السفير السوري: نخشى على لبنان قبل ســوريا
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
فراس الشوفي:
يثق السفير السوري علي عبد الكريم علي بأن المحور المعادي لسوريا بذل أقصى جهوده، وأن الحل السياسي آتٍ، لكنّ الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات. يطالب علي بتفعيل التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري
لم تنته بعد أعمال البناء في مقرّ السفارة السورية الجديد في اليرزة. العمل جارٍ على قدمٍ وساق على بعد أمتار من وزارة الدفاع اللبنانية، وكذلك تدفّق المواطنين السوريين واللبنانيين لتخليص معاملاتهم. في مكتبه المطرّز بالأثاث الدمشقي، يفصّل السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي تاريخ بعض العائلات اللبنانية والسورية، ويسرد مدى ارتباطها ببعضها، ثمّ يقول «إن سايكس ــــ بيكو كذبة كبيرة».
يقطع اتصالٌ هاتفي عيني علي عن شاشة التلفزيون، قبل أن يلفت انتباهه خبر عاجل عن تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون بعد لقائه رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي: «ممنوع السماح لمحور الشر طهران ـــ دمشق ـــ بيروت بالانتصار في المواجهة الدائرة في سوريا». «هذا ما يتمنونه، لا شيء اسمه ممنوع، محور المقاومة سينتصر»، يعلّق علي.
بنظر علي، «الحديث عن استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي هو كذبة كبيرة، وسوريا استقبلت المراقبين مع علمها بأن هذا الحديث هو لزيادة الضغط، وهي تتفق مع روسيا في ذلك». قد يكون الحديث ليس للضغط فقط، هل يبدو الغرب جاداً في التدخل العسكري في سوريا؟ «لا شكّ أن هذا الحديث قد يشكّل ذريعة، وهو تحشيد للرأي العام العالمي للموافقة على تدخّل خارجي، لكنّ الغرب أعجز من ذلك»، يقول السفير السوري؛ «لأن الحرب الخارجية تعني حرباً مفتوحة لا مصلحة لأحد فيها».
يشير السفير إلى أن المحور المعادي لسوريا قد استنزف تقريباً كلّ طاقاته، «وما الفرصة الأميركية الأخيرة التي مُنحت لبندر بن سلطان إلا للحفاظ على بعض النفوذ وتخفيف الخسائر وتحسين شروط التفاوض». وبحسب السفير، فإن «أدوات بندر بن سلطان محصورة بالفتنة المذهبية، في سوريا والعراق ولبنان، وسبب التردد في إشعال الفتنة المذهبية في لبنان بشكل كبير سببه أن خسارة المحور المعادي ستكون كبيرة».
يجزم علي بأنّ «الحل السياسي حتمي، وما نتوقعه أن لا يتأخر كثيراً لأن أميركا مضطرة». ويعقّب السفير على إلغاء قمّة بوتين ـــ أوباما، مشيراً إلى أن «الإلغاء هو تعبير عن ارتباك أميركي، لكن هذا لا يعني أن القمة لن تحصل، ولقاءات وزراء الدفاع والخارجية الأميركيين والروس هو تمهيد، لذلك القمة لن تكون بعيدة».
ماذا فعل بندر بن سلطان في روسيا؟ «لم يفلح في شيء»، يردّ علي مضيفاً: «حاول الأخير تليين المواقف الروسية ورشوة روسيا بمصالح مادية، لكن الموقف الروسي حاسم». يقول السفير إن «مصالح روسيا في العالم ليست مصالح مادية فحسب، بل تتقاطع مع السلام الدولي، وروسيا تدافع عن نفسها أيضاً؛ لأن ما يجري في سوريا وفي المنطقة من تهديد للنسيج الاجتماعي هو تهديد لروسيا أيضاً، من هنا هذا الموقف الروسي الصلب».
ما أخبار حملات استهداف حزب الله في الغرب؟ بالطبع، لن يتوقّف الضغط على حزب الله، بحسب علي، و«هو لم يتوقّف أصلاً». «حزب الله كبؤبؤ العين بالنسبة إلى محور المقاومة، وضرب حزب الله كضرب سوريا والعكس بالعكس، القرار الأوروبي الأخير هو نزع شرعية متدرجة عن المقاومة تمهيداً لهجوم عسكري عليها، لكن القرار فقد قيمته منذ الأولى». يربط السفير بين «كمين اللبونة» والقرار الأوروبي، معتبراً أن «الدخول الإسرائيلي كان اختباراً لمدى تجاوب المقاومة مع الردّ المباشر على أي خرق جدّي، ووصلت الرسالة».
