السفير.. وإن غابت
موقع إنباء الإخباري ـ
رنا الساحلي:
أن تتعود على قراءة جريدة كل يوم دون ملل أو كلل
أن تستمع إلى صفحات تطويها بأناملك لتلاحق عيناك الخبر التالي
أن تتصفح تلك الوريقات الناشفة إلا من حبر أسود جف على تلك الصفحات، ليخبرك بصوت مرتفع أن هناك طفلاً مظلوماً أو قضية تحتاج إلى نصرة
الموضوع لا يحتاج إلى مذياع ولا إلى صوت مكبر
كل ما تحتاجه ضمير حي وقراءة شفافة لتعرف كل ما في السطور
إن عدنا إلى الوراء، لربما كان كثيرون منا في أولى مراهقتهم، ولربما البعض لمّا يولد بعد، حين بدأت الحكاية…
عام ١٩٧٤ وُلدت فتاة جميلة بجمال فلسطين. اعتنى بها والدها الروحي الذي كان في كل خصلة من جدائلها يصف قصة هنا أو سيرة هناك، أو ربما يرسم لحدود الوطن أحلاماً تحمل في طيّاتها رائحة كرامة معطرة بالياسمين والتغيير.
كبرت الفتاة لتكون صوت الذين لا صوت لهم، فكانت تبحث في طرقات بيروت عن بندقية تقاوم المحتل، وقبضة طفل فلسطيني يحمل حجراً، وعن ظهر حنظلة ناجي، وعن أمة عربية ضائعة.
كانت صورة مطابقة لعراقة بيروت وكرامة الجنوب وعنفوان البقاع وكرم الشمال.
تعددت أسماؤها ونزفت حبراً ودماً قانياً. حاصروها بشتى الوسائل. حاولوا إسكاتها وترهيبها، لكنها نفضت الحبر الموشح بسواد قنابلهم لتعيد ارتداء أبهى حلة.
انتقلت لتضمد وجع اللبنانيين الجنوبيين من إرهاب ومجازر أقدم عليها الكيان الغاصب، نقلت صورتهم بأجسادهم الممزقة، ليشاهد العالم قساوة عدو لا يرحم ولا يفرق بين طفل أو عجوز أو حتى امرأة.
نقلت انتصارات المقاومة، فكانت رصاصاً على الورق، وسيّجت حدود الجنوب بزغردة أم حُرمت من أبنائها المقاومين.
تحدّت كل محظور، فليل بغداد أضحى مكبلاً باحتلال أميركي..
واستمرت مغامرة وتحدي هذه الفتاة الجميلة، لتنتقل من مكان إلى آخر، وتنقل معاناة كل الأوطان العربية، فمن فلسطين إلى لبنان والعراق، وصولاً إلى سوريا، بحثت عن كل تغيير وموقف، فالموقف سلاح ….وسلاح السفير كلمة حق تكتب على أوراقها السمراء.
لا يسعنا إلا أن نودّع جميلتنا وسفيرة قلوبنا … لقد اعتدنا في هذا الوطن أن نودع الأحبة…
تعوّدنا أن نودع أبناءنا وإخوتنا ليكونوا حراساً لهذا الوطن… نودّعهم ليولد جيل جديد يحمل كرامة وعنفوان الحياة.
هكذا هم شهداؤنا.
السفير ملهمة الأجيال… مهمة صعبة أن نقول وداعاً…. أن نكتب الأسطر الأخيرة، أن نغلق الباب خلفنا، أو حتى أن نرثي من نحب.
لكننا هنا … في هذا اليوم، لن نقول وداعا … لن نرثي تلك الجريدة التي أحببناها، وإن اختلفت الآراء بين سطورها.
سندعها تستريح حيث شاءت أن تغلق عينيها على حلم الوطن
٤٣ عاماً من العطاء… ٤٣ عاماً ونزف الأحزان طويل كنزف لاجئ يبحث عن وطنه.
كانت بيتاً وملاذاً للكثيرين …. ذاك الحلم الذي انطفأ لربما باكراً، لكن شعلة السفير لن تنطفئ، ستذكرها الأجيال، سيتحسر على زمانها وأسطرها كتّاب كثيرون.
لكن نستطيع القول إن السفير أصبحت جزءا من الوطن .. جزءاً من تاريخ لا يمكن أن يُجزأ
أصبحت جزءاً من مقاومة لا يمكن إلا أن تنتصر.
السفير لن تأفل شمسها…. ستبقى وهاجة عند تلك الحدود، حيث ترتاح فلسطين على كتف لبنان وتنتظر تحريرها.
فحتى لو غابت، ستبقى رائحة حبرها كشجر اللوز والصندل….
ستبقى السفير شعلة لا تنطفئ، وشمسا لن يغيب وهجها، وإن غابت أعدادها…
هذه هي الحكاية…. وستكتمل حروفها باكتمال تحرير العقل والإنسان وكل البلاد العربية