مقربان من الرياض.
الا ان المصدر اكد بأن قطر ما زالت تقدم السلاح لفصائل سورية اسلامية معارضة، خصوصا في الشمال وبالتنسيق مع تركيا.
وبحسب بصبوص، فإن الوضع في مصر “اثر كثيرا بشكل سلبي على الإخوان في تونس وعلى الميليشيات الاخوانية في ليبيا”.
وردا على سؤال حول سبب تراجع الدور القطري لصالح السعودية في ملف المعارضة السورية، قال مصدر قطري مصرح له بأن “كل دولة تدعم الثورة السورية بطريقتها، وهذا الكلام فيه انتقاص للثورة وكأن قطر هي من قام بها وليس الشعب السوري”.
وقال ان ما يحكى عن خروج قطر من دائرة الأضواء الإعلامية يظهر ان “هدفنا من دعم الثورة السورية لم يكن اعلاميا”، مؤكدا ان “قطر فتحت الطريق وعبدته امام المجتمع الدولي لكي يساند ويدعم الثورة السورية”.
وبحسب المصدر، فإن امير قطر الجديد الشاب الشيخ تميم بن حمد ال ثاني (33 عاما) كان يمسك بالملف السوري قبل وصوله الى سدة الحكم.
وقد يكون الشيخ تميم يبدو مصمما على فتح صفحة جديدة تختلف خصوصا عن رئيس الوزراء السابق الذي كان بالغ النفوذ الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني.
وقال بصبوص ان “كل ما بني في سنتين ونصف بدا كأنه مزعزع ومبني على اساسات غير صلبة”، وبتالي فان الدولة التي تعد صاحبة اكبر دخل للفرد في العالم “هي الآن في مرحلة إعادة نظر في الحسابات وستكون مقبلة على لعب دور لا يتجاوز حجمها”.
وبحسب المحلل، فإن الامير الجديد “لا يريد الحلم المستحيل الذي بدأته الادارة السابقة، ادارة الحمدين، (الامير الشيخ حمد خليفة ورئيس الوزراء حمد بن جاسم) فتزعم العالم العربي عبر الاخوان وعبر قناة الجزيرة اكبر من طاقة قطر”.
لكن قطر ما زالت تدعم حتى الآن الاخوان المسلمين خصوصا عبر احتضان منظرهم الشيخ يوسف القرضاوي، فيما قناة الجزيرة ما زالت تضع ثقلها خلف المعارضين “للانقلاب العسكري” في مصر.
وبهذا، تبدو قطر معزولة تماما عن محيطها الخليجي الداعم بقوة للإدارة المصرية الجديدة ولوزير دفاعها عبدالفتاح السيسي.
وقال مصدر سياسي خليجي “العلاقات بين قطر وباقي دول الخليج “الفارسي” ليست جيدة حاليا..”.
وأضاف “الخلاف كبير حول مصر، وكبير جدا حول الدعم للإسلام السياسي”.
وبحسب المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، فان “هناك امتعاض أيضا مما يعتقد انه دعم قطري لمعارضات خليجية داخلية.. هذا خط احمر بالنسبة لهذه الدول”.
وسجل سجال اعلامي قصير ومعبر بين السعودية وقطر في آب/اغسطس، عندما رد وزير الخارجية القطري خالد العطية في تغريدة على مقولة نسبت لرئيس المخابرات السعودية الامير بندر بن سلطان.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال نقلت عن الامير بندر قوله في محادثة خاصة ان “قطر مجرد 300 شخص وقناة تلفزيونية”، فجاء الرد القطري في تغريدة وزير الخارجية الذي كتب “مواطن قطري يعادل شعب وشعب قطر عن أمة بأكملها”.
ونفت السعودية ما نشرته الصحيفة.
وقال بصبوص في موضوع العلاقات مع دول الخليج “ان الجيران الخليجيين ليس عندهم الثقة بان قطر قبلت بدورها الجديد وتنازلت عن الدعم غير المحدود للاخوان”.
واضاف “ان المؤشر على القبول سيكون عبر الجزيرة وعبر دبلوماسية قطر وعبر الاموال التي تنفق على حلفائها، وكذلك عبر استمرار احتضان مفتي الاخوان يوسف القرضاوي”.
لكن انحسار دور قطر لا يعني انتهاءه، فقطر تبقى تتمتع بثروة طائلة وباستثمارات ضخمة في الغرب ما سيبقي لها مكانة لدى هذه الدول.
وقال المحلل السياسي المتخصص في شؤون الخليج نيل بارتريك ان هذا البلد “ما زال يتمتع بثقل اقتصادي محليا وعالميا”.
الا ان المحلل البريطاني لفت الى ان “ان مكانة قطر انحسرت اقليميا منذ الانقلاب في مصر”.
وكأن متاعبها السياسية لا تكفي، فقطر تواجه ايضا حملة تشكيك عالمية في استضافتها بطولة كاس العالم لكرة القدم في 2022، خصوصا في فصل الصيف، هي التي شكل فوزها بشرف استضافة البطولة تجسيدا لطموحاتها اللامتناهية.
المصدر: ميدل ايست أونلاين