التفاؤل في حديث السفير لا يعني أن الحرب انتهت، وأن بإمكان محور المقاومة الاطمئنان، «لن يسلم المحور المعادي للخسارة بسهولة، والآن الأمور مفتوحة على كل الحدود».
تقطع أخبار مصر العاجلة الحوار. يعلّق علي على صور الاشتباكات التي يبثّها التلفزيون، مؤكّداً «أن احتمال خروج الجيش المصري من الحضن الأميركي هو احتمال قائم وعودته إلى روسيا، وهو اليوم مكبّل بكامب ـــ ديفيد، بالإضافة إلى أن التشويش الإسرائيلي الكبير على دور هذا الجيش».
حديث سوريا لا ينتهي. ماذا عن الاستفاقة المستجدة للمعارضة السورية المسلّحة في اللاذقية؟ ماذا عن الأكراد؟ ملفّات التعاون الأمني بين سوريا والغرب في مجال مكافحة الإرهاب؟
يجيب علي: «الهجوم على اللاذقية هو محاولة تحقيق انتصار وهمي بعد إنجازات الجيش العظيمة في حمص وريف دمشق عبر استغلال الحدود التركية الواسعة مع المحافظة وهي كالإنجاز الوهمي في مطار منغ في إدلب ومجزرة خان العسل، لكن الجيش حسم الأمر سريعاً. والإشارة إلى اللاذقية لأنها منطقة حاضنة للدولة وللنازحين من كلّ المحافظات السورية».
وحول الملفّ الكردي، يشير السفير السوري إلى أن «قتال الأكراد للقوى الظلامية هو أمر طبيعي لأنهم يدافعون عن بيوتهم وأرزاقهم كأي موطن سوري، وتترك ارتباكاً كبيراً لدى حكومة (رئيس الحكومة التركية رجب طيب) أردوغان». ويجزم السفير بأنّ «ما يُتداوَل عن مشروع لإقامة إقليم كردي منفصل هو غير واقعي، الأكراد مواطنون سوريون، والمناطق التي يقاتلون فيها هي مناطق مختلطة بين الأكراد والشركس والعرب والأشوريين، وهي دليل على ثبات البنية الوطنية السورية». هل ما زالت الهدنة قائمة بين حزب العمال الكردستاني وتركيا؟ «أردوغان أجهز على الهدنة بنفسه بفضل غبائه، لا يمكن أن يقيم هدنة مع الحزب ويدعم جبهة النصرة، وما يقال عن رفع الغطاء عن النصرة هو كلام كاذب، الغطاء التركي والأميركي على جبهة النصرة قوي، وإدراجها على لائحة الإرهاب الأميركية خداع».
أما التنسيق مع الغرب في ملفّ مكافحة الإرهاب، فيقول علي إن «أي دولة أوروبية تريد تصحيح مسارها والتعاون مع سوريا نرحب بها، وهناك تمايز كبير بين دولة أوروبية وأخرى، بعض الدول الأوروبية تعمل جاهدة على فتح قنوات اتصال مع الدولة السورية، وألمانيا مثال على ذلك».
حصّة لبنان في حديث السفير لا تقلّ عن حصّة سوريا. يرى علي أن الجيش اللبناني يقوم بدور كبير الآن في البلد، «كذلك إن التنسيق قائم بين الجيش اللبناني والسوري، لكننا نطالب بتفعيله أكثر وبالسيطرة على بعض الجيوب المفتوحة على الحدود اللبنانية السورية في أكثر من مكان». يقول السفير إن «لدى سوريا ثقة بالجيش اللبناني، لكنْ هناك ضغوط دولية تحسب لها الجهات الرسمية حساباً، ما ينعكس سلباً على الأمن اللبناني، ونخشى الآن على لبنان قبل خشيتنا على سوريا». كيف هي العلاقة مع الرئيس ميشال سليمان؟ يتردّد السفير قبل أن يعلّق، «العلاقة عادية جداً ورسمية، الإعلام يعرف أكثر عن العلاقة».
وعن النازحين السوريين، يشير علي إلى أن السفارة أرسلت مذكرة إلى وزارة الخارجية تعترض فيها على التسيّب في ملفّ معاملة النازحين، كما تنتقد بعض الممارسات التي تتمّ بحقّهم. ويؤكد علي أن نسبة العائدين في المرحلة الأخيرة تتجاوز نسبة الوافدين إلى لبنان، و«السفارة تعمل على إعادة عدد كبير من النازحين إلى المناطق الهادئة والمناطق التي انتهت فيها الأعمال العسكرية، لكن بعض اللبنانيين يحرّضون النازحين بعضهم على بعض وعلى دولتهم».