السعودية تسدِّد 20 % من «الهبة».. ووفد فرنسي إلى بيروت.. الحوار «يستنقذ» عرسال: تحضيرات لتوزيع النازحين
صحيفة السفير اللبنانية:
لكن المواجهة المفتوحة مع الإرهاب، لا تحتمل انتظار الرئيس الذي لا يلوح وجهه، أو أي من ملامحه، في الأفق حتى الآن.
وعليه، ليس هناك خيار سوى خوض هذه المواجهة المفروضة بما تيسر من مؤسسات وسلاح.
ولعل العبء الأكبر في هذا الصراع يقع على الجيش الذي يقاتل على جبهتَين: عسكرية واستخبارية، إلى جانب الجهد المبذول من القوى الأمنية.
ويصل في النصف الثاني من آذار الحالي الى بيروت وفد عسكري ـ تقني فرنسي، لإجراء محادثات مع قيادة الجيش حول تفاصيل الدفعة الأولى من السلاح الفرنسي المفترض أن تصل في الأسبوع الأول من نيسان المقبل.
وفي المعلومات، أن هذا التطور أتى بعدما دفعت السعودية للفرنسيين ما قيمته 20 في المئة من هبة الثلاثة مليارات دولار.
والى حين تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية بالمزيد من العتاد المضاد للإرهاب، انتقل الجيش مؤخرا بـ «حواضر البيت» من الدفاع الى الهجوم في الصراع مع المجموعات التكفيرية، فوجَّه لها ضربة استباقية عبر السيطرة على إحدى التلال الاستراتيجية في جرود راس بعلبك، فيما كانت مخابراته تواصل عملياتها النوعية التي قادتها خلال الأيام الماضية الى الظفر بأكثر من صيد ثمين.
وبرغم هذه الإنجازات الميدانية المتلاحقة، إلا أنه باتت هناك قناعة لدى أغلب المسؤولين على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية أن منسوب المخاطر سيظل مرتفعا ما لم يتم تجفيف أحد أبرز ينابيعها، والمتمثل في بعض المخيمات الحدودية، خصوصا مخيم النازحين السوريين في جرود عرسال، والواقع خلف النقطة الأخيرة للجيش في وادي حميد.
وقد تأكد بموجب الوقائع الميدانية المتراكمة، واعترافات العديد من الموقوفين أن مخيم النازحين في الجرود، تحول رغما عن إرادة الكثيرين من قاطنيه، إلى ملاذ لخلايا إرهابية تتخذ منه مكانا لتفخيخ السيارات وتجهيز الأحزمة الناسفة وتحضير الانتحاريين والإرهابيين والتخطيط لهجمات ضد الجيش أو ضد أهداف مدنية، حتى في داخل بلدة عرسال التي كانت عرضة لاعتداءات عدة.
واستنادا إلى المعطيات المتوافرة، فإن المجموعات المسلحة المنتشرة في أعالي الجرود تستفيد لوجستيا من هذا المخيم الجردي الذي بات يشكل رئة لها، تتنفس من خلاله، وكثيرا ما يتسرب إليها جزء من الإمدادات التي ترسلها الدولة اللبنانية الى النازحين لاعتبارات إنسانية (مازوت، غذاء…إلخ)، علما ان الاستخدام الأخطر للمخيم يبقى في اعتماده «محطة ترانزيت» في الطريق نحو تنفيذ عمليات إرهابية في العمق اللبناني.
وأمام هذه الحقائق، طُرح مصير المخيم مجددا على بساط البحث خلال الحوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، بحضور «حركة أمل»، في عين التينة، حيث أبدى الحزب استعدادا للأخذ والرد في هذا الشأن، بعدما كان يرفض سابقا، الى جانب «التيار الوطني الحر»، نقل المخيم من محيط عرسال الى مناطق أخرى.
وليس خافيا، أن وزير الداخلية نهاد المشنوق طرح، بعد تشكيل الحكومة الحالية، تفكيك المخيم وتوزيع المتواجدين فيه على مخيمات صغرى ومتفرقة في البقاع الأوسط، تبعد عن الحدود مع سوريا. لكن «حزب الله» وعون رفضا آنذاك هذا الطرح، الأول لاعتبارات أمنية، والثاني لخشيته من خطر «التوطين السوري».
في الجلسة الأخيرة من الحوار، أبدى الحزب ميلا للتعاطي بمرونة مع فكرة إقفال المخيم وتوزيع المقيمين فيه على مخيمات صغرى، بعدما أصبح ضرره الأمني كبيرا. ويبدو أن خطوط التشاور مفتوحة في هذا الإطار بين «حزب الله» و«حركة أمل» من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى.
كما إن الجيش يعتبر أنه بات من الملح تفكيك المخيم لإنهاء «الدفرسوار» الممتد ما بين عرسال وجرودها، لا سيما أن المسلحين يتخذون من النازحين المدنيين غطاء يتلطون خلفه، ويتسترون به، لترتيب أمورهم وتهديد الجيش والداخل اللبناني.
وإذا كان قد سبق للمشنوق أن وصف عرسال بأنها «محتلة»، فإن الرئيس سعد الحريري أصبح يشعر بأن الوضع السائد فيها وفي محيطها هو كارثي، كما نُقل عنه قبيل مغادرته بيروت، محذرا من أن هذا الوضع لا يجوز أن يستمر.
وإزاء هذا التقاطع بين مواقف «حزب الله» و«المستقبل» والمؤسسة العسكرية حول ضرورة معالجة واقع مخيم جرود عرسال، بعدما تفاقمت مخاطره على أمن الجيش واللبنانيين.. يبدو أن المناخ الداخلي غدا مهيئا لإنضاج خطوات عملية في اتجاه إنهاء هذه البؤرة، إنما من دون المساس بحق النازحين المدنيين في تأمين بدائل لهم.
وفي هذا السياق، عُلم أن المئات من النازحين المقيمين في مخيمات عرسال بادروا خلال الأيام الماضية إلى تسوية أوضاعهم القانونية في مركز الأمن العام الذي تم استحداثه في البلدة، كما أن كثيرين غيرهم يستعدون لشرعنة وجودهم، وهو ما سيشجعهم لاحقا على الانتقال إلى المخميات التي قد تقرر الدولة إنشاءها في بعض أماكن البقاع.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ «السفير» إن الاتجاه الغالب هو نحو توزيع تجمعات النازحين السوريين في عرسال وجرودها على مخيمات متفرقة في البقاع، تبعد ما بين 10 و15 كيلومترا عن الحدود مع سوريا.
وشددت المصادر على أن هذا الإجراء سيكون مرفقا بضوابط صارمة تمنع تحول المخميات المستحدثة إلى بؤر حاضنة للإرهاب.درباس ينبه
وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«السفير» إن هناك 1500مخيم عشوائي للنازحين السوريين، على امتداد الأراضي اللبنانية، منبها إلى أن هذا الانتشار الفوضوي ينخر في الجسم اللبناني بصمت، ويسبب مشكلات اجتماعية وأمنية آخذة في التراكم.
ولفت الانتباه إلى أنه سبق له أن اقترح تجميع النازحين في مخيمات مركزية بعيدة عن الحدود، في سهلَي البقاع وعكار، تتوافر فيها الخدمات الصحية وفرص العمل، وتخضع إلى الرقابة الأمنية المشددة، معتبرا أن هذا الخيار كفيل باحتواء المخاطر المترتبة على التوزع العشوائي الحالي للنازحين الذين أقاموا في أماكن تواجدهم مخيمات أمر واقع، لا تخضع إلى أي معايير تنظيمية.
وشدد على أن «خوف البعض من أن تؤدي المخميات المركزية المنظمة إلى التوطين ليس في محله، لأن هناك فوارق كبيرة بين الحالة الفلسطينية والحالة السورية، ومع ذلك، فأنا لا أستطيع تجاهل هذه الهواجس، المسيحية الطابع، وإن كنت أجزم بأنه فور عودة السلام إلى سوريا فإن النازحين سيعودون بأسرع مما يعتقد البعض، وسيلحق بهم أيضا اللبنانيون الذين سيكون لهم دور حيوي في عملية إعادة إعمار سوريا».
وأضاف درباس: أنا متأكد من أن إقامة المخيمات المركزية ستقود إلى تنفيس الاحتقان الداخلي بنسبة 50 في المئة، وأتمنى ألا نكون قد تأخرنا في اتخاذ القرار.