السعودية وإيران الشياطين والأفعى!
صحيفة السفير اللبنانية ـ
خليل حرب:
يعلم وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل مثلما يعلم أي ديبلوماسي في العالم، بأن نظيره الايراني محمد جواد ظريف لن يسرع مهرولا الى الرياض بعدما اكتفى الفيصل خلال مؤتمر صحافي بابداء «الرغبة» في استقبال نظيره الايراني في المملكة.
وليس من الواضح حتى الآن، في أي قناة سياسية يمكن صرف تصريح الوزير السعودي. فنائب وزير الخارجية الايراني حسين عبد اللهيان، اعلن بعدها بساعات «لم نتلقَ بعد دعوة مكتوبة (من السعودية)» على الرغم من ان الفيصل اشار الى ان دعوة ارسلت الى ظريف.
هناك نقطة ضائعة مرتبطة بالزيارة المحتملة وحقيقة الدعوة. لكن الغالب ان ظريف يردد الآن «ما هكذا تورد الإبل يا فيصل». ومهما يكن، فان تصريحات الفيصل تشير الى تحول ما في سلوك المملكة التي كان ملكها عبد الله بن عبد العزيز يقول قبل ستة اعوام تماما، ان «رأس الافعى» يجب ان يُقطع، وهو يحث الاميركيين على مواجهة ايران بحزم.
هل هو استدراك سعودي متأخر لخطأ القطيعة الطويلة مع الايرانيين؟ هل هناك حسابات سعودية داخلية لهذا التحول ولو كان خجولا؟ ام ادراك مرحلي لاهمية فتح قنوات اتصال مباشرة مع طهران، وخصوصا مع عهد الرئيس حسن روحاني؟ ام ان المسألة لا تتعدى كونها محاولة سعودية لاعادة التموضع في هذه الظروف الاقليمية الملتهبة؟
وفي كل الاحوال، فان المبالغة في البناء على تصريحات سعود الفيصل تبدو ضربا في المجهول. فلم يمض يوم على تصريحاته الصحافية التي سكب عبد اللهيان عليها بعض الماء البارد، على الرغم من ترحيبه بأهمية المفاوضات بين البلدين اللدودين، حتى خرج ولي العهد السعودي الامير سلمان امام وزير الدفاع الاميركي تشاك هايغل ليحذر صراحة، من «مساعي بعض دول المنطقة لتغيير موازين القوى الاقليمية لمصلحتها وعلى حساب دول المنطقة»، وهي اشارة واضحة الى ايران.
شائكة الملفات العالقة بين المملكة السعودية والجمهورية الايرانية. وهي ايضا عديدة ومتشعبة. لكن المعضلة ايضا انها لا تقتصر على خلافات ذات طابع سياسي بحت. السياسات «البندرية» التي تنسب الى المخلوع بندر بن سلطان خلال السنوات الماضية – وهي غالب الظن ليست عزفا منفردا قام به من دون الضوء الاخضر من دائرة الحكم المصغرة المحيطة بالملك ـ ساهمت في تعميق الخلافات لتخرج من السياسة الى الاديان والمذاهب والطوائف في قوس امني ملتهب من أفغانستان وباكستان شرقا، الى العراق والخليج واليمن وسوريا ولبنان.
ان الاعتقاد بامكان تسوية شاملة يبدو امرا مستحيلا اقله في المدى المنظور. وغالب الظن، ان المجال متاح لتفاهمات هنا وهناك برغم الشياطين الكثيرة التفاصيل. انهك السعوديون انفسهم بالكثير من المعارك والجبهات وتسربت الصراعات الى داخل البيت الخليجي نفسه. المصالح المشتركة قد تبدو قادرة على جمع الطرفين خارج اطار الفكر التكفيري السائد، لكنها لن تحقق اختراقات كبرى. يسلم السعوديون تدريجيا بان ايران ماضية نحو ترسيخ حقها كدولة وازنة في المنطقة، ونووية ايضا. الاميركيون يسيرون على الدرب، والرسالة نقلت بوضوح الى القيادة السعودية: التفاهم الاميركي ـ الدولي ـ مع ايران قادم، فرتبوا اوضاعكم.
وبهذا المعنى، فان مهمة الفيصل، كسياسي عريق في مملكة تتسم بنوع من البطء في حراكها الخارجي، توفير الاخراج الديبلوماسي اللائق والتدريجي، من نظرية «رأس الافعى»، اقله الى المثل القائل «الجار جار، ولو جار